المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
الحذر كل الحذر من صرفه إلى غيره كمن يخاف خوف السر يخاف من وثن أو طاغوت أو صاحب قبر ونحو ذلك مما هو شرك بالله مناف لأصل التوحيد، أو يخاف خوفاً يمنعه من القيام بواجب كالجهاد في سبيل الله وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك مما هو محرم، وقال فيه بعض السلف ..
الحمد لله لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مؤمن من خافه ومعطي من رجاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أكرم الخائفين وأفضل الراجين؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
أما بعد:
أيها الأخوة: لقد جاءت نصوص الشريعة الغراء -قرآناً وسنة- آمرة بالخوف من الله، وناهية عن صرف خوفه الواجب إلى غيره، مبينة وموضحة أن خوفه سبحانه محض عبادة وطاعة لله، وأن صرف هذا الخوف إلى غيره محض معصية كبرى قد تؤدي بصاحبها إلى الإشراك بالله المندرج تحت قوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65]
يقول سبحانه -آمراً بالخوف منه وناهياً عن صرف الخوف الواجب له إلى غيره-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175] ويقول: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) [المائدة:44]
ومما هو معلوم -أيها الأخوة- أن الخوف من الله من أجل وأفضل مقامات الدين؛ بل وأجمع وأشمل لأنواع العبادة من غيره، ولا غرو؛ فلقد ذكره الله عن سادات المقربين من الملائكة والأنبياء والصالحين، قال تعالى عن ملائكته: (وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل:49-50] وقال: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:28]
وقال عن أنبيائه: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ) [الأحزاب:39] وقال عن آل زكريا: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90] وقال في عموم الصالحين: (وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:48-49] وقال: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) [المؤمنون:57] وقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر:9]
وإن الله سبحانه الذي أمر بخوفه ونهى عن خوف غيره فيما لا يخاف فيه إلا منه وأثنى على من تحلوا بهذا الخوف وتقربوا به إليه ووعدهم سبحانه وهو صادق الوعد ومحقق الوعد بقوله جل شأنه: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) الآيات [الرحمن:46-48].
وقوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17]
وهذا الخوف الذي وعد الله أهله ما سمعتموه وغيره مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هو خوف وعيد الله الذي يحول بين المرء وبين محارم الله، بينه وبين المنهيات، بينه وبين الوقوع تحت طائلة أي وعيد تضمنته نصوص الوعيد قرآناً أو سنة ولم يصل بصاحبه إلى اليأس والقنوط من روح الله.
قال تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم:14] خوف مقترن اقتراناً تاماً بالرجاء، فلا خوف نافع بدون رجاء، وأي خوف خلا من الرجاء فهو يأس وقنوط.
قال تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87] وقال: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99]
أيها الأخوة: من المعلوم أن هذا الخوف إذا وقر في قلب مؤمن بالله مصدق بوعده ووعيده تصديق من يتصور الوعد وكأنه تحقق لأهله، ويتصور الوعيد وكأنه أحاط وأودي بأهله إن ذلك سيعمل عمله ويظهر أثره في الأعمال القولية والفعلية.
فما -وأيم الله- عظمت واجتنبت الضرورات الخمس: الدماء والأنساب والأعراض والأموال والعقول وغيرها من المنهيات من مسلم -إلا وقد وقر في قلبه وقام به خوف ما يترتب على الوقوع فيها من وعيد الله؛ فكلما قوي إيمان العبد ويقينه قوي أثر ذلك من عمله.
ولذا نجد العلماء بالله هم أسرع الناس إلى هذا الأمر وألزمهم له وأحوجهم إليه. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28] وقال عليه الصلاة والسلام: "إني لأعلمكم بالله وأشدكم خشية" وقديماً قال السلف: "من كان بالله أعرف كان منه أخوف".
فاتقوا الله -عباد الله-: وخافوا الله خوفاً بجانبه رجاء أمل وحسن ظن بالله. يقول عليه الصلاة والسلام: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء" متفق عليه.
اتقوا الله بالمحافظة على هذا الأمر، والحذر كل الحذر من صرفه إلى غيره كمن يخاف خوف السر يخاف من وثن أو طاغوت أو صاحب قبر ونحو ذلك مما هو شرك بالله مناف لأصل التوحيد، أو يخاف خوفاً يمنعه من القيام بواجب كالجهاد في سبيل الله وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك مما هو محرم، وقال فيه بعض السلف: "إنه من أنواع الشرك المنافية لكمال التوحيد".
قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يقول للعبد: ما منعك إذ رأيت المنكر ألا تغير؟ فيقول: ربي، خشية الناس، فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى" رواه أحمد.
يقول الله سبحانه وتعالى منذراً ومحذراً من يدعي الخوف ولم يلتزمه: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل:45-47] ويقول مبشراً من خافه: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) [الإنسان:9-12]