الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
أدوا الأمانة، فإنكم عنها مسؤولون، وعلى حسب القيام بها والتفريط بها محاسبون، فإما مغتبطون بأدائها مسرورون، وإما نادمون في إضاعتها خاسرون. أدوا الأمانة فيما بينكم وبين الله؛ وأدوها فيما بينكم وبين عباد الله. فأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين الله؛ فأن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي فرض على العباد أداء الأمانة وحرم عليهم المكر السيء والغدر والخيانة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، ونؤمل بها الفوز بدار النعيم والكرامة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي أتم به النعمة، وبعثه للعالمين رحمة، وللعاملين قدوة، وعلى الطاغين حجة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الدين والملة، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وأدوا الأمانة التي حملتموها وتحملتم مسؤوليتها.
أدوا الأمانة التي عرضت: (عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب:72].
أدوا الأمانة، فإنكم عنها مسؤولون، وعلى حسب القيام بها والتفريط بها محاسبون، فإما مغتبطون بأدائها مسرورون، وإما نادمون في إضاعتها خاسرون.
أدوا الأمانة فيما بينكم وبين الله؛ وأدوها فيما بينكم وبين عباد الله.
فأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين الله؛ فأن تقوموا بطاعته مخلصين، وتتعبدوا بما شرعه متبعين، لا مفرطين ولا مفرطين.
وأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين العباد؛ فأن تقوموا بما أوجب الله عليكم من حقوق العباد.
وهذا أمر يختلف باختلاف الناس وأحوالهم، فكل إنسان عليه أمانة بحسب ما يقتضيه عمله الذي التزمه.
فولاة الأمور صغارا وكبارا أمانتهم: أن يقوموا بما فرض الله عليهم لمن تحت أيديهم من العدل، وأن يسيروا بالناس على حسب ما تقتضيه المصلحة في الدين والدنيا، وأن لا يحابوا في ذلك قريبا ولا صديقا ولا قويا ولا شريفا، وأن يولوا الأمور من هو أحق بها وأجدر وأقوم وأكفأ.
والموظف بحسب حالة أمانته: أن يقوم بوظيفته على حسب المطلوب منه، وأن لا يفرط في عمله أو يتأخر أو يتشاغل بغيره أو يتعدى إلى أمر لا يعنيه شرعا أو نظاما.
وهاهنا أمر ينبغي لكل موظف: أن يلاحظه وهو أن بعض الموظفين ربما يتوانى في تطبيق النظام بحجة أن هذه أنظمة ليست مما أوجبه الشرع، أو أن الأجرة والراتب الذي يتقاضاه من بيت المال ونحو ذلك، وهذه الحجة غير صحيحة.
أما كونه ليس من الأنظمة الشرعية، فإنه من الأنظمة التي سنها ولاة الأمور، وألزموا الموظف القيام بها، وما سنه ولاة الأمور ولم يكن فيه معصية لله ورسوله، فإنه يجب اتباعه؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[النساء: 59].
وأما الحجة الثانية، وهي: أن هذا من بيت المال الذي لعموم المسلمين، فهذا مما يؤكد ويحتم على الموظف أن يقوم بوظيفته أكثر وأكثر، فإن الحق إذن يكون لعموم المسلمين وكل واحد منهم يطلبك أن تقوم بوظيفتك؛ لأنك تأخذ راتبك من بيت مالهم بإقرارك على نفسك.
ولو كان الحق لشخص خاص لكان أهون.
والمقصود: أن هذه الحجة التي ربما يتعلل بها من يفرط بواجب وظيفته ليست حجة صحيحة.
ويمتاز المدرس بين الموظفين بأهمية المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه، فالمدرس معلم وموجه فهو مغذي الروح وطبيبها، فعليه أن يتحرى أسهل الأساليب وأقرب الطرق إلى إيصال المعلومات إلى أذهان الطلبة، وأن لا يضيع شيئا من الحصة فيما لا خير فيه للطلبة.
وعليه أيضا: أن يوجههم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم بقدر ما يستطيع، فإن من المعروف أن الطالب يقتدي بمعلمه، ويأخذ بقوله أكثر مما يأخذ من أبيه وأهله.
فعلى المدرس: أن يأخذ هذه الميزة بعين الاعتبار، وأن يخلص لله -تعالى- في تعليمه وتوجيهه، ويعامل الطلبة بالعدل مسويا بين القريب والبعيد والشريف والوضيع.
أيها المسلمون: إن على الأب وعلى ولي البيت: أمانة لازمة له، هي تربية أولاده وأهله، وتقويم أخلاقهم وتعويدهم على فعل الخير وترك الشر، والقيام بحقوقهم التي أوجب الله عليه رعايتها.
وإن على البائع والمشتري: أمانة يجب عليهما أداؤها.
هذه الأمانة، هي الصدق والبيان، فلا يكذب فيذكر في السلعة وصفا غير موجود فيها، ولا يتكتم، فيخفي عيبا موجودا.
إن على أهل الحرفة من البنائين والنجارين والصناع وغيرهم: أن يؤدوا الأمانة بالإخلاص في عملهم، وأن يؤدوه كاملا كما يطلبون حقهم كاملا.
أيها المسلمون: إن القول العام في الأمانة: أن تؤدي ما عليك على الوجه الذي يطلب منك من غير تقصير ولا مجاوزة، فمن قام بأمانته فقد ربح، ومن فرط فيها فقد خاب وخسر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الأحزاب: 72 - 73].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم | إلخ |