الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد آل طالب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
إن هذا الدينَ العظيمَ نُقِلَ إلينا على أكتافِ رِجالٍ عِظامٍ اختارَهم الله لهذا الحِملِ الثَّقِيلِ، صدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عليه، ولم يتوانَوا أو يستكِينُوا، وكان لرباطَةِ جأشِهم وثباتِهم في المُلِمَّات، وبَذلِهم الغالِيَ والنَّفِيس وتضحِياتهم الأثرُ الكبيرُ في حِفظِ المِلَّة وبقاءِ الشريعة.
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا، والحمدُ لله حمدًا غزيرًا صيِّبًا، الحمدُ لله عددَ قَطرِ الأمطار ودَفقِ السَّيل، سُبحانه ربُّنا وبحمدِه يُكوِّرُ الليلَ على النار، ويُكوِّرُ النهارَ على الليل، أسبغَ علينا نِعمَه ظاهرةً وباطِنةً، ووعدَ بالحُسنَى مَن أطاعَه، وحذَّرَنا من أتباعِ الشَّهَوات ومَن يُريدُون بالأمة عظيمَ المَيل.
أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابِعين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فوصيَّةُ الله للأولين والآخرين تقوَاه، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
التقوَى رأسُ الأمر كلِّه؛ فهي السائِقُ للخير، والحاجِزُ عن المحارِم، وأعجَزُ الناسِ مَن أتبَعَ نفسَه هواهَا وتمنَّى على الله الأمانِي، وأكيَسُهم مَن دانَ نفسَه وعمِلَ لما بعدَ الموتِ، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غافر: 39، 40].
أيها المسلمون: لما أرادَ الله - عزَّ وجل - أن يبلُوا المُؤمنين ومَن الْتَحَقَ برِكابِ الإسلام، وشاءَ أن يمتَحِنَ فيهم بَردَ اليقينِ وصِدقَ الإيمان، فاوَتَ بين أحوالِه، وداوَلَ بين أيامِه، فما بين علُوٍّ وانكِسار، وعزٍّ وانحِسار. فمَن أسلمَ زمنَ الرَّخاء، فإن أزمِنة الشَّدائِد كفِيلةٌ بكَشفِ حقيقةِ تديُّنِه، ومَن استقامَ تمشِّيًا مع المُجتمعِ المُحيطِ به خذَلَتْه المُتغيِّرات.
ولو دامَ أمرُ الإسلام رخاءً وانتِصارًا للحِقَ به مَن يطرَبُ للرَّخاء ويعبُدُ النَّصر، ولو لم يعبُدِ الله، لذا فإن أكثر ما تشرئِبُّ نفوسُ النِّفاق، وتتخالَفُ أقدامُ المُنافقِين في أزمِنة العُسرِ ومواقِفِ الخَوف والضَّعف، وهي مشاهِدُ تكرَّرَت في مسيرات الأنبِياء وتوارِيخِ أُممهم.
فإن أقوامًا من أتباعِ مُوسَى - عليه السلام - وطائفةٍ من جيشِه لما قال لهم نبيُّهم: (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[المائدة: 21]، ردُّوا عليه بأنَّ فيها قومًا جبَّارِين، وأنهم لن يدخُلُوها أبدًا ما دامُوا فيها، واختَصَروا حِكايةَ تديُّنهم بقولِهم: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: 24].
وتكرَّرَ هذا المشهَدُ مِرارًا مع نبيِّنا محمدٍ - عليه الصلاة والسلام -؛ ففي سُورة الأحزابِ يسُوقُ اللهُ مثلًا لتساقُطِ الهَلكَى، إذ يقول - سبحانه -: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)[الأحزاب: 10- 12].
فكلما كان الحقُّ في حالٍ أصعَب كان الفِرارُ منه أسرَع، والتحلُّل من تكالِيفِه أوجَعُ وأفجَعُ.
