البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

نعمة الماء

العربية

المؤلف قسم الخطب بدائرة الأئمة والخطباء بسلطنة عمان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. من أعظم نعم الله على الإنسان نعمة الماء .
  2. لأهمية الماء ذكره الله كثيرا في القرآن .
  3. وجوب شكر نعمة الماء باللسان والعمل .

اقتباس

إنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالَى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلَالِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ.

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمين، أنزلَ منَ السماءِ ماءً بقَدَرٍ، نَقِيًّا مِنَ الشَّوائبِ والكَدَر، فَعمَّ بهِ البواديَ والحَضَر، سُبْحانَهُ جَعلَ لنا اللَّيلَ لِباسًا، والنَّومَ سُباتًا، وجَعلَ النَّهارَ نُشُورًا، وأنزلَ لَنا بقُدْرتِه منَ السَّماءِ ماءً طَهورًا، نحمدُه –سُبْحانَه- بما هوَ لهُ أهلٌ منَ الحمدِ ونُثني عليه، ونُومنُ به ونتوكَّلُ عليه، مَنْ يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خيرُ مُؤمنٍ بِاللهِ، مُفَوِّضٍ أمورَهُ إِلَيه، مُتَحَدِّثٍ بِنِعَمِ اللهِ عليه، اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين، والتابعينَ لَهُم بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ نِعَمَ اللهِ على الإنسانِ لا يَحدُّها حَدٌ، ولا يُحصيها عَدٌّ، ولا يُستثنَى مِنْ عُمومِها أَحَدٌ، فَهِيَ نِعَمٌ عامَّةٌ، سابغةٌ تامّةٌ، يقولُ اللهُ -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النَّحْلِ: 18]، ويقولُ جلَّ شأنُه: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لُقْمَانَ: 20]، ومِنْ أجلِّ نِعَمِ اللهِ على الإنسانِ وأعظمِها وكُلُّها جليلةٌ وعظيمة نِعْمَةُ الماءِ، وكيفَ لا والماءُ مَصدَرُ الحياة؟ يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الْأَنْبِيَاءِ: 30]، ويقولُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ شيءٍ خُلِقَ مِنْ ماء".

ولأهميَّةِ المياهِ وعظيمِ قَدْرِها وجليلِ أمرِها حفلَ القرآنُ الكريمُ بذكرِها والتنويهِ بشأنِها في مَعرِضِ الحديثِ عَنْ نِعَمِ اللهِ -تبارك وتعالى- على الإنسان، وتحدَّثَ عنها نازلةً منَ السماء، أو خارجةً مِنَ الأرضِ أو مُختَزنةً فيها لِوَقْتِ الحاجةِ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) [الزُّمَرِ: 21]، ويقول جل شأنه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ) [الْمُؤْمِنَونَ: 18].

إِنَّهُ لولا الماءُ ما كان إنسانٌ وما عاش حيوانٌ وما نبت زَرْعٌ أو شَجَر، فمِنَ الماءِ يَشربُ الإنسانُ ومنهُ يَخرجُ المَرعَى، وبهِ تُكْسى الأرضُ بِساطًا أَخضرَ؛ فتبدو للناظرين أَجْملَ وأَنضرَ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [النَّحْلِ: 10-11]، ويقولُ عزَّ من قائل: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الْأَنْعَامِ: 99].

 

عبادَ الله: إنَّ مِنَ الناسِ مَنْ تَعوَّدُوا وُجُودَ النِّعْمَةِ وأَلِفُوها؛ فَهُمْ تَحْتَ تأثيرِ هذا الإِلْفِ وهذهِ العادةِ قَدْ يَنْسَونَ قَدْرَ هذهِ النِّعْمَةِ عليهم؛ لأَنَّها دائمًا حاضرةٌ بينَ أَيدِيهِم، ومِنْ هذهِ النِعَمِ التي قَدْ يَنْسى البعضُ أهمِّيَّتَها نِعْمَةُ الماء؛ فلْيتَخَيَّلْ أحدُكُم فَقْدَهُ لِهذهِ النِّعمةِ ولو لِزَمَنٍ يَسيرٍ، حينَها يعلمُ أنَّ فضلَ اللهِ عليهِ بها عظيم، وأنَّ فَقْدَها خَطَرٌ جسيمٌ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الْمُلْكِ: 30]، ثُمَّ لِنَتصوَّرِ الماءَ مِلحًا أُجاجًا؛ حينَها نَعلمُ أنَّ عُذُوبةَ الماءِ نِعْمَةٌ إِلَهيَّةٌ، ومِنْحَةٌ ربَّانِيَّةٌ، تَستَوجِبُ حَمْدَ اللهِ وشُكْرَه، وتَسبِيحَهُ وذِكْرَهُ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الْوَاقِعَةِ: 68-70]، إنَّ الماءَ في مَكَانِ الصَّدَارةِ مِنَ النِّعَمِ التي يُسألُ عنها العبدُ يومَ القيامةِ، وهوَ مِنَ النَّعِيمِ المَقْصُودِ في قولِ اللهِ -تعالى-: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التَّكَاثُرِ: 8].

وقد جاء في الأَثَر: "إنَّ أوَّلَ ما يُسألُ عنهُ العَبدُ يومَ القيامةِ مِنَ النَّعِيمِ أنْ يُقالَ له: أَلَمْ نُصَحِّ لَكَ بَدنَكَ ونُرْوِكَ مِنَ الماءِ البارد؟"، ولقدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَفِيًّا بنِعْمَةِ اللهِ يُعَظِّمُها ويَشكرُها، وما أَكْثَرَ الدَّعَواتِ التي كانَ يَدعُو بِها رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ يَفرُغُ مِنْ طَعامِهِ إِذَا طَعِمَ وشَرابِهِ إِذَا شَرِبَ، فكانَ إذا فَرَغَ مِنْ طعامهِ وشرابهِ قال: "الحَمدُ للهِ الذي أَطعمنا وسَقَانا وجعلَنا مُسلِمِين"، وجاءَ في رِوايةٍ: كانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا أَكَلَ أو شَرِبَ قالَ: "الحمدُ للهِ الذي منَّ علينا وهدانا، وأشبعنا وأروانا، وكلَّ الإحسانِ آتَانا"، وكانَ إِذَا شَرِبَ الماءَ قالَ: "الحمدُ للهِ الذي سقَانا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِه، ولم يَجعلْهُ مِلْحًا أُجاجًا بِذُنُوبِنا"، إِنَّ هذهِ البَشَاشةَ التي يَستَقْبِلُ بِها رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نِعْمَةَ الماءِ وشُكرَ مُسدِيها الأعلى جلَّ شأنُه لها أَعْظَمُ دَلَالةٍ على أَهَمِّيَّةِ هذهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَة.

عبادَ الله: إنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالَى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلَالِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحًا في القُرآنِ المجيدِ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الْأَعْرَافِ: 31]، وإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيًّا عنهُ وممنوعًا مِنْهُ فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعًا وأشدُّ خَطَرًا، وقد وردَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنهُ كانَ إذا اغتسلَ اغتسلَ بالقلِيلِ، وإذا تَوضَّأَ تَوضأ بالنَّزْرِ اليَسيرِ، فعَنْ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنه- قالَ: "كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يغتسلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ"، والمُدُّ مِلءُ اليدَينِ المُتوسِّطَتَين، وإذا كانَ الاقتصادُ في استعمالِ الماءِ في العبادةِ مَطْلُوبًا وعَمَلًا مَرغُوبًا فَالاقتصادُ في غيرِ العبادةِ أَولَى وأَحرى، وإنْ كانَ الَّذي يُغرَفُ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا.

وإِذَا كَانَتْ هذهِ الأَدِلَّةُ القُرآنِيَّةُ والنَّبَوِيَّةُ صريحةً في الأمرِ بِالتَّرشيدِ في استهلاكِ الماءِ والنَّهيِ عنِ الإسرافِ فيهِ فإنَّ الطبيعةَ والسُّنَنَ الكونيَّةَ التي أَجراها اللهُ -عزَّ وجلَّ- لَتُعلِّمُنا وتُرشِدُنا إلى التَّصرُّفِ بحِكْمَةٍ في استعمالِ المياه، فَالدِّيمَةُ وهِيَ نُزُولُ الماءِ منَ السَّماءِ شَيئًا فَشيئًا مَعَ استمرارِه خَيْرٌ لِلأَرضِ ومَنْ علَيها وما علَيها مِنْ غَزارَتِه وانْهِمارِه، ثُمَّ انقطَاعِه وانبِتَارِه، وقدْ شَبَّهَتِ السَّيِّدَةُ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- عَملَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذلِكَ حِينَ سُئِلَتْ عَنْ عملِه فقالتْ: "كانَ عملُه دِيمةً" أي كانَ عملُهُ مَوصُوفًا بالقِلَّةِ معَ الاستِمْرارِيَّة، ومنَ الجبالِ ما يَخْزُنُ الماءَ في داخلِه بكَمِّيَّاتٍ هائلةٍ ثمَّ يَصرِفُهُ بإذنِ اللهِ شَيئا فَشيئًا على مَدَى أَزْمنَةٍ متطاولةٍ، ولعلَّ في خروجِ الماءِ على هذهِ الصُّورةِ المُنتَظِمَةِ تدريبًا على سلوكِ مبدأِ النِّظَامِ وتَرشيدِ الاستِهلاك، تُعلِّمُنَا إِيَّاهُ سُنَنُ اللهِ الكَونِيَّةُ، ضَمانًا لِسعادَةِ الإِنْسانِيَّةِ.

فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ منَ الإساءةِ والانحرافِ هَدْرَ الماءِ عَنْ طريقِ التبذيرِ والإِسْرافِ.

أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِينَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ مَصادِرَ المياهِ مِنْ أَنْهارٍ أَو بِحارٍ أَو آبارٍ أو أَفْلَاجٍ يَجِبُ أَنْ يَتعاونَ الجَمِيعُ في سبيلِ إِبقَائِها نظيفةً نَقِيَّةً، فَبِهذا يَسعَى الجميعُ نَحْوَ الكَمالِ ويُحقِّقُوا ما أرادَهُ الإسلامُ مِنْ نَظافةٍ وجَمالٍ، ومُحافظةٍ على صحَّةِ الإنسانِ وعافيتِه، وسلامةِ بيئتِه، فصِحَّةُ الجَسدِ وجمالُه ونَضرتُه ونَقاوةُ البيئةِ مِنْ كُلِّ ما يُعكِّرُ صفوَها منَ الأمورِ التي وَجَّهَ الإسلامُ إِلَيها فائقَ العِنَايةِ وعَظِيمَ الرِّعَايةِ، واعتبرَها مِنْ صميمِ رِسالَتِه وجَوهَرِ دَعْوَتِه، إنَّ الإسلامَ دِينُ الرُّقيِّ والحضارةِ يريدُ لِمصادرِ المياهِ أن تَبقَى كما أرادَ اللهُ لَها بعيدةً عَنْ كُلِّ ما يُعكِّرُ صفَاءَها، ويُلوِّثُ نَقَاءَها، والعملُ على تحقيقِ ذلكَ يُبعدُ الإنسانَ عنْ كُلِّ أدرانٍ مُكدِّرةٍ، وأحوالٍ مُنَفِّرةٍ، وبذلكَ يستطيعُ القيامَ برِسالَتِه، والنهوضَ بأَعبائِه وإنجازِه مُهمّتَه.

يَجِبُ أنْ يعملَ الإنسانُ على إِبقاءِ الماءِ على الصورةِ التي صوَّرَها القرآنُ الكريمُ، والصفةِ الَّتي وَصَفَهُ بِها، فَقَدْ جاءَ وَصْفُ المَاءِ في القُرآنِ الكريمِ بِالبَركَةِ والطَّهُورِ والعذُوبَة، يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) [ق: 9]، ويقولُ جلَّ شأنُه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الْفُرْقَانِ: 48]، ويقولُ -سبحانه-: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [الْمُرْسَلَاتِ: 27]، ولِكَي يَبقَى الماءُ علَى هذهِ الصُّورَةِ النَّضِّرَةِ الزَّاكِية، والصِّفَاتِ الجَميلةِ الرَّاقيةِ نَهَى الإسلامُ عَنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلى خِلَافِ ذلك، فَعَنْ جابرٍ -رضيَ اللهُ عنه- عنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنهُ نَهَى أنْ يُبالَ في الماءِ الرَّاكِد"، وعنهُ أيضًا: "نَهَى أنْ يبالَ في الماءِ الجاري"، وشدّدَ الإسلامُ النَّكيرَ على كُلِّ مَنْ تَصرُّفَ تَصرُّفًا أو سلَكَ سُلُوكًا حَرَمَ بسببِهِ الماءَ مِنْ صفَائِه، وطهارتِهِ ونقائِهِ، فعَنْ معاذٍ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الملاعِنَ الثلاثَ: البُرازُ في المَواردِ وقارعةِ الطَّريقِ والظِلِّ"، والمرادُ بالمواردِ مواردُ المياه.

إنَّ أيَّ سلوكٍ أو تصرُّفٍ ينتجُ عنهُ تلوّثُ المياهِ هو إيذاءٌ نَهَى اللهُ -عزَّ وجلَّ- عنهُ فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الْأَحْزَابِ: 58]، وهو أيضًا ضرارٌ نهى عنهُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: "لا ضَرَرَ ولا ضِرار".

فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واعلموا أنَّ أصحابَ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ والقلوبِ التَّقِيَّةِ همُ الَّذينَ يعملُونَ على إِبقَاءِ المياهِ صافيةً نَقِيَّةً.

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلًا عَلِيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56].

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيبًا، وَعَمَلًا صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِينًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلَامَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِينَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِينَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.

رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).