البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

عقول تضيع

العربية

المؤلف أحمد بن عبد العزيز الشاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. خطورة المخدرات والمسكرات .
  2. أسباب تفشي المخدرات والمسكرات في المجتمع .
  3. أهم سبل وقاية الشباب من الانحراف والإدمان .
  4. كيفية تحصين الشباب وحمايتهم من المخدرات .
  5. التحذير من المخدرات الفكرية. .

اقتباس

فالشباب يبحث عن الحب والتفاهُم، ويسعى لكي يجدَ ذلك من أيّ مصدر، خصوصًا إذا افتقدوه في محيط أسرتهم، ومن ثَمَّ ينبغي على الوالدين أنْ يعاملا أبناءهما بكل ودٍّ وحبّ، فالحب خير وقاية للشباب من الدخول في دائرة الانحراف والإدمان.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى الإمام عليه وعلى آله وصحبه من ربهم أزكى الصلوات والسلام.

 

أما بعد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء:29].

 

إنه حديث لا كالأحاديث عن داء كالأدواء؛ إنه حديث عن معركة مع العدو ليس سلاحها الدبابة والمدفع، وليس ميدانها الساحات المكشوفة والأجواء الظاهرة؛ إنها معركة سلاحها الأفيون والحشيش والحبوب، وميدانها السراديب المظلمة والاستراحات المشبوهة.

 

إنها رحلة مريرة ضحاياها أزواج يقتلون زوجاتهم وأولادهم، ورجال يتحرشون بمحارمهم، وشباب تدمّر عقولهم وطاقاتهم وصغار تُنْتَهَك أعراضهم.

 

إنها رحلة نهايتها الموت في دورات المياه وحاويات القمامة والأماكن القذرة.. إنه داء يعني انتشار الأمراض، وفساد العقول، وتبدّد الجهود، وإهمال الطاقات، وانعدام الغيرة وفقدان كل معاني الإنسانية وزوال كل ملامح الرجولة والمروءة.

 

كم حبة صغرت في حجمها قتلت

حراً وأُرخص في تهريبها الذهب

هذا سلاح من الأعداء غايته

ألا تعود إلى أمجادها العرب

يا من سألتم عن الإدمان قصته

تدمي القلوب وفيها الخوف والرهب

 

إنها السموم تفتك بالأجساد فتهدّها، تفتك بالنفس فتبلّدها، تفتك بالأموال فتبدّدها، تفتك بالأُسَر فتشتّتها، تفتك بالهناء والنعيم والسعادة فلا تُبْقِي شيئًا منها.

 

كم خربت المخدرات من بيوت كانت بأهلها عامرة!، وشردت عائلات كانت ملتئمة آمنة وجعلت منهم عبرة ومثلاً وعظة!، وكم أضاع بعض الناس الكرامة من أجل الحصول على هذا الداء الوبيل!.

 

كم من زوجة تعتصر ألمًا وهي تصارع زوجًا مدمنًا!، وكم من أم وأب يبكيان دمًا وهما يشاهدان فلذة كبدهما يهوي في متاهات الإدمان يبيع عقله ودينه وعرضه في سبيل حبة!

 

أيها المسلمون: لست بصدد الحديث عن المخدرات حكمها وأضرارها فذاك مما لا يخفى على أولي الأبصار، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يجعل فئة من شباب المسلمين تنجرف وراء هذا الداء ضاربة بالدين والعقل عرض الحائط مفرّطة في الرجولة والكرامة والشهامة فضاعت بذلك طاقات للأمة كان يمكن أن تُسَخَّر في خدمة الدين وبناء الوطن.

 

إنه سؤال نملك نحن الإجابة عليه، ونحن المسؤولون عن ضياع أبنائنا وانجرافهم في تيار المخدرات الجارف.

 

إن من أكبر أسباب تعاطي الشباب للمخدرات: ضعف الوازع الديني، فعندما ينشأ الأولاد على غير التقوى والإيمان تنمو نفوسهم مشوّهة على غير أصلها ضعيفة لا تصمد أمام تقلبات الحياة العادية قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، فلو تربَّى الشباب على طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإن الصيام غايته التقوى.

 

وإن التربية الحديثة ووسائل الإعلام المختلفة والانفتاح عبر وسائل الاتصال وكثرة الاختلاط بالكفار والإعجاب بهم تُعتبر أهم أسباب تسرُّب ضعف الوازع الديني إلى أبنائنا.

 

ولكي نُنَمِّي الشعور الديني عند أولادنا ينبغي ربطهم بالقرآن منذ نعومة أظفارهم وغرس محبة الله -عز وجل- في قلوبهم، وتنشئتهم على محبَّة الله والشوق إلى جنّته وغرس القيم الإسلامية فيهم، وربطهم بالمسجد، وبالصحبة الصالحة وبدروس العلماء ومجالس الصالحين. مع تعريفهم بحكم الإسلام في التدخين وغيره من المفتّرات والمخدّرات، وبيان مدى ضررها على الفرد والمجتمع وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.

 

ولا يُوقع في دَنَس المخدرات مثل رفاق السوء، ومن طبيعة رفاق السوء أن يشجّعوا رفاقهم على مماثلتهم في سلوكهم كي لا يتميزوا عنهم وحتى يكونوا سواء. وإن القرين بالمقارن يقتدي.

 

إنَّ الشباب يلجأ دائمًا إلى الحماية، ويبحث عن الصدر الحنون الذي يتلقَّاه، ويعيش آلامه وأحزانه ومَشاكله، وربما كان الصدر الحنون هو صدرًا زائفًا مُخادعًا، يدفع على الفساد، ويسعى إلى تحطيم الشباب، وهذا الصَّدر الحنون هم رفاق السوء الضَّلال من التائهين والضَّائعين، أو من اللصوص المتاجرين بالسموم؛ كي يُحققوا الثَّراء على حساب جثث ضحاياهم من الشباب.


فالشباب يبحث عن الحب والتفاهُم، ويسعى لكي يجدَ ذلك من أيّ مصدر، خصوصًا إذا افتقدوه في محيط أسرتهم، ومن ثَمَّ ينبغي على الوالدين أنْ يعاملا أبناءهما بكل ودٍّ وحبّ، فالحب خير وقاية للشباب من الدخول في دائرة الانحراف والإدمان.

 

والمخدرات -يا مسلمون- نار شرارتها: تدخين الآباء، فالأطفال يتأثرون بوالديهم لا شعوريًّا، ومن هذه الآثار تقليدهم لآبائهم في التدخين.

 

والتدخين -عباد الله- هو البوابة الأولى لعالم المخدرات، فضلاً عن الخمور والمعسلات، والأب المدخّن هو الذي يشجّع أولاده على التدخين كما يضعهم عند العتبة الأولى لنفق المخدرات المظلم.

 

تبدأ حكاية المخدرات -يا عباد الله- بإهمال الآباء لأبنائهم بحجة السعي في رزقهم، ولقد أثبتت التجارب والبحوث الميدانية أن متابعة الأب لولده لا تعدلها متابعة، وأن الولد يندفع نحو الصلاح والخير عندما يعرف أن والده مهتمّ به، ويندفع إلى رفاق السوء إذا عرف أن والده منشغل عنه.

 

ويشكل العيش في بلاد الكفر لأيّ غرضٍ عاملاً من عوامل الوقوع في هذا الداء الوبيل حينما يعيش أبناؤنا في مجتمعات تائهة لا تقيم للأخلاق ولا للقِيَم والمُثُل وزنًا ولا اعتبارًا، وحيثُ ينتشر دعاة الفساد والمروجون للانحراف.

 

أيها المسلمون: وتبقى أسباب أخرى: فالفراغ، والمشاكل الأُسَرِيَّة كالطلاق، والمشاجرات بين الوالدين، وتورط أحد من الأقارب في الإدمان، والبطالة، وسوء الأحوال المادية، فهي أسباب لا تقل أهمية عما سبق.

 

ويبقى أن دورنا كآباء ومربين هو الدور الأكبر في تحصين الشباب وحمايتهم من الانجراف وراء المخدرات من قبل أن يأتي يوم نعضّ فيه أصابع الندم ونتحسر فيه على طاقات أُهْدِرَتْ وأكباد ضُيِّعَتْ، وأصبحت فريسة للفساد والمفسدين، والله يتولى الصالحين.

 

وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

أما بعد: فإذا كانت مسؤولية حماية أبنائنا من المخدرات ملقاة على عواتقنا بالدرجة الأولى؛ فإن المجتمع مسؤول بأكمله عن هذه المهمة ومُطالَب بأن يقف صفًّا واحدًا في خندق واحد لمواجهة هذا الداء الخطير الذي يحطّم كيان الأمة ويزعزع بناءها.

 

إنَّ مجرد إقامة معارض توعية، والاكتفاء بعبارات إرشادية أصبحت مع مرور الزمن بالية لا تأثير لها، فهذا بحدّ ذاته لا يغيّر من الواقع شيئًا ما لم يصحبه حملة جادة لزرع الشعور بالخوف من الله في نفوس الشباب، وتقوية الوازع الديني لديهم.

