الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | أحمد بن محمد العتيق |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
عباد الله: هناك مُسَلِّيَاتٌ عند المصائب, متى ما تذكرها المؤمن هانت عليه كل مصيبة مهما عَظُمَت: أولها: أن يعلم العبد بأن الله قَدَّرها قبل وقوعها, وأن ذلك مكتوب قبل خلق السموات والأرض. ثانيا: أن يتذكر العبد ثواب الصبر على البلاء والمصيبة, سواء كان ذلك..
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا؛ منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد:
أيُّها الناس: اتقوا الله -تعالى-, واعلموا: أن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني, ولكن ما وَقَرَ في القلب وصَدَّقته الأعمال.
وإن من أعظم ما يدل على صحة الإيمان: الصبرَ عند المصيبة, والرضا والتسليم، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن: 11].
قال علقمة: "هو العبد المؤمن, تُصِيبُه المصيبة, فيعلم أنها مِن عِندِ الله, فَيَرْضَى وَيُسَلِّم".
ويجب على المؤمن أن يَعلم بأن الصبرَ عندَ الصدمة الأولى؛ لأن من الناس من تصدر منه عِبَاراتُ الرضى بالقضاء بعدما يقع منه المحذور, من الجزع والتسخط, والتلفظ بما لا يليق, أو بما يدل على عدم ضبط النفس، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصبر عند الصدمة الأولى".
فينبغي للمؤمن أن يتذكر ذلك دائما حتى لا يفوته فضل الصبر, وجزاء الصابرين.
عباد الله: هناك مُسَلِّيَاتٌ عند المصائب, متى ما تذكرها المؤمن هانت عليه كل مصيبة مهما عَظُمَت:
أولها: أن يعلم العبد بأن الله قَدَّرها قبل وقوعها, وأن ذلك مكتوب قبل خلق السموات والأرض, قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22- 23].
ثانيا: أن يتذكر العبد ثواب الصبر على البلاء والمصيبة, سواء كان ذلك في النفس أو الأهل أو المال، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" [رواه الترمذي].
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤادِه؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسَمُّوه: بيت الحمد" [رواه الترمذي].
ثالثاً: أن يتذكر بأن الابتلاء تطهير للعبد من الخطايا -كما تقدم-, وكذلك دال على الإيمان, ومحبة الله للعبد، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عِظَمَ الجزاء مَعَ عِظَمِ البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رَضِي فَلَه الرضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْط" [رواه الترمذي].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "دخل أعرابي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل أخذتك أمُّ مِلْدَمٍ قَط؟ -أي الحُمَّى- قال: وما أُمُّ مِلْدَم؟ قال: حَرٌّ يكون بين الجلد واللحم، قال: ما وَجَدْتُ هذا قط، قال: فهل أخذك هذا الصُّداعُ قط؟ قال: وما هذا الصداع؟ قال: عِرْقٌ يَضْرِب على الإنسان في رأسه، قال: ما وجدت هذا قط، فلما وَلَّى, قال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا" (رواه أحمد).
وهذا يدل على أن المؤمن لابد وأن تصيبه الحمى, ويصيبه الصداع, ولابد أن يتعرض للبلاء, بخلاف غيره.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
أما بعد:
عباد الله: ومما يُسَلِّي العبدَ عند البلاء والمُصيبة: أن يتذكر العبدُ هوانَ الدنيا, فإن ذلك من أعظم المُسَلِّيات, إذ "لو كانت الدنيا تَعدِلُ عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء".
ولو كانت مَطْمَعاً وَغَايَة ما ذاق المسلم فيها النكد, ولعاش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فيها عيشة الملوك, ولم يتعرضوا فيها للمصائب والابتلاءات.
ولكنها كما ورد في الحديث: "سجن المؤمن وجنة الكافر".
ومن أعظم ما يزهد فيها: تَذَكُّرُ الجنة, التي فيها مالا عين رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خطر على قلب بشر.
فإن تَذَكُّرَ الجنة من أعظم ما يعين على الصبر، وتَحَمُّلِ البلاء, روى البخاري ومسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أَلا أُرِيك امرأةً من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أُصْرَع، وإني أَتَكَشَّف، فادع الله لي، قال: إِن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ اللهَ أن يعافيك، قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف, فدعا لها".
انظروا كيف رضيت بهذا البلاء لما عَلِمَت بأن لها الجنة.
اللهم اجعلنا ممن إذا أُعْطِيَ شكر, وإذا ابْتُلِيَ صبَر, وإذا أذنب استغفر.
اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أسرفنا وما أنت أعلمُ به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين.
اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.
اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك اللهم وفّقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم حبّب إليهم الخير وأهله، وبغّض إليهم الشر وأهله، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، ووسع مدخلهم، وأكرم نزلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].