وحين ضعُفَ الحالُ بالمُسلمين رأَيتَ كثرةَ المُتحلِّلين من بعضِ تكالِيفِ الإسلام، أو مَن يعُودُ على بعضِ أحكام الشريعة بالتهذيبِ أو التأويلِ، بزَعم مُواكَبَةِ العصرِ والاتِّساقِ مع العالَم وحضارَتِه، ونسِيَ أولئك أو تناسَوا أن عُمر الإسلام يفُوقُ ألفًا وأربعمائةِ عامٍ كان في أكثر من ألفٍ منها هو المُسيطِر والمُتمكِّن سُلطانًا وحضارةً، وعِزًّا وغضَارة، كان مخطُوبَ الوُدِّ، مُهابَ الجَنابِ.
أكثر من ألفِ عامٍ رفعَ الله به الأمِّيَّةَ عن أتباعِه إلى الرِّيادة في العلمِ والحضارةِ، ومن التشرذُمِ إلى الاجتِماع، ومن الخَوفِ إلى الأمنِ، ومن الفقرِ إلى الغِنَى، ومن الضَّيعَة إلى التمكِين، ومن التَّبَعِيَّة إلى القِيادة، (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) [آل عمران: 103]، وبعدها بآياتٍ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].
عن أبي هُريرة - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «نحن الآخِرُون الأوَّلُون يوم القيامة، ونحن أولُ مَن يدخُلُ الجنةَ، بَيْدَ أنهم أُوتُوا الكتابَ مِن قبلِنا، وأُوتِيناه من بعدِهم فاختَلَفُوا، فهدانا الله لما اختَلَفُوا فيه من الحقِّ» (رواه مسلم).
أيها المُسلمون: ومع كل تلك الخيريَّة، فإنه يقَعُ الضَّعفُ وضِيقُ الحالِ بسببِ التجافِي عن الدين، واستِرخاءِ القبضَةِ على تعالِيمِ الشريعة، وعليه فإن الإسلام كلُّ الإسلام وعلى الصُّورة التي أنزلَها الله، وعمِلَ به سلَفُنا الصالِحُ هو قَدَرُنا الذي لا محِيصَ غنه، وهو الذي يُنتِجُ موعُودَاتِ الله من النَّصرِ والبرَكاتِ في الدنيا، ورِضا الله والفوزَ بجنَّاته في الآخرة، (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[البقرة: 211].
وأعظمُ نعمةٍ هي نعمةً الدين، والثباتُ على ما أنعَمَ الله به من هدايةٍ هي أُمنيَةُ الصالِحين، ورجاءُ العارِفِين، ودُعاءُ المُخبِتِين. ومزِلَّةُ القدَم هو خَوفُ المُتعبِّدين، وإشفاقُ المُتألِّهِين، ومُتأوَّهُ المُحسِنين.
وكان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يقولُ: «يا مُقلِّبَ القلوبِ! ثبِّت قلبِي على دينِك».
وكان الصحابةُ بعد وفاةِ نبيِّهم - عليه السلام - يُجاهِدُون أنفسَهم على ألا يُنقِصُوا من العملِ الذي فارَقَهم رسولُ الله وهم عليه؛ حتى إن عبدَ الله بن عمرو - رضي الله عنهما - لما أوصَاهُ نبيُّ الله بأن يرفُقَ بنفسِه في العبادةِ، فقال: "إنِّي أُطيقُ أكثَرَ من ذلك"، لما كبُرَ لم يُطِق، فقال: "يا لَيتَني قبِلتُ رُخصةَ رسولِ الله".
قال ابنُ تيمية - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث: "كان عبدُ الله بن عمرو لما كبُرَ يقولُ: يا لَيتَني قبِلتُ رُخصةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لئلا يُفارِقَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على حالٍ ثم ينتقِلُ عنها".
أيها المُسلمون: لقد مجَّد الله أهلَ الثباتِ، فقال - سبحانه -: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23].
وإن الأمةَ اليوم بأمَسِّ الحاجةِ لمواقِفَ راسِخةٍ ثابِتة، ولقُدواتٍ مُستقيمة قادِرةٍ على تحمُّلِ أعباءِ المرحَلَةِ الحَرِجَة، والمسؤوليَّات المُتزايِدة نتيجةَ الغُثائيَّة التي تمُرُّ بها الأمة، والضعفِ والوَهن والتراجُع، مع كثرةِ التلوُّن والانهِزاميَّة.
إن هذا الدينَ العظيمَ نُقِلَ إلينا على أكتافِ رِجالٍ عِظامٍ اختارَهم الله لهذا الحِملِ الثَّقِيلِ، صدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عليه، ولم يتوانَوا أو يستكِينُوا، وكان لرباطَةِ جأشِهم وثباتِهم في المُلِمَّات، وبَذلِهم الغالِيَ والنَّفِيس وتضحِياتهم الأثرُ الكبيرُ في حِفظِ المِلَّة وبقاءِ الشريعة.
ولما حضَرَت الوفاةُ حُذيفةَ بن اليَمَان - رضي الله عنه - دخلَ عليه أبو مسعُودٍ الأنصاريُّ - رضي الله عنه - فقال: يا أبا عبدِ الله! اعهَد إلينا، فقال حُذيفةُ: "أوَلَم يأتِك اليَقين؟ اعلَم أن الضلالةَ حقَّ الضلالة أن تعرِفَ ما كُنتَ تُنكِر، وأن تُنكِرَ ما كُنتَ تعرِف، وإيَّاك والتلوُّنَ في دينِ الله فإن دينَ الله واحِد".
إن انهِزاميَّةَ الفَردِ المُسلمِ من الداخِلِ لداءٌ عُضالٌ، ومرضٌ فتَّاك، ينخَرُ في قوَّة الأمةِ ووحدَتِها وعِزَّتها، ويُضعِفُ حصَانَتَها من تسلُّل شُبُهات الأعداء، وتنفيذِ مُؤامراتهم ومُخطَّطاتهم ومكرِهم المُتواصِل الذي تكادُ تزولُ منه الجِبال، والمُنهزِمُ داخِليًّا عالَةٌ وعِبْءٌ على مُجتمعه.
أيها المُؤمن: تذكَّر أن الصراطَ المُستقيمَ الذي تسلُكُه ليس جديدًا ولا وَليدَ قَرنِك وزمانِك، وإنما هو طريقٌ عَتيقٌ قد سارَ فيه مِن قبلِك الأنبياءُ والعُلماءُ، والشُّهداءُ والصالِحُون، ومَن اصطفاهم اللهُ بقولِه: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) [النمل: 59]، وقال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر: 32].
والصبرُ وسيلةُ المُؤمنين في الطريقِ الطويلِ ذي الشَّوكِ، والثِّقةُ بوَعدِ الله الحقِّ، والثَّباتُ بلا قلَقٍ ولا حَيرةٍ ولا شُكُوكٍ. الصَّبرُ والثقةُ والثباتُ على الرَّغم من اضطِرابِ الآخرين، ومَكر الماكِرين، ونَصرُ الله قريبٌ مُدَّخرٌ لمَن يستحِقُّونَه، ولن يستحِقَّه إلا الذي يثبُتُون على البأساءِ والضرَّاءِ، ولا يحنُونَ رُؤوسَهم للعاصِفة، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) [الروم: 60].
بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنَّة، ونفعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى رِضوانِه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعدُ .. أيها المسلمون: إن أمةً موعُودةً بحُسن الجزاءِ عند البلاء، والثوابِ لدَى مُكابَدَة اللأواءِ، ومُثابةً على الدعوةِ والدعاءِ، وموعُودةً بإحدى الحُسنَيَين عند لِقاءِ الأعداء هي منصُورةٌ بتأكيدِ ربِّ الأرضِ والسماءِ، لا يجوزُ لفَردٍ منها أن يقنَطَ أو يحزَنَ، ولا أن يمَلَّ من خيرٍ أو يكَلُّ، فكيف ييأَسُ مَن اللهُ نصِيرُه؟! أو ينقطِعُ مَن ربُّه ظَهِيرُه؟! أو يفزَعُ واللهُ مُجِيرُه؟!
ولا ينبَغِي لصالِحٍ فضلًا عن مُصلِحٍ أن يعتبِرَ العملَ للإسلام عِبئًا وهَمًّا، أو يغتَمَّ لأجلِ تراجُعِ أفرادٍ أو جماعاتٍ عن بعضِ الإسلام أو كلِّه، وقد قال الله تعالى لنبيِّه - عليه السلام -: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) [الكهف: 6]، وقال:(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103].
فالهَمُّ والغَمُّ يُحبِطانِ المرءَ ويُضعِفان سعيَهُ أو يقطَعانِه، ومقادِيرُ الله نافِذةٌ في المآلاتِ، وليس على المرءِ إلا أن يسعَى في إصلاحِ نفسِه ومَن حولَه مع بَذلِ الدعاءِ لهم، والرِّفقِ بهم، ومحبَّةِ ما لدَيهم من خيرٍ يتمثَّلُ في أصلِ الإسلامِ لدَيهم وفرائِضِه التي يقُومُون بها وتجنُّبِهم لكثيرٍ من المُحرَّمات ولو قارَفُوا بعضَها.
والأمةُ فيها خيرٌ كثيرٌ، والواجِبُ رِعايةُ هذا الخير وتنمِيَتُه، وحِراسَتُه من عادِيات السُّوء، وتربِيةُ النفسِ والنَّشءِ على خَوفِ الله وتقوَاه، والعلمِ به وبحُدودِه وشريعتِه علمًا يُورِثُ العملَ والزكاءَ، ويبقَى زادًا ورِدءًا في النَّعماءِ والبأساء، فإن هذه النَّظرةَ تُعينُ المُصلِحَ على التوازُنِ في سعيِهِ للإصلاحِ، وتُبعِدُه عن الطَّيشِ في تعامُلِه، أو المُبالَغةِ في رُدودِ أفعالِه.
ومنارُ الطريقِ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب: 21].
وكان - صلى الله عليه وسلم - يُعجِبُه الفأْلُ، ويُبشِّرُ ويعِدُ بحُسنِ المآلاتِ، ويأمُرُ بالأخذِ بأسبابِ الفَوزِ والنجاحِ.
وللابتِلاءاتِ حِكَمٌ يُريدُ اللهُ إظهارَها كَونًا، كما أرادَها قدَرًا؛ (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال: 42]، وتسقُطَ أقنِعةُ الزٍّيفِ عن الباطِلِ والمُبطِلِين، وتعُودَ الأمةُ إلى مصدرِ عِزِّها، وتتمسَّكُ بكتابِ ربِّها وسُنَّةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وتجتمِعَ على الحقِّ وتتَّحِد.
وإن مع العُسْر يُسرًا، ومع الفَرَجِ شِدَّة، ورحمةُ الله قريبٌ من المُحسِنِين، فاعمَلُوا وأبشِرُوا وأمِّلُوا، ومَن كان له زادٌ من تقوَى وعملٍ صالِحٍ كان حرِيًّا بالنجاةِ، وسُنَّةُ الله ألا يُخيِّبَ عبدًا أقبَلَ عليه.
اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ! ثبِّت قلوبَنا على دينِك، واحفَظ لنا دينَنا الذي هو عِصمةُ أمرِنا، واحفَظ لنا دُنيانَا التي فيها معاشُنا، وآخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ.
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على مَن أرسلَه الله رحمةً للعالَمين، وهَديًا للناسِ أجمعين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامِين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمُسلمين ودينَهم وديارَهم بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلِك في فِلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم إنا نسألُك باسمِك الأعظَم الذي إذا دُعِيتَ به أجَبتَ، وإذا سُئِلتَ به أعطَيتَ أن تلطُفَ بإخوانِنا المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم كُن لهم في فلسطين، وسُوريا، وفي العراق، واليمَن، وفي كل مكانٍ، اللهم الطُف بهم، وارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج يا راحِمَ المساكِين، اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن عاونَهم.
اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.
اللهم احفَظ وسدِّد جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا وحُدودِنا، المُجاهِدين لحفظِ أمنِ بلادِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.
اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
ربَّنا اغفِر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القومِ الكافِرين.
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، إنك سميعُ الدعاء.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطِين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا طبَقًا مُجلِّلًا، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.
اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، اللهم سُقيَا رحمةٍ، لا سُقيَا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرَقٍ، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مِدرارًا، واجعَل ما أنزلتَه قُوَّةً لنا وبلاغًا إلى حِين.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سُبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين