البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

ظاهرة التفحيط ــ الأسباب والأضرار والآثار

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد الطيار
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. التفحيط والشباب .
  2. حكم التفحيط .
  3. أسباب التفحيط .
  4. آثار التفحيط. .

اقتباس

التفحيط مشكلة اجتماعية تعاني منها معظم مدن ومحافظات ومراكز بلادنا، إلا أنها تكثر في مكان دون الآخر، وقد تفشت هذه الظاهرة على مر الأوقات بسبب تيسر الحصول على السيارة التي يفحط بها الشخص، إما عن طريق والديه، أو عن طريق السرقة من الآخرين، وأصبح لها جمهور من..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه- ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله واعلموا أن التقوى طريق النجاة والفوز برضا الرحمن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

عباد الله: الشباب هم عماد مستقبل الأمة، وثمرة فؤادها، وبهم يبنى حاضرها ومستقبلها، وهم أمانة بأيدينا؛ فعلى أولياء الأمور، والمجتمع، والدولة أن يهتموا بفلذات الأكباد وينشؤوهم على الطريق السوي والأخلاق الكريمة، وذلك بحسن التوجيه والنصح، ومتابعتهم، ومراقبتهم، واختيار الصحبة الطيبة لهم، وخاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن واشتدت عليهم عن طريق وسائل الإعلام المختلفة من قنوات فضائية، وإنترنت، واتصالات، وقد دخلت على بعض شبابنا في مجتمعنا المسلم عادة دخيلة وخطيرة، ألا وهي عادة التفحيط القبيحة، وهي عادة لها سنوات عديدة، جاءت بعظيم الشرور والابتلاءات والمحن، وترتب عليها آثار سلبية كثيرة على الأفراد والمجتمع والمسؤولين، كهلاك الأنفس والأموال وتدمير الممتلكات، وهذه العادة غير مقبولة شرعاً ولا نظاماً.

وهؤلاء الشباب الذين وقعوا ضحيتها أكثرهم من المراهقين، وهم يجهلون نعمة العافية التي يتقلبون فيها، ونعمة السيارة التي يركبونها، ونعمة المال الذي يهلكونه، وجرّهم ذلك إلى سوء استخدامها عن طريق التفحيط والتسحيب والتطعيس مما ترتب عليه كثرة الحوادث المرورية، والمشكلات الأخرى التي تتعلق بالأنفس والأموال والممتلكات.

عباد الله: إن التفحيط مشكلة اجتماعية تعاني منها معظم مدن ومحافظات ومراكز بلادنا، إلا أنها تكثر في مكان دون الآخر، وقد تفشت هذه الظاهرة على مر الأوقات بسبب تيسر الحصول على السيارة التي يفحط بها الشخص، إما عن طريق والديه، أو عن طريق السرقة من الآخرين، وأصبح لها جمهور من الشباب دفع البعض منهم حياته ثمناً لمشاركته في مشاهدة عملية التفحيط، وبعض الشباب يدفع للمفحط مبالغ مالية لكي يقوم بالتفحيط والقيام بحركات خطيرة ومثيرة، كما أصبح لها رؤوس وزعماء معروفون لدى فئة من الشباب الذين يتشكلون على شكل مجموعات تقوم بمؤازرة هذا الشخص الذي يلقب نفسه بأسماء غريبة لكي لا يستطيع أحد التعرف عليه أو الإبلاغ عنه للجهات الرسمية.

وقد ساعد على انتشار هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة سهولة الاتصال بين المفحط وأصدقائه عن طريق الجوالات، والإنترنت، وغيرها من الوسائل.

وقد ذكر أحد المشجعين أن بعض الشباب حين يخرج المفحط من السجن يقومون باستئجار استراحة وتقديم الوجبات لهذه المناسبة، وهذا يشجع هذا المفحط على الاستمرار في هذا الفعل السيئ.

أيها المؤمنون والمؤمنات: التفحيط محرم شرعاً لأن مرتكبه يودي بحياته إلى الهلاك والموت، قال تعالى محذراً من ذلك، (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)[النساء:29]، وقال -أيضاً-: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة:195]، ويترتب على التفحيط -أيضاً- إيقاع الأذى بالمسلمين، وقد حذر الله من ذلك، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً)[الأحزاب: 58]، وفي الصحيحين قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كره لكم ثلاثاً: وذكر منها: إضاعة المال".

وقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء فتوى بحرمة التفحيط، وذلك في الفتوى رقم(22036) في (27/7/1427هـ)، وهذا نصها: "التفحيط ظاهرة سيئة؛ يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم نتيجة لقصور في تربيتهم وتوجيههم، وإهمال من قبل أولياء أمورهم، وهذا بالفعل محرم شرعاً، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتل للأنفس وإتلاف للأموال وإزعاج للآخرين وتعطيل لحركة السير".

