العربية
المؤلف | عبد العزيز بن داود الفايز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إذا أكرمه ربه بنعمة منه شكر الله، شكر الله بلسانه، وشكر الله بقلبه، وشكر الله بجوارحه، وكثير من الناس يحسنون الشكر باللسان، ويظنون أن هذا هو الشكر فقط. وهذا لا شك أنه من شكر الله، فإذا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه.
فيا عباد الله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، واعلموا -يا رعاكم الله- أن تقوى الله سبب لكل فلاح وفوز في الدنيا والآخرة: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2 - 3].
وربنا خلق العباد ورسم لهم الطريق الذي يسعدهم في الدنيا والآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97] -نسأل الله الكريم من فضله-، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [فصلت: 30 - 31].
أيها الفضلاء: حديثي اليوم سوف أتحدث بمشيئة الله عن علامات السعادة وعن أماراتها، لم أتحدث عن أسبابها ووسائلها، لها علامات وأمارات، إذا طبقها المسلم في حياته فهذه بشرى له عاجلة أنه من أهل السعادة في الدنيا والآخرة.
الأمر الأول: أنه إذا أُعطي شكر، إذا أكرمه ربه بنعمة منه شكر الله، شكر الله بلسانه، وشكر الله بقلبه، وشكر الله بجوارحه، وكثير من الناس يحسنون الشكر باللسان، ويظنون أن هذا هو الشكر فقط. وهذا لا شك أنه من شكر الله، فإذا أنعم الله عليك بنعمة من نعمه، ونعم الله لا تحصى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) [النحل: 18]، فنعمة الهداية للإسلام، ونعمة الصحة، ونعمة الأولاد، ونعمة الأمن، وغير ذلك من النعم التي لا يعلمها إلا الله.
نعم نراها، نعم ظاهرة، ونعم باطنة، نعم نعلم عنها ونعم لا نعلم عنها.
نسأل الله أن يعيننا على شكره وعلى ذكره، وعلى حسن عبادته.
يعترف العبد أن ما به: (مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) [النحل: 53].
يعتقد بقلبه أن الذي تفضل عليه بهذه النعمة هو خالقه: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) [النحل: 53] لن يؤتى أحد نعمة من النعم بذكائه، ولا بدهائه ولا بحسبه ولا بنسبه إنما النعم -يا عباد الله- تفضل من الله على عباده، فيلهج قلبه بالثناء على الله، يلهج قلبه بالتعظيم والاجلال والمحبة لله، ويشكر ربه بقلبه، ويكثر من الثناء على الله بلسانه، يقول: الحمد لله، وهذا هو أفضل الدعاء أن يقول المسلم: "الحمد لله"، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها".
ومن أراد أن يرضى عنه ربه ومن أراد أن يحبه خالقه، ومن أراد أن تدوم له النعمة فليكثر من الثناء والحمد لله -جل وعلا-، والله يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، وقال سبحانه: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 145].
فأعظم ما يحفظ النعم: أن نشكرها، كم من شخص فقير فتح الله عليه من الدنيا بالمال فأعرض عن الله، ضعفت عبادته واتصاله بخالقه، وانشغل ببيعه وشرائه، وضعف ذهابه إلى المسجد، وغير ذلك من التقصير في حق الله: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6 - 7].
فعليك -يا عبد الله- أن تراجع نفسك، انظر هل أنت من الشاكرين؟ هل أنت من المثنين على الله؟ هل أنت من المعترفين؟
واعلموا -يا رعاكم الله- أن الإنسان مهما شكر فلن يشكر الله حق شكره، قال سيد الشاكرين وإمامهم: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
ومن شكر الله -يا عباد الله-: أن نشكر الله بالجوارح: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13] فتوحيد الله شكر، والمحافظة على الصلاة شكر، وصلة الرحم شكر، وبر الوالدين شكر، والإحسان إلى الفقراء والمساكين شكر، وتسخير المال فيما يحبه الله شكر لله -يا عباد الله-، فعلينا أن نشكر الله، ونراجع أنفسنا في تقصيرنا في ذلك.
العلامة الثانية: الصبر عند البلاء، إذا بلي المسلم صبر، والصبر -يا عباد الله- واجب، لن يسلم أحد من الابتلاء، يبتلى الناس بالخير والشر: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
كم من شخص بلي بنعمة فلم يشكر الله عليها وسخرها في معصية الله؟
والصبر -يا عباد الله- يكون على أقدار الله المؤلمة، فكم من مريض يعاني المرض؟ وكم من مديون يعاني من الدين؟ وكم من مشرد؟ وكم من شخص فقد ولده؟ وكم من أم مكلومة؟ وكم من مظلوم؟ فعلى الإنسان أن يصبر وأن يتعامل مع خالقه ويتأمل كلام ربه القائل: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].
والعطية على قدر معطيها -أيها المبتلى- يعطيك ربك عطاء لا حصر له ولا عد.
واعلم -أيها المصاب- أن الله يحب الصابرين: (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146]، واعلم أن الله مع الصابرين معية خاصة من الله للصابرين: (وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 66].
