الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إننا في عصر عظم فيه الخطر، وكثرت أسباب الفتنة بما فتح علينا من زهرة الدنيا، واتصالنا بالعالم الخارجي مباشرة، أو بواسطة وسائل الإعلام. وبسبب ضعف كثير من الرجال، أو تهاونهم بالقيام بمسؤوليتهم تجاه نسائهم، وقع كثير من النساء في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. الحمد لله الذي خلق كل شيء، فقدره تقديرا، وفاوت بين خلقه في ذواتهم وصناعاتهم وأعمالهم حكمة وتدبيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وكان الله على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث إلى الخلق كافة بشيرا ونذيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فقد قال الله -تعالى-: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)[البقرة: 282].
وقال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].
أيها الناس: إن من هاتين الآيتين الكريمتين: يتبين لنا مدى نقص المرأة في عقلها وتدبيرها.
ففي الآية الأولى: بيان نقص عقلها وإدراكها وإحاطتها، حتى فيما تستشهد عليه، ويطلب منها رعايته وضبطه.
وفي الآية الثانية: بيان نقص تدبيرها وتصرفها، وأنها بحاجة إلى مسؤول يتولى القيام عليها، وهو الرجل لهذا وجب على الرجال رعاية النساء، والقيام عليهن لتكميل ما فيهن من نقص: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)[البقرة: 228].
وإنه كلما عظم الخطر عظمت المسؤولية، وكلما كثرت أسباب الفتنة، وجبت قوة الملاحظة.
وإننا في عصر عظم فيه الخطر، وكثرت أسباب الفتنة بما فتح علينا من زهرة الدنيا، واتصالنا بالعالم الخارجي مباشرة، أو بواسطة وسائل الإعلام.
وبسبب ضعف كثير من الرجال، أو تهاونهم بالقيام بمسؤوليتهم تجاه نسائهم، وقع كثير من النساء في شرك هذه الفتنة، وهاوية ذلك الخطر، حتى إنك لترى المرأة الشابة تخرج من بيتها إلى السوق بألبسة مغرية، ألبسة جميلة، إما قصيرة، وإما طويلة ضيقة، ليس فوقها إلا عباءة قصيرة أو طويلة يفتحها الهواء أحيانا، وترفعها هي نفسها عمدا أحيانا، تخرج بخمار تستر به وجهها لكنه أحيانا يكون رقيقا يصف لون جلد وجهها، وأحيانا تشده على وجهها شدا قويا بحيث تبرز مرتفعات وجهها كأنفها ووجنتها.
تخرج لابسة من حلي الذهب ما لبست، ثم تكشف عن ذراعيها حتى يبدو الحلي، كأنما تقول للناس: شاهدوا ما عَلَيَّ فتنة كبرى، ومحنة عظمى.
تخرج متطيبة بطيب قوي الرائحة يفتن كل من في قلبه مرض من الرجال، وربما خلع ثياب الحياء، فصار يلاحقها.
تخرج من بيتها تمشي في السوق مشيا قويا كما يمشي أقوى الرجال وأشبهم كأنما تريد أن يعرف الناس قوتها ونشاطها، وتمشي كذلك في السوق مع صاحبتها تمازحها، وتضاحكها بصوت مسموع، وتدافعها بتدافع منظور.
وتقف على صاحب الدكان تبايعه، وقد كشفت عن يديها وعن ذراعيها، وربما تمازحه، أو يمازحها، أو يضحك معها إلى غير ذلك مما يفعله بعض النساء من أسباب الفتنة والخطر العظيم والسلوك الشاذ الخارج عن توجيهات الإسلام وطريق أمة الإسلام.
يقول الله -تعالى- لنساء نبيه -صلى الله عليه وسلم- وهن القدوة: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن"(البخاري (858) مسلم (442) الترمذي (570) النسائي (706) أبو داود (567) ابن ماجة (16) أحمد (2/76) الدارمي (442)).
هكذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وبيوتهن خير لهن"(أبو داود(567) أحمد (2/76)).
خير لهن من أي شيء؟
من مساجد الله، فكيف بخروجهن للأسواق؟
ويقول الله -عز وجل-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ)[النور: 60].
فإذا كانت المرأة من العجائز ممنوعة من التبرج بالزينة، فكيف تكون الشابة التي هي محل الفتنة؟
ويقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور: 31].
فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار، وهو ما تغطي به رأسها على جيبها ليستر ما قد يبدو من رقبتها، أو يربو على صدرها، فكيف تخالف المرأة المسلمة المؤمنة بالله ورسوله إلى محاولة إبداء وجهها وهو محل الفتنة والتعلق بها؟
ويقول الله -سبحانه-: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)[النور: 31].
وهو الخلخال الذي تلبسه برجلها، وتخفيه بثوبها، فإذا ضربت برجلها على الأرض سمع صوته، فإذا كانت المرأة منهية أن تفعل ما يعلم به زينة الرجل المخفاة، فكيف بمن تكشف عن ذراعها حتى تشاهد زينة اليد؟
إن فتنة المشاهدة أعظم من فتنة السماع.
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس"(مسلم(2128) أحمد (2/356) مالك (1694)).
ويعني بهم الظلمة من ذوي السلطة الذين يضربون الناس بغير حق، أما من يضربون الناس بحق لتقويمهم وتأديبهم، فليسوا من هؤلاء، وقد يكون المقصود من الحديث كراهة هذا النوع من السياط.
أما النوع الثاني: فيقول فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"(مسلم(2128) أحمد (2/440) مالك (1694)).
وصفهن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهن "كاسيات" أي: عليهن كسوة، ولكنهن "عاريات"؛ لأن هذه الكسوة لا تستر إما لخفتها أو ضيقها أو قصرها "مائلات" عن طريق الحق "مميلات" لغيرهن بما يحصل منهن من الفتنة "رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة" بما يلففن عليهن من شعورهن، أو غيره حتى يكون كسنام البعير المائل.
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أيما امرأة أصابت بخورا، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"(مسلم (444) النسائي (5128) أبو داود (4175) أحمد (2/304)).
فمنعها من حضور المسجد للصلاة؛ لأنها أصابت بخورا، فكيف بمن تتطيب بما هو أطيب من البخور، وأشد جاذبية، ثم تخرج إلى الأسواق؟
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"(مسلم (440) الترمذي (224) النسائي (820) أبو داود (678) ابن ماجة (1000) أحمد (2/485) الدارمي (1268)).
لماذا كان ذلك؟
كان ذلك؛ لأن آخر الصفوف أبعد عن الرجال، والاختلاط بهم هذا، وهو في العبادة والصلاة، فكيف بمن تلي الرجال، وتختلط بهم في الأسواق؟
هذه -أيها المسلمون-: توجيهات الله -سبحانه- في كتابه، وتوجيهات رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 36].
(وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].
هذه توجيهات الإسلام، أما طريق أهل الإسلام، فقد قالت أم سلمة -رضي الله عنها- لما نزلت هذه الآية: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)[الأحزاب: 59].
خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
أفلا نأخذ -أيها المسلمون-: بهذه التوجيهات الإسلامية ونعتبر بطريق أهل الإسلام؟!
أفلا نتقي الله -عز وجل- أفلا نتدارك ما وقع فيه كثير من النساء من مخالفة طريق أهل الإسلام ونلزمهن بالسلوك والصراط المستقيم؟!
حتى يكون مجتمعنا مجتمعا إسلاميا في رجاله ونسائه، في عباداته وأخلاقه، لقد كان الكثير من النساء يخرجن من بيوتهن "في أيام الدراسة إما لشراء بعض الأدوات المدرسية، وإما للاتصال بزميلتها فيم يتعلق بالدراسة، أما الآن، وقد أغلقت المدارس أبوابها في هذا العام أو أوشكت".
فجدير بنسائنا أن يلزمن بيوتهن، وأن لا يخرجن على الأسواق، وسيجدن ذلك ثقيلا عليهن في أول الأمر، لكنهن سيألفن ذلك، ويخفف عليهن في النهاية، فيصرن ذوات الخدور وربات الحياء.
وإن على أولياء أمورهن من الرجال: أن يفطنوا لذلك، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم من رعاية وأمانة، حتى يصلح الله لهم الأمور، ويمنعهم من الفتنة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71].
اللهم وفقنا للتقوى والقول السديد، وأصلح لنا الأعمال، واغفر لنا الذنوب، واجعلنا ممن أطاعك، وأطاع رسولك، وفاز بثوابك، إنك جواد كريم.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.