العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة |
إن الزلازل من آيات الله، وهي دلالة على ختام الدنيا كذلك عندما يأذن الله بالقيامة (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، ويقول -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).. لنستيقظ من الغفلة، ولنتب إلى الله، فوالله إنا لنخشى العقوبة من الله، فالناس في المعاصي غارقون، وأهل الخير لا ينكرون، فما الذي يمنع عنا عذاب الله، وحالنا كما قال -سبحانه- (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)، على كل عبد أن يحاسب خاصة نفسه، ثم يقوم برعاية من تحت يده، وإذا رأى منكرًا غيَّره، فعسى أن يكون ذلك رافعًا لعذاب الله عن الأمة..
الخطبة الأولى:
الحمد لله العزيز الذي لا يمانع، القوي الذي لا يغالب، الحكيم الذي لا معقِّب له، الكون كله في قبضته، والناس تحت سطوته، يفعل ما شاء ويحكم ما يريد، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، سبحانه من إله لا يُدرك كمالُ مدحه، ولا يَبلغ العبد شكر نعمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي عرف الله بأسمائه وصفاته، فقرت عينه وسلم أمره لقضاء الله وقدره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: إن الله -سبحانه- يرسل بالآيات ليستيقظ الغافل، ويتوب المذنب، ويعود المعرض، يرسل لهم ما يخوفهم، (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].
إنَّ الله -سبحانه- هو المدبِّر للكون المتصرف فيه، لا يكون شيء فيه إلا بأمره ومشيئته (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59].
معاشر المسلمين: الكل سمع بالزلازل هذه الأيام في بلادنا ومن حولنا، وآخرها الزلزال الذي ضرب العراق وإيران، فهل أخذنا العبرة من ذلك، أم مرَّت علينا كما يقولون بأنها ظواهر كونية، ولا زلنا في غفلة عن آيات الله، كما قال -سبحانه-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105].
معاشر المسلمين: إن الله قوي لا يُغالَب، عزيز لا يُذَلُّ، حكيم في تدابيره وقدره، وإن المتصفح لهذا الكون يرى ذلك جليًّا بلا امتراء ولا ريب.
فأين قوى العالم التي تفخر بقوتها، ليتعظوا بقدرة الله؛ (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ) [فصلت: 15].
عباد الله: إن هذا الزلزال جند من جند الله (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر: 31]، وهو من عذاب الله ومن نقمته التي يسلطها على من يشاء من عباده، ومن الزلازل الخسف والرجفة، وقد ورد ذلك في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [النحل: 45]، وقال سبحانه: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) [الإسراء: 68] وقال -جل وعلا-: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) [الملك: 16].
وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف"، وأخرج الترمذي من حديث عمران بن حصين مرفوعًا "في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قيل: متى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور".
وأخرج الترمذي من حديث عائشة مرفوعًا "يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" قيل: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا ظهر الخبث".
فمن هذه الآيات والأحاديث يتبين لنا كيف أن الله هدَّد عباده بالخسف، وكيف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنذر الناس أن يخسف بهم إذا ارتكبوا بعض المعاصي.
فليت الناس إذ مسهم البلاء تضرعوا لربهم، وخافوا منه، وعرفوا النعمة التي هم فيها من قرار الأرض، فاليابان أكثر البلاد زلازل، فحياتهم غير مستقرة، ومعاشهم متنكد، مهما تأقلموا معه، إلا أنهم في خوف مستمر.
إن المسلم الموقن يعلم أن ما حدث بتلك البلاد إنما هو بقدَر الله، وأن أقدار الله لا تنفك عن حكمة؛ علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
خامسًا: يظن بعض الناس أن سبب حدوث الزلازل إنما يرجع إلى عملية جيولوجية بحتة، ولا علاقة لها بما يعمل على الأرض، وهذا قد يكون صحيحًا، ولكن لا يعدو أن يكون أحد الأسباب التي يهيئها الله لحدوث الزلزال، وإنما السبب الرئيس لحدوث الزلزال هو كما سبق آية من آيات الله يخوف بها عباده، ويعاقب بها، كما قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].
قال قتادة: "إن الله –تعالى- يخوِّف الناس بما شاء من الآيات؛ لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون" اهـ.
وإن مما يدل على أن هذه الأسباب الجيولوجية ليست بضرورية، أنهم يذكرون أن أرض الحجاز من أصلب الأراضي وليس معرَّضة للزلازل، وقد ذكر المؤرخون كابن الجوزي في كتابه المنتَظم، وكذلك المفسرون كابن كثير في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور أن المدينة زلزلت على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مرات فقال عمر: "أحدثتم والله لئن عادت لأفعلن ولأفعلن"، في رواية أنه قال: "إن عادت لا أساكنكم فيها"، وقال قتادة: "ذُكِرَ لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال: يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه".
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد؛ فالمسلم في هذه الحياة يتعرض للنكبات والمصائب وذلك من باب الابتلاء والامتحان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2]، وقال: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].
ولله -جل وعلا- أن يبتلي عباده كما شاء؛ فالخلق خلقه والأمر أمره (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]، والناس عند وقوع المصائب والكوارث على قسمين؛ منهم الذي يصبر ويحتسب، وهذا مَثَل المؤمن القوي الذي يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه قال علقمة -رحمه الله- في قوله: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن: 11]، هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم.
وقسم يضجر ويعترض على القدر، ويلقي باللوم على خالقه ومولاه، ويخرج كلمات السخط والعتاب، وهذا للأسف هو السائد على الناس إلا من عصم الله، قال ابن القيم: "وأكثر الناس يظنون بالله ظنّ السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءَه وصفاته وموجبَ حكمته وحمده". اهـ.
أخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله –تعالى- إذا أحب قومًا ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".
عباد الله: إننا لنسمع من البعض عند حدوث المصائب ما ينقبض له القلب، ويقشعر له البدن كقول البعض: لماذا أنا الذي أُصاب من بين الناس، ماذا فعلت حتى يقع عليَّ كذا وكذا، وما ذنبي؟ ولربما رمى الله بالظلم!! فإذا وقعت المصيبة على أطفال مثلاً، تجد البعض يقول بأي جرم أصابهم ذلك وهم أطفال، أو يقول هلك من الأبرياء كذا وكذا، وكأن الله ظلمهم –تعالى- الله عن ذلك، ونحوها من الكلمات التي تدل على التضجر وعدم الرضى بأقدار الله، أو تدل على نسبة تلك الظواهر لغير الله كقولهم كوارث طبيعية أو غضب الطبيعة.
ولكن من علم أن الله له الحكمة البالغة، والمشيئة النافذة، فإنه يقبل على شأنه، يمسك لسانه، ويرضى ويسلم؛ (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49]، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 64]
أيها المؤمنون: إن الزلازل من آيات الله، وهي دلالة على ختام الدنيا كذلك عندما يأذن الله بالقيامة (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) [الزلزلة: 1]، ويقول -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1-2].
عباد الله: لنستيقظ من الغفلة، ولنتب إلى الله، فوالله إنا لنخشى العقوبة من الله، فالناس في المعاصي غارقون، وأهل الخير لا ينكرون، فما الذي يمنع عنا عذاب الله، وحالنا كما قال -سبحانه- (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الإسراء: 60].
على كل عبد أن يحاسب خاصة نفسه، ثم يقوم برعاية من تحت يده، وإذا رأى منكرًا غيَّره، فعسى أن يكون ذلك رافعًا لعذاب الله عن الأمة.
اللهم اغفر للمسلمين....