 

يا أيها المسلمون: وإذا كنا مطالبين بمحاربة المخدرات الحسية وتحذير الأجيال من غوائلها فثمت مخدرات فكرية هي أشد وأنكى ومن رحمها تخرج كل الأدواء وأمراض الشعوب.. ونتاجها تغييب للوعي وتمييع للعقائد وتلبيس للحق بالباطل ومحاربة الفضيلة وتجميل الرذيلة وتضييع لمعالم الحياء من حجاب وقرار وتهميش لتميز المسلم وهدم لمبادئ الولاء والبراء.

 

فمن قبل حرب المخدرات الحسية قفوا بحزم أمام المخدرات الفكرية من أفلام هابطة، وأغانٍ ساقطة ومسلسلات ماجنة، وقنوات فاسدة ومفسدة، وزوايا صحفية مشبوهة وألعاب إلكترونية ومواقع في الشبكات تبث الشهوات والشبهات.

 

المخدرات -يا عباد الله- نار تلظى، والتدخين شرارتها، ورفاق السوء حطبها، والمقاهي والاستراحات المشبوهة والتجمُّعات الشبابية والنسائية تنورها، وخازن هذه النار هم أعداء الله من اليهود والنصارى وأعوانهم، فحاربوها بحرب جذورها وعدم المحاباة في التعامل مع مروجيها ومهربيها.

 

حاربوا المخدرات بوَأْد الطرائف والنكت التي تجعل من المحششين ظرفاء ومبدعين وأذكياء، حتى استقر في أذهان الناشئة والشباب أن المحشّش رمز للإبداع لا رمز للضياع.

 

حاربوا المخدرات بعلاج المتورطين فيها فالإدمان له علاج، وكل مدمن يمكن علاجه وشفاؤه، ومن المعلوم أن إنقاذ مدمن يحتاج إلى صبر واستمرار بدون توقف، فالعلاج ليس التوقف عن التعاطي، وإنما هو الاستمرار في التوقف، والمعالج الحقيقي للمدمن ليس هو الطبيب، وإنما هو إنسان قريب منه يحبه، وإذا خلت حياة المدمن من إنسان يحبه فلن يشفى بل سيتمادى حتى الموت.

 

وبداية العلاج يكون في شكل رسالة إلى وجدان المدمن محتواها أننا نحبّه ولا بد لنا أن نعبّر له عن حبّنا بطريقة ما، عندئذ يكون الحوار الصريح معه مع هدم جدار الصمت ليقول ما عنده.

 

ولا بد لنا أن ندرك أن المدمن إنسان مريض وإذا شفي فلابد أن يعترف به المجتمع ويفتح له صدره ليعود إنسانًا سويًّا، وإذا وجد من المجتمع جفاء وتنكراً ونظرة دونية فإن ذلك مما يشجّعه على العودة للإدمان مرة أخرى تحت ضغط الأصدقاء وإغراءاتهم.

 

وتؤدي مستشفيات الأمل في هذه البلاد دورًا ظاهرًا ومشكورًا في علاج المدمنين، فلهم ولكل عامل في مؤسسات الدولة من رجال الهيئات وأبطال مكافحة المخدرات وسلاح الحدود شكر ودعاء وثناء، وبارك الله في جهودهم، ورحم الله شهداءهم من ضحايا عصابات التهريب، والله لا يضيع أجرمن أحسن عملاً.

 

ويبقى لنا -أيها الإخوة- دور في مشاركة الجهات الرسمية صمودها ووقوفها في وجه هذا المرض الخبيث من خلال التعاون معهم، والتبليغ عن المروجين دعاة الفساد ومحبي إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

 

وختامًا يا معشر الآباء والأمهات: كم هو صعب على نفسك، أن ترى فلذة كبدك يتلوى على الأرض لا تملك له شيئًا، وقد أصبح شبحًا، أو بقايا إنسان بسبب الإدمان! نسأل الله بداية أن يعيذكم من هذا الأمر، وأن لا يروعكم فيمن تحبون.

 

إن الملاحظة الدقيقة لابنك، أو ابنتك، وبشكل مستمر هي جرس الإنذار الأول لأيّ انحراف؛ إذ إن أيّ تغيير على عادات، وسلوكيات الشاب لا تكون غالبًا إلا بتأثير مؤثر خارجي، وخصوصًا بعض الأمور غير الطبيعية، كتغيير أوقات النوم، والتعب الجسمي العام، واحمرار العينين، والشكوى الدائمة من الصداع، والتدخين، والتعرف على أصدقاء جدد غير معروفين لكم، وربما يكبرونه سنًّا، إلى غير ذلك من التغيرات التي هي بمثابة الإنذار الذي إذا تجاهلته فلربما تخسر ابنك، أو ابنتك فكونوا عينًا رقيبة وقلبًا حانيًا ونفسًا مشفقة.

 

ستر الله عوراتكم وأصلح نياتكم وذرياتكم..

اللهم صَلِّ وسَلِّم...