المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
وفي حال ضعف بعض الناس وتوالي الأمراض عليهم أو نزول بعض الحان في هذه الحالة حالة الضعف ربما يستسلِمُ بعض الناس فينقاد إلى ما يقال له، فربما ذهب إلى أشخاص يجهل حقيقة تعامُلِهم، ولربما ذهب إلى أشخاص يتعاملون بالسِّحر، وهو في قرارهِ يقول إني في مشكلة عظيمة وأريد أن أتخلص منها كيف ما كان؛ أيليق بمسلم -عباد الله- أن يُخَلِّصَ نفسه من مشكلة وهو في الحقيقة لن يتخلص منها إلاَّ ببيع دينه وإيمانه وعقيدته؟!
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضيين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الصادقُ الوعدِ الأمين، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: إن من الآثام الخطيرة، والجرائم الكبيرة وعظائم الذنوب: السحر؛ فقد جاء في التهديد على فعله، والوعيد على التعامل به، نصوص كثيرة، في كتاب الله عزَّ وجلّ، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والسحر -عباد الله- عقدٌ ونفثٌ ورقى، وتعاملٌ مع الشياطين وتقربٌ إليهم، ثم يترتب على ذلك أضرار كثيرة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يُمْرِض، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، إلى غير ذلك من الأخطار والأضرار التي لا تقع إلا بإذن الله، كما قال الله تعالى: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بهِ مِنْ أحدٍ إلاَّ بإذنِ الله).
عباد الله: ولا يكون الإنسان ساحرًا إلاَّ إذا كفر بالله تعالى، ونبذ القرآن الكريم، وخالفَ الشرع الحكيم، وتقرب للجن والشياطين، يدل على ذلك قول الله -جلَّ وعلا-: (ولما جاءهم رسولٌ من عند الله مصدِّقٌ لما معهم نَبَذَ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتابَ الله وراءَ ظُهُورهم كأنهم لا يعلمون * واتَّبَعُوا ما تَتلُوا الشياطينُ على مُلك سُليمانَ وما كَفَر سليمانُ ولكنَّ الشياطينَ كفروا يُعلِّمون الناسَ السِّحر) [البقرة:101-102]
عباد الله: الساحر كافر بالله -جلَّ وعلا-، قال تعالى: (وما يُعلِّمانِ مِنْ أحدٍ حتى يقولاَ إنما نحن فتنةٌ فلا تَكفُر) [البقرة، الآية:101]، والساحر -عباد الله- لا يُفلح أبدا، قال الله تعالى: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه: 69 ]
عباد الله: والساحر من أعظم المفسدين في الأرض، قال الله تعالى: (قال موسى ما جئتم به السِّحر إنَّ الله سيُبطله إنَّ الله لا يُصلح عمل المفسدين) [يونس، الآية: 81]
والسِّحر -عباد الله- هدم للبيوت العامرة، وتفكيك للمجتمعات الآمنة، وخلخلة للإيمان ودمار للأديان، وفساد للمجتمعات، ولا يأتي السحر للناس بالخير أبداً؛ بل هو أضرار عظيمة, وشرور خطيرة على الأفراد والمجتمعات، والساحر -عبد الله- الواجب قتله لإراحة المسلمين منه، وتخليص المجتمع من شرّه، وقد جاء قتل الساحر عن غير واحد من أصحاب النبي -صلوات الله وسلامه عليه-.
ولهذا -عباد الله- الواجب على عموم المسلمين عندما يعلمون عن شخص يتعاطى السحر ويتعامل به؛ أن يبلغ إلى الجهات المسؤولة؛ لتخليص المسلمين من شره وتخليصهم من أضراره الخطيرة.
وللساحر -عباد الله- علامات ينبغي أن نعلمها لنحذر من كل من كان متصفا بها؛ فمن علامات الساحر -عباد الله- أنه يسأل من يأتيه عن اسمه واسم أمّه، ولربما قبل أن يحدثه أخبره باسمه واسم أمه، ومن أين أتى؟ وما هي المشكلة التي يعاني منها؟
ومن علاماته -عباد الله- أنه يتمتم بكلمات لا تفهم، وألفاظ مجهولة، ولربما يأتي بطلاسم وعبارات غامضة.
ومن علاماته: أنه يطلب ممن يأتيه أن يأتيه بملابس خاصة، أو بأجزاء من بدن من يريد أن يلحق به الضرر، فهذه بعض علامات الساحر, وله علامات كثيرة، وعندما يضبط ساحر يوجد دائماً في حوزته أمثال هذه الأمور التي ينفث فيها سحرَه وينفث فيها شرورَه، مما يترتب على وجودها أضرار كثيرة في الأفراد والمجتمعات.
عباد الله: ولا يحل -أبداً- لمسلم يؤمن بالله -تبارك وتعالى- ويؤمن باليوم الآخر أن يأتي ساحراً ولو كان مراده بإتيانه أن يَحل السحر الذي أصابه؛ فحلُّ السحر بسحر مثله محرم شرعاً لا يجوز إتيان السّاحر بحال من الأحوال، بل إنّ من يأتي الساحر هو في الحقيقة بائع لدينه.
والساحر -عباد الله- لا يقبل ممن يأتيه إلا أن يتقرب إلى الشياطين بأنواع من القرب؛ يطلب ممن يأتيه أن يذبح ذبيحة ، ربما دجاجة أو فأرا أو نحو ذلك، ولا يذكر اسم الله عليها، وربما حدّد له مكانا معينا يذبحها فيه وربما أمره أن يلطخ بدمها مواضع معينة من بيته أو نحو ذلك.
فكل ذلك -عباد الله- من الشرك بالله، ومن الأعمال المحرمة في شرع الله، ومما جاء في دين الله -تبارك وتعالى- التحذير منه، وبيان وجوب اجتنابه، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منهن السحر".
عباد الله: وفي حال ضعف بعض الناس وتوالي الأمراض عليهم أو نزول بعض الحزن في هذه الحالة حالة الضعف ربما يستسلِمُ بعض الناس فينقاد إلى ما يقال له، فربما ذهب إلى أشخاص يجهل حقيقة تعامُلِهم، ولربما ذهب إلى أشخاص يتعاملون بالسِّحر، وهو في قرارهِ يقول إني في مشكلة عظيمة وأريد أن أتخلص منها كيف ما كان؛ أيليق بمسلم -عباد الله- أن يُخَلِّصَ نفسه من مشكلة وهو في الحقيقة لن يتخلص منها إلاَّ ببيع دينه وإيمانه وعقيدته؟!
إنها -عباد الله- مصيبة عظمى، وبَلِيَّةٌ كبرى كيف يطيب لامرئ مسلم أن يبيع دينه بزعمٍ خاطئ وتوهُّم كاذب؟! ألا وهو أن تُحَلَّ مشكلته، أو أن يذهب مرضه على يد ساحر، وهيهات ذلك أن يكون ذلك عباد الله.
ألا فلنتق الله -عباد الله- ولنراقب الله -جل وعلا- فيما نأتي ونذر، ولنعلم -عباد الله- أن شريعتنا شريعةَ الإسلام عندما حرَّمت السحر حرَّمَتْهُ؛ لما فيه من الأضرار الخطيرة والمفاسد العظيمة، وفي مقدمتها انهدام الدين، وفساد العقيدة، ونسأل الله -جل وعلا- أن يحفظ المسلمين بحفظه، وأن يخلصهم من شرور الأشرار وكيد الفجار، إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا -رعاكم الله- أنّ ما شرعه الله لعباده غنية وكفاية، وقد أعاض الله -تبارك وتعالى- المسلمين عن مثل تلك الأباطيل وأنواع الأضاليل بالإقبال على الله -جلّ وعلا- بالدعاء، والإلحاح والسؤال.
فعلى من ابتلي -عباد الله- بشيء من الأمراض أو بشيء من السّحر أونحو ذلك، أن يكون إقباله على الله -جلّ وعلا-؛ دعاءً وتضرعاً وسؤالاً وإلحاحاً، والله -جل وعلا- يقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) [البقرة: 186].
وعليه -عباد الله- أن يكون ذا عناية بتلاوة كتاب الله -عزّ وجلّ-، ولاسيما سورة البقرة، وقد جاء في الصحيح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اقرؤوا سورة البقرة، فإنّ قراءتها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة" أي السّحرة. وجاء عنه عليه الصلاة والسلام: "أنّ الشياطين لا تدخل بيتاً تقرأ فيه سورة البقرة".
ومن الآيات العظيمة في هذا الباب قراءة آية الكرسي، ولاسيما -عباد الله- في الصباح والمساء، وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن من قرأها إذا أصبح لا يزال عليه حافظاً من الله حتى يمسي، وإذا قرأها إذا أمسى لا يزال عليه من الله حافظاً حتى يصبح".
وكذلك قراءتها عند النوم، وقد جاء في الحديث أنّ من قرأها إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان"، وكذلك -عبادَ الله- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقد جاء في الحديث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قرأهما في ليلته كفتاه" أي كفتاه من كلّ شر وسوء وبلاء.
ومن الآيات التي ينبغي أن يعتني بها قراءة المعوّذتين وسورة الإخلاص في أول النهار ثلاث مرات، وفي آخر النهار ثلاث مرات، وتقرأ مرةً واحدةً أدبار الصلوات، وكذلك آية الكرسي تقرأ مرةً أدبار الصلوات، وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن من حافظ على قراءتها أدبار الصلوات لم يكن بينه وبين الجنة إلا أن يموت".
وكذلك -عباد الله- العناية بأذكار المساء وأذكار الصباح وأذكار النوم، والأذكار التي تقال أدبار الصلوات.
ومن الأمور المهمة -عباد الله- المحافظ على الفرائض ولاسيما الصلوات الخمس، ولاسيما صلاة الفجر مع الجماعة، وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمّة الله".
وكذلك -عباد الله- اجتناب المنكرات والبعد عن المحرمّات، فكل ذلك -عباد الله- من أسباب السّلامة والحفظ والوقاية بإذن الله، ونسأل الله جلّ وعلا أن يوفقنا أجمعين لطاعته وأن يكلأ الجميع برعايته وعنايته وأن لا يكلنا إلاّ إليه، فإنه تبارك وتعالى سميع مجيب قريب.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم وفّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا وبك خاصمنا، نعوذ بعزّتك لا إله إلا أنت أن تضلّنا فأنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا، وذريتنا وأموالنا وأوقاتنا، واجعلنا مباركين أين ما كنا.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا موتى المسلمين، اللهم فرِّج همّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدَّيْن عن المدنين.
اللهم ارفع عن الغلاء والمحن والزلازل والفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا إلا إليك. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، وبك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، يا مَنْ وسعت كلّ شيء رحمة وعلماً أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحًّا طبقاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبيه محمد، وعلى وآله وصحبه أجمعين.