النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الأديان والفرق |
إنَّ فتنة الدجال هي أكبر فتنة تكون على أهل الأرض، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا بَيْنَ خلْقِ آدمَ إِلى أن تقومَ السَّاعَةُ فِتنةٌ أكبرُ من فِتنةِ الدَّجَّالِ" (أخرجه الإمام أحمد)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ" (أخرجه مسلم). قال الإمام النووي: "الْمُرَادُ...
الخطبة الأولى:
الحمدلله العالم بما كان وما هو كائن وما سيكون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنعوت بنعوت الكمال وصفات الجلال التي لا يماثله فيها شيء من الموجودات، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً رسول رب العالمين الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله وراقبوه واقتدوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتبعوه، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
معاشر المسلمين: من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلام نبوته -عليه السلام- إخباره لأمَّته بما سيحدث من فتن كبرى في آخر الزمان؛ تحذيراً لهم ونصحاً وتوجيهاً، وأمر أمته بالاستعاذة منها قال -عليه الصلاة والسلام-: "تعوَّذوا باللهِ من الفتن، مَا ظهر منها وما بطن" ومن أعظم الفتن في آخر الزمان فتنة المسيح الدجال حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من فتنته قبل السلام من كل صلاة، وأمر بالتعوذ منها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تعوَّذوا باللهِ من فتنةِ الدَّجَّال" (أخرجه مسلم).
معاشر المسلمين: إنَّ فتنة الدجال هي أكبر فتنة تكون على أهل الأرض، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا بَيْنَ خلْقِ آدمَ إِلى أن تقومَ السَّاعَةُ فِتنةٌ أكبرُ من فِتنةِ الدَّجَّالِ" (أخرجه الإمام أحمد)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ" (أخرجه مسلم). قال الإمام النووي -رحمه الله-: "الْمُرَادُ: أَكْبَرُ فِتْنَةً وَأَعْظَمُ شَوْكَةً".
معاشر المسلمين: إنَّ الأنبياء جميعاً أنذروا أقوامهم من فتنة الدجال، قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ" (متفق عليه).
ومن صفات الدجال ما ثبت في صحيح البخاري: أنَّه رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ...وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا، ابْنُ قَطَنٍ وهو رجل هَلَكَ فِي الجَاهِلِيَّةِ.
معاشر المسلمين: إنَّ بين عيني الدجال مكتوب كافر يقرؤهُ من كرِهَ عمله أو يقرؤه كلُّ مؤمن كاتب وغير كاتب.
معاشر المسلمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطرَقَةُ" (أخرجه الترمذي وصححه الألباني).
معاشر المسلمين: يتبع الدجال كثير من الناس، ثبت في صحيح مسلم أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتبعُ الدجالَ من يهودِ أصبهانَ، سبعونَ ألفاً عليهم الطيالسة" (أخرجه مسلم).
وأكثر من يخرج إليه النساء، في رواية صحيحة عند الأمام أحمد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزل الدجال في هذه السَّبخة، بمر قَناةَ، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل لَيرْجِع إلى حميمِه، وإلى أمه، وابنته، وأخته، وعمته، فيوثقُها رِباطاً، مخافةَ أن تخرج إليه".
قال الحافظ ابن كثير عن الدجال: "يكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة منها يقال لها: اليهودية وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي عليهم الأسلحة والتيجان وهي الطيالسة الخضراء، وكذلك ينصره سبعون ألفا من التتار وخلق من أهل خراسان فيظهر أولا في صورة ملك من الملوك الجبابرة ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية، فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم والطغام من الرعاع والعوام، ويخالفه ويرد عليه من هدى اللهُ من عباده الصالحين وحزب الله المتقين، يأخذ البلاد بلدا بلدا وحصنا حصنا وإقليما إقليما..ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة" انتهى ما قاله -رحمه الله-.
وثبت في صحيح مسلم أنَّ الدجال يخرج من خلَّة بين الشام والعراق، ومدة لبثه في الأرض أربعون يوماً، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ والعراقِ، فعاثَ يمينًا وعاثَ شِمالًا، -يا عبادَ اللهِ- فاثبُتُوا" قلنا: يا رسولَ اللهِ وما لَبثُهُ في الأرضِ؟ قالَ: "أربعونَ يومًا، يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجُمُعةٍ، وسائرُ أيَّامِهِ كأيَّامكُم" قلنا: يا رسولَ اللهِ فذلكَ اليومُ الذي كسنةٍ، أتكفينَا فيه صلاةُ يومٍ؟ قال: "لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدرَهُ" قلنا: يا رسولَ اللهِ وما إِسراعُهُ في الأرضِ؟ قال: " كالغَيثِ استَدبَرَتْهُ الرِّيحُ، فيأتي على القومِ فيدعُوهُم، فيُؤمنونَ بهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ" (أخرجه مسلم).
معاشر المسلمين: إنَّ من الناس من يفِر في الجبال طلبا للسلامة والنجاة من فتنة الدجال العظيمة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ فِي الْجِبَالِ" قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ: يَا رَسُولَ اللهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "هُمْ قَلِيلٌ" (أخرجه مسلم). والله أعلم أنَّ قلة عددِ العرب عائد إلى كثرة حروب الأعداء عليهم تقتيلاً وتهجيراً من بلادهم.
معاشر المسلمين: ومن خصائص المدينة النبوية عدم دخول رعب المسيح الدجال فيها قال -صلى الله عليه وسلم- :"لاَ يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ" (أخرجه البخاري).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ، وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ، إِلَّا عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ" (متفق عليه).
وثبت في صحيح البخاري أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، فيقتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ" (أخرجه البخاري).
وتفصيل هذه القصة في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَلْقَاهُ المَسَالِحُ -مَسَالِحُ الدَّجَّالِ أي عساكره- فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ، قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: أوَ مَا تُؤمنُ بِرَبِّنَا؟ فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ، فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُم رَبُّكُم أَنْ تقتُلُوا أحدًا دُونَهُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ، فَيَقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ، فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِي؟ قَالَ: فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ يَمشي الدَّجَّالُ بَيْنَ القِطعتينِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ، فَيَسْتَوِي قَائِمًا، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا يَفعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، قال: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلَ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا، فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلقِيَ فِي الْجَنَّةِ" فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (أخرجه مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم- عن الدجال: "إِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الجَنَّةُ هِيَ النَّارُ" (متفق عليه). وفي رواية في الصحيحين: "إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ؛ فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا نَارٌ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ" (أخرجه البخاري).
معاشر المسلمين: إنَّ مما يعصم من فتنة المسيح الدجال حفظ عشر آياتٍ من أول سورة الكهف، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ" (أخرجه البخاري).
قال الإمام النووي -رحمه الله- "قِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلِهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَنْ بِالدَّجَّالِ".
معاشر المسلمين: إنَّ أشد الناس على الدجال هم بنو تميم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ" قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا" قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ" (متفق عليه).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمداً رسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
فيا معاشر المسلمين: لسائل أن يسأل: من الذي يقتل الدجال ومتى يكون ذلك؟ والإجابة عن ذلك أنَّ الذي يقتل الدجال هو عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام- ويكون ذلك بعد فتح القسطنطينية واقتسام غنائمها؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ" (أخرجه مسلم).
معاشر المسلمين: ظهر من المتعالمين العقلانيين من ينكر خروج المسيح الدجال وهؤلاء زنادقة مكذبون للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال الإمام ابن باز -رحمه الله- "نزول عيسى ابن مريم وخروج الدجال في آخر الزمان وخروج يأجوج ومأجوج كل هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؛ فإنكارها كفر وضلال نسأل الله العافية والسلامة".
وقال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله-: "وأما خروج الدجال فقد جاء فيه أكثر من مائة وتسعين حديثا من الصحاح والحسان... وقد تواترت الأحاديث في خروج الدجال من وجوه متعددة .. ولو لم يكن منها سوى الأمر بالاستعاذة من فتنة الدجال في كل صلاة كان ذلك كافيا في إثبات خروجه" انتهى.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر وهو يقول: "سيكون فيكم قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار من بعد ما امتُحِشُوا؛ فلئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود".
معاشر المسلمين: احذروا من أولئك الذين يُشكِّكون في الأحاديث الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويُكذِّبونها، لا تسمعوا لكلامهم ولا تجالسوهم؛ فإنهم أهل ضلالة يخالفون عقيدة أهل السنة والجماعة.
اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، ونعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم عليك بالصهاينة والصليبين والمجوس والحوثيين المعتدين ومَن أعانهم ووالاهم، اللهم ارفع عنهم عافيتك وأرنا فيهم قدرتك وزلزلهم ومزقهم واشدد وطأتك عليهم.
اللهم ادفَع عنَّا الغَلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا رب العالمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح ولاة أمورنا، وارزُقهم البطانةَ الصالحة الناصحة، وأبعدْ عنهم بطانةَ السوء يا حي يا قيوم.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غثيا هنيئا مريئا مريعاً، سحَّا غدقاً، نافعا غير ضار، اللهم أحي بلدك الميت، وأسق بهائمك، وأسق عبادك، وأنبت لنا الزرع وأدرَّ لنا الضرع، اللهم أرسل السماء علينا مدراراً، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود وسدد رميهم وثبت أقدامهم، واحفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها ورجال الأمن فيها، وزد بلادنا قوة وأمناً ورخاء وزدها تمسكاً بالدين، وانصرها على من عاداها، واكفها شر كلّ ذي شر، واجمع بها كلمة المسلمين على الحق.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201] (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182].