عباد الله: وإذا تأملنا في هذه الظاهرة نجد أن من أسبابها ما يأتي:

تساهل بعض أولياء الأمور في إعطاء أبناءهم السيارة وهم في سن صغير، وهم يرون أحياناً ويعلمون أحياناً أخرى ما يقومون به من حركات خطيرة تؤذي من حولهم من السيارات الأخرى، وكم حصل من حوادث بسبب ذلك.

ضعف الوازع الديني لدى هؤلاء الشباب؛ بسبب قلة خشيتهم لله، وغفلتهم، وعدم اكتراثهم بما وراء هذا العمل من المحاذير الشرعية.

الاعتقاد بأن التفحيط مقوّمٌ من مقومات الرجولة، وأن من لا يقوم به لم يبلغ مبلغ الرجال، وهذا انتكاس في الفكر.

الرغبة في حب الشهرة والبروز والتميز بين الأقران للفت الأنظار إليه وتهافت المشجعين حوله.

وجود وقت فراغ كبير لدى هؤلاء الشباب يدفعهم لتلك الأعمال الانتحارية، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة أشغلتك بالمعصية.

رغبتهم في التقليد ومحاكاة الغير، وقد قال-صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" (رواه أحمد والترمذي)؛ فإذا كان من بين أقرانه من يفحط تأثر به وقلده وسار على نهجه، وكل قرين بالمقارن يقتدي.

ضعف رقابة الأسرة لأبنائهم، مع قلة متابعتهم والانشغال عنهم.

ما يراه المفحط من الحفاوة البالغة والتشجيع والدعم المادي من المتفرجين الذين يشاهدونه؛ فيزيد تعلقاً بهذه العادة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال:24-25].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المؤمنون والمؤمنات: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن سعادة المرء واطمئنان قلبه لا يكونان إلا بتقواه والعمل بما يرضيه، واعلموا أن للتفحيط آثار خطيرة على المفحط وعلى المجتمع من حوله، ومن ذلك:

إزهاق الروح وإلحاق الضرر بالجسد وإزهاق أرواح الغير وتعريضهم للإصابات الخطيرة؛ فالمفحط يغامر بحياته وحياة غيره من أجل لحظات يظن أن فيها المتعة والسعادة.

الإصابة بالعاهات المستديمة أو الجزئية؛ فكم رأينا من المفحطين أشخاصاً طريحي الفراش لا يستطيعون الحركة، أو يتحركون بصعوبة بالغة، ويقوم على خدمتهم القريب والبعيد وهم ينظرون بعين الحسرة على نعمة العافية التي فقدوها بسبب جهلهم وتهورهم.

التفحيط يتسبب في خسائر مادية في الممتلكات العامة والخاصة؛ فالمفحط يسير برعونة شديدة وسرعة عالية يفقد من خلالها السيطرة على سيارته، فيختل توازنها وتصطدم بكل ما يواجهها من سيارات الغير وممتلكاتهم فتتلفها إضافة لتلف سيارته.

التفحيط يدفع المفحط لمصاحبة المنحرفين أخلاقياً، ممن يشجعونه على شرب المسكرات وتناول المخدرات، وهذا يوقعه في علاقات شاذة، وجرائم أخلاقية وسرقة السيارات، وغيرها.

التفحيط يتسبب في معاناة الأهل وتكليفهم بما لا يستطيعون، وإلصاق السمعة السيئة التي تلحق بهم، وإدخال الحزن والهم والنكد عليهم، وإجهادهم بسبب ما يلاقونه من معاناة في متابعة أولادهم بمراكز التوقيف والمحاكم والسجون.

تعطيل الحركة المرورية وحدوث اختناقات تربك السير وتعطل الآخرين بسبب الحوادث الخطيرة الناتجة عن التفحيط.

تجمع الشباب العاطل والمنحرف حول المفحط، وهذا ينشر الفوضى والفساد، والخوف والهلع بين الناس.

ما يصيب المفحط من خوف وقلق مستمر وانعدام الثقة بمن حوله خوفاً من رجال الأمن بسبب ما يرتكبه من ممارسات أثناء التفحيط.

التفحيط يتسبب في إزعاج سكان المناطق التي يفحطون بها، والإضرار بأرواحهم وسياراتهم.

ويتسبب كذلك في موت بعض المرافقين لهم في السيارات التي يفحطون بها، والمشاهدين لهم، وهذا حدث كثيراً؛ فإلى الله المشتكى.

وسنكمل الحديث في الجمعة القادمة إن شاء الله حول هذه الظاهرة، وكيفية علاجها، وذكر بعض القصص الواقعية الدامية.

أسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وان يحفظ شبابنا ويصلحهم، ويجعلهم قرة عين لوالديهم.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك أن تحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وعبث العابثين، وأن تمن علينا وعلى المسلمين بعز الإسلام ونصر المسلمين.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ فقد أمركم الله بذلك، فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦].