البحث

عبارات مقترحة:

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

خطورة الدَّيْن

العربية

المؤلف خالد بن علي الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - المعاملات
عناصر الخطبة
  1. شأن الدَّيْن عند الله شأن عظيم .
  2. الدَّيْن هم بالليل وذُلٌّ بالنهار .
  3. وصايا نافعة للدائن والمستدين .
  4. ترغيب الشريعة في قيام الموسرين بسداد ديون المعوزين .

اقتباس

إن الواجب على المسلم أن يتعفف عن أموال الناس، وألا يفتح على نفسه باب الدَّيْن حتى ينجو من تبعاته وآثاره في الدنيا والآخرة، وأن يعوِّد نفسَه وأهلَ بيته على القناعة والصبر والرضا بما قسمه الله وقدَّره من الأرزاق ومتع الحياة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، أتم علينا نعمتَه، وأحسن إلينا بشريعته، وأفاض علينا بكرمه ومِنَّتِه، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأثني عليه وأمجده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وَسِعَ كلَّ شيء رحمةً وعلمًا، وأحصى كلَّ شيء عددًا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، خير نبي ونذير، وأشرفُ رسولٍ وبشيرٍ، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين أزواجا وذرية، وعلى الصحابة الكرام البررة، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، واستحيوا من ربكم حقَّ الحياء، واحفظوا الرأسَ وما وعى، والبطنَ وما حوى، واذكروا الموتَ والبلى، و(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) [الْحَدِيدِ: 20]، (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[يُونُسَ: 25].

أمة الإسلام: الدواوين عند الله في يوم القيامة ثلاثة: فديوان لا يغفره الله أبدا؛ وهو الشرك، وديوان لا يَعْبَأ اللهُ به؛ وهو ظلم العبدِ نفسَه فيما بينَه وبينَ ربه، وديوان لا يترك اللهُ منه شيئًا أبدا؛ وهو ما يكون بين العباد من حقوق وتظالم، فهذا الديوان لا يتركه الله حتى يقتصَّ للعباد من أنفسهم فيأخذ لكل ذي حق حقه، بل حتى البهائم لا يجعلها الله ترابا حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، وهذا أمر جَلَل، يخاف منه المسلمُ الصادقُ؛ فيحرص على أن يتحلل في هذه الدنيا من حقوق العباد، ويخرج منها وهو خفيف الظهر من حقوق الناس وأعراضهم، خميص البطن من أموالهم.

هذا وإن من أعظم مجالات حقوق العباد التي يحصل فيها كثير من التظالم والتفريط مجال الديون والاستدانة، تلك القضية التي انتشرت وفشت في المجتمعات المسلمة وغيرها، وكثيرا ما تجد الناس إما دائنين أو مدينين؛ مما يتطلب وقفة صادقة عند هذا الأمر توجيها وإرشادا ونصحا وتذكيرا.

إن كثيرا من الناس أسرفوا على أنفسهم بفتح باب الدَّيْن إسرافا مُرْهِقًا، وأسرعوا في أمر كانت لهم فيه أناة، ومع سهولة إجراءات الاقتراض أقدم البعض عليه بلا روية ولا تفكير مدروس ولا معرفة شرعية بأحكام الدين وآدابه، وتساهلوا في ذلك حتى ورَّطُوا أنفسَهم في ديون وحقوق كانوا في سلامة منها وعافية.

إن الواجب على المسلم أن يحرص على ألا يتحمل في ذمته شيئا من أموال الناس وحقوقهم؛ لأن حقوق العباد مبنية على المقاصة والمشاحة والمقاضاة، ولو نجا عبد من المحاسبة في الدنيا فلن ينجو من محاسبة الملك العدل في الآخرة، وسيقتص الله من كل ظالم ومفرِّط في حقوق الناس، وسيُرفع لكل غادر لواءٌ يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان.

عباد الله: إن شأن الدَّيْن عند الله شأن عظيم، فقد أنزل فيه -سبحانه- أطول آية في القرآن وهي آية الدين في أواخر سورة البقرة، وثبَت عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه كان كثيرا ما يتعوذ بالله من ضِلَع الدَّيْن وقهر الرجال ومن المأثم والمغرم، وثبَت في (مسند أحمد) عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الدَّيْنِ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِىَ ثُمَّ قُتِلَ مَرَّتَيْنِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ" و(في المسند) أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- امتنع عن الصلاة على جنازة رجل مديون في دينارين، حتى تكفَّل أبو قتادة -رضي الله عنه- بسدادها، ثم لَمَّا قضاها أبو قتادة قال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ".

وتوفي أحد الصحابة وعليه دَيْن فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأخيه: "إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، فَاقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ" (أخرجه أحمد في المسند).

وثبَت عند (أبي داود والحاكم) عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "مَنْ مَاتَ وَعَلْيِه دَيْنٌ فَلَيْسَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَلَكِنْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتَ"، والشهيد في سبيل الله يغفر له كل ذنب إلا الدين، كما في (صحيح مسلم).

أيها المسلمون: ما شددت الشريعة في أمر الدَّيْن والاستدانة إلا لحفظ مصالح الناس وحقوقهم المبنية على حفظ الضرورات الخمس المشهورة، ومنها حفظ المال، ثم لئلا يصبح أفراد المجتمع مرتهنين لغيرهم قد غُلَّت أيديهم إلى أعناقهم بديونهم، وفي ذلك ما لا يخفى من الآثار السلبية والمفاسد على الأفراد والمجتمعات، فقد يقع المستدين في الخوف وعدم الشعور بالأمن النفسي خاصة إذا لقي غريمَه وَحَلَّ وقتُ السداد، وهذا مصداق لقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لَا تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بِالدَّيْنِ" (أخرجه أحمد)؛ أي: لا تستدينوا فتخيفوا أنفسكم بتبعات الدَّيْن وآثاره.

وقد يلجأ المستدينُ إلى الكذب وإخلاف الوعد والتهرب من مواجَهَة غريمه أو التحايل والمخادعة لإثبات إعساره، وفي صحيح البخاري: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ –يعني استدان- حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ".

وقد يذهب جزء كبير من مرتبه في قضاء الديون فيضطر للاستدانة مرة أخرى، ويبقى هكذا في دوامة الدَّيْن، وفي هذا إذلال لنفسه، والمؤمن لا ينبغي له أن يذل نفسه، وكثير من المديونين يقعون في الهم والغم والقلق، وقد يمرض البعض ويفقد صحتَه، وقد تفوته الطاعات والقربات بسبب انشغال عقولهم وقلوبهم بالدَّيْن وكرباته ومطالبات الناس، وقد قال بعض السلف: "ما دخل هم الدَّيْن قلبًا إلا أَذْهَبَ من العقل ما لا يعود إليه".

والدَّيْن هم بالليل وذُلٌّ بالنهار، ولا هَمَّ إلا هَمُّ الدَّيْن كما قيل، وقد قال أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: "إياكم والدَّيْن فإن أوله هَمّ، وآخره حَرْب". ووجه كونه حربًا كما قال أمير المؤمنين أن التفريط في ديون الناس من أكبر أسباب الهجران والقطيعة والخصومة بين الأقارب والأصدقاء، وقد يصل الأمر إلى الشