المبين
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة |
لن ينجح العرب -فيما أعتقد والعلم عند الله- في استرداد أرض فلسطين باسم العروبة أبدا ولا يمكن أن يستردوها إلا باسم الإسلام على ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه؛ كما قال تعالى: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) .. ومهما حاول العرب، ومهما ملأوا الدنيا من الأقوال والاحتجاجات؛ فإنهم لن يفلحوا أبدا حتى ينادوا...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: لقد خص الله بعض خلقه بخصائص، وجعل لبعضها حرمة؛ سواء كانوا بشرا أم جمادا، وإن من الجمادات التي خصها الله بمزيد فضل وتعظيم، بعض القرى والمدن؛ فمكة والمدينة والقدس مدن إسلامية لها قداستها وحرمتها في الإسلام، وهي أراض مقدسة عند المسلمين، فأما مكة والمدينة فلا ينازع المسلمين فيها أحد، وأما القدس فقد تنازع المسلمون واليهود والنصارى فيها، منذ قديم الزمان وحتى هذه اللحظة.
عباد الله: اليهود يقولون هي ديارنا الأولى نحن بنيناها، وسكنا فيها، حتى خربها بختنصر، وهذه حجة واهية؛ فنبي الله يعقوب هو الذي بنى المسجد الأقصى، وهو جدهم -كما يزعمون-، ولكن هذا لا يعطيهم الملكية الدائمة، حيث إن يعقوب -عليه السلام- كان موحداً واليهود مشركون؛ فلا يعني أن أباهم يعقوب -عليه السلام- بنى المسجد فهو لهم بل بناه ليصلي فيه الموحدون ولو كانوا غير أبنائه، ويمنع منه المشركون ولو كانوا أبناءً له؛ لأن الأنبياء دعوتهم ليست عرقية بل قائمة على التقوى.
بل إن التأريخ يثبت أن الكنعانيين سكنوا القدس قبل اليهود، يقول بعض الباحثين في التأريخ "يقرر التاريخ أن أول من سكن فلسطين الكنعانيون قبل الميلاد بستة آلاف سنة، وهم قبيلة عربية قدمت إلى فلسطين من الجزيرة العربية وسميت فلسطين بعد قدومهم إليها باسمهم.
وأما اليهود فكان أول دخولهم فلسطين بعد دخول إبراهيم -عليه السلام- بما يقارب ستمائة عام، أي أنهم دخلوها قبل الميلاد بحوالي ألف وأربعمائة عام، فيكون الكنعانيون قد دخلوا فلسطين وقطنوها قبل أن يدخلها اليهود بما يقارب أربعة آلاف وخمسمائة عام".
فيتقرر بهذا أنه لا حق لليهود بأرض فلسطين لا حقاً شرعياً دينياً ولا حقاً بأقدمية السكنى ومُلْك الأرض، وأنهم مغتصبون معتدون.
معاشر المسلمين: الكل سمع باعتراف أميركا بأن القدس عاصمة إسرائيل بدلا من تل أبيب، وهذا يعني تهويد القدس، وسلب المسلمين حقهم المشروع، ونهبا لديار المسلمين عيانا بلا خوف ولا حياء، وهذا يدلنا على أشياء:
منها: أن الكفر ملة واحدة؛ فلا تغرنك شعارات العدل ومحاربة الظلم المزعوم، التي يرفعونها، فهم لا يرون للمسلمين قدرا، ولا حقا، بل يرون أنهم ليس لهم حق في الحياة كما حكى الله قولهم لبعضهم: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران:75].
ومنها: أن أمريكا لا تملك القدس حتى تهبها لمن تشاء؛ فاعترافهم بذلك لا يقدم في المسألة شيئا، إذا ما تمسك المسلمون بحقهم، فهم يسعون لذلك ولن يصلوا إليه ما دام أن المسلمين يعرفون قيمة القدس، وتجري في دمائهم الأخوة الإسلامية.
ومنها: أن اللبراليين الذين يعيشون في بلادنا، من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، هم أذناب للغرب، وأبواق لهم، فقبل أيام من هذه التصريحات كانوا ينادون بالتطبيع مع إسرائيل، وأن القضية الفلسطينية لا تعنينا، فتبين لنا هوية اللبرالية.
ومنها: أن القدس ليست ملكا للفلسطينيين وحدهم، بل هي تعني المسلمين جميعا؛ فلو فرض جدلا أن الفلسطينيين أعطوا اليهود القدس فليس لهم حق في ذلك؛ لأن الأراضي المقدسة ملك للمسلمين كلهم.
ومنها: أن الاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل يعني أن القدس كلها بشطريها الشرقي والغربي سيكون تحت سلطة الصهاينة، وأن جميع السفارات ستنتقل إلى القدس، وستكون القدس خارج النقاش في المستقبل، فقد تم الاعتراف بأنها يهودية.
ومنها: أن نعرف قيمة المرابطين في المسجد الأقصى والقاطنين في باحاته، وأنهم مرابطون في سبيل الله يحمون أرضا وبيتا مقدسة عند المسلمين.
ومنها: التفريق بين اليهود و الصهاينة، وإن كانوا كلهم كفرة مشركين، إلا أن الصهاينة هم دولة إسرائيل وهم المغتصبون للأراضي الفلسطينية، وهم الذين يسعون لمد نفوذهم على أراض المسلمين، أما اليهود فهم يعرفون أنهم محكوم عليهم بعد التمكين في الأرض، وهم ينددون بأفعال الصهاينة ويعارضونهم.
اللهم أعز دينك وكتابك وعبادك الصالحين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
أما بعد:
فيا أيها الناس: يقول الشيخ ابن عثيمين -قدس الله روحه-: "لن ينجح العرب -فيما أعتقد والعلم عند الله- في استرداد أرض فلسطين باسم العروبة أبدا ولا يمكن أن يستردوها إلا باسم الإسلام على ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه؛ كما قال تعالى: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:١٢٨].
ومهما حاول العرب، ومهما ملأوا الدنيا من الأقوال والاحتجاجات؛ فإنهم لن يفلحوا أبدا حتى ينادوا بإخراج اليهود منها باسم دين الإسلام، بعد أن يطبقوه في أنفسهم؛ فإن هم فعلوا ذلك فسوف يتحقق لهم ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر، والشجر، فيقول الحجر، أو الشجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله" (متفق عليه)؛ فالشجر، والحجر يدل المسلمين على اليهود، يقول: "يا عبد الله" باسم العبودية لله، ويقول: "يا مسلم". باسم الإسلام، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يقاتل المسلمون اليهود"، ولم يقل: "العرب".
ولهذا أقول: إننا لن نقضي على اليهود باسم العروبة أبدا.. لن نقضي عليهم إلا باسم الإسلام؛ ومن شاء فليقرأ قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) [الأنبياء: ١٠٥]؛ فجعل الميراث لعباده الصالحين؛ وما علق بوصف فإنه يوجد بوجوده، وينتفي بانتفائه.
فإذا كنا -عبادَ الله الصالحين- ورثناها بكل يسر وسهولة، وبدون هذه المشقات، والمتاعب، والمصاعب، والكلام الطويل العريض الذي لا ينتهي أبدا!! نستحلها بنصر الله -عز وجل-، وبكتابة الله لنا ذلك، وما أيسره على الله.
ونحن نعلم أن المسلمين ما ملكوا فلسطين في عهد الإسلام الزاهر إلا بإسلامهم، ولا استولوا على المدائن عاصمة الفرس، ولا على عاصمة الروم، ولا على عاصمة القبط إلا بالإسلام.
ولذلك ليت شبابنا يعون وعياً صحيحاً بأنه لا يمكن الانتصار المطلق إلا بالإسلام الحقيقي، لا إسلام الهوية بالبطاقة الشخصية!
اللهم أيقظ الأمة وهيئ لها قائدا ربانيا، يقودهم بالحق وينفض عنها الغبار والذل.
اللهم أبرم لهذه الأمة....