عليك أن تصبر على أقدار الله المؤلمة، وأن تصبر على طاعة الله، تحافظ على صلاة الجماعة في جميع الأوقات، هل صليت الفجر مع الجماعة؟ هذا صبر على طاعة الله، تترك لذة النوم والفراش تعظيما واستجابة لأمر الله، تعظم الله تحب خالقك وترجو رحمته وتخشى عقوبته. هل أخرجت زكاة مالك؟ هذا صبر على طاعة الله، وهل.. وهل؟! وغير ذلك من العبادات هل أديتها -يا عبد الله- وصبرت على طاعة الله -تقدست ذاته وأسماؤه وصفاته-، وأن تصبر على معصية الله.
كم من شخص إذا خلا بمحارم الله تساهل ولم تصبر نفسه على المعصية، فينظر إلى جواله والناس لا يرونه لأنه لم يصبر عن معصية الله؟ ألم تعلم -يا أخي المبارك- أن من ترك شيئا لله عوضه الله خير منه في الدنيا والآخرة؟ يعوضك الله نورا في قلبك، يعوضك الله سعادة وسرورا تجد طعمه في قلبك، ذاق طعم الإيمان، الإيمان له طعم وله لذة -يا عباد الله-، تركت هذه المعصية إجلالا لله؛ لأنك تعلم بأن الله يراك: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك: 12]، ويقول سبحانه: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن: 46].
فاصبر عن معصية الله -يا عبد الله- واعلم بأن العوض رضا الله، واعلم بأن العوض جنة (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فاتقوا الله -يا عباد الله-.
العلامة الثالثة والأخيرة من علامات وأمارات السعادة: أن الإنسان إذا أذنب استغفر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" فالإنسان يقع في الخطأ بسمعه وبصره وبلسانه لكن المؤمن يرجع إلى خالقه -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
يعلمون أنهم سيرجعون إلى الله، يعلمون أنهم سيقفون بين يدي الله، يعلمون أن كل شخص سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، ويكره بأعماله وأفعاله، نعم فيرجعون إلى خالقهم.
والاستغفار -يا عباد الله- سبب لمنع عقوبة الله، سبب لحصول الخير: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10-12]، ويقول سبحانه: (مَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33]، ويقول سبحانه: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) [هود: 3]، فمن أسباب المتاع الحسن -يا عباد الله- في الدنيا: الاستغفار، والمتاع الحسن يشمل: الصحة، ويشمل المال، نعم يتمتع الإنسان بما يحبه الله.
ومن أسباب ذلك: كثرة الاستغفار، وكان رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- يستغفر يقول: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله وأستغفره أكثر من سبعين مرة"، وفي حديث آخر في صحيح مسلم: "إنه يغان على قلبي فاستغفر الله مائة مرة"، ويقول ابن عمر: "كنا نعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائة مرة يقول: رب اغفر لي وارحمني وتب علي" وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فأكثروا -يا عباد الله- من الاستغفار، والزموا الاستغفار، واعلموا أنه سبب لرفعة الدرجات، ولتكفير السيئات، ولزوال الهموم والغموم، ولحصول السعادة، ولدخول الجنة، وللنجاة من النار.
اللهم يا حي يا قيوم يا من قلت وقولك الحق: ادعوني استجب لكم، وقلت: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، يا قريب، ويا سميع، يا رحيم، يا لطيف نسألك في هذه الساعة أن ترزقنا حياة السعادة في الدنيا والآخرة.
اللهم أكرمنا بسعادة الدارين، اللهم أكرمنا بسعادة الدارين.
اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر، اللهم اجعلنا ممن يشكر بقلبه وبلسانه وجوارحه، اللهم اجعلنا يا الله ممن إذا بلي صبر، اللهم اجعلنا من الصابرين، اللهم اجعلنا من الراضين بقضائك وقدرك.
اللهم اجعلنا من الذين إذا أذنبوا أنابوا ورجعوا واستغفروا يا حي يا قيوم.
اللهم كما جمعتنا في بيت من بيوتك نسألك يا الله يا كريم أن تمن علينا بالاجتماع في أعلى الجنان مع سيد الأنام -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم اجمعنا بجنات النعيم.
اللهم يا حي يا قيوم أصلح حالنا وأحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، يا رب يا رحيم فرج هم المهمومين، اللهم فرج هم المهمومين.
اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اقض الدين عن المدينين.
اللهم يا حي يا قيوم انشر الأمن في بلاد المسلمين، يا قوي يا عزيز نسألك بأسمائك الحسنى وصفاته العلى أن تحفظ علينا عقيدتنا وديننا وأمننا.
اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم، يا قوي يا جبار يا قهار من أراد بلاد الحرمين بسوء اللهم أبطل كيده، اللهم اجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، اللهم أبطل كيد، اللهم اكشف ستره يا حي يا قيوم.
اللهم ارحم ضعف إخواننا في اليمن، اللهم اجمع قلوبهم، اللهم وحد صفهم، اللهم ول عليهم خيارهم، اللهم من أراد بهم سوء اللهم أبطل كيده، وشتت شمله يا قوي يا عزيز، اللهم أبطل كيده يا قوي يا عزيز.
اللهم يا حي يا قيوم أصلح أحوال إخواننا في العراق وفي الشام، وأعد المشردين إلى بلادهم يا حي يا قيوم.
اللهم حرر المسجد الأقصى من اليهود وارزقنا فيه صلاة قبل الممات يا حي يا قيوم، أصلح أحوال المسلمين.
اللهم اجمع قلوبهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين.
وصلِ اللهم وسلم وأنعم على نبينا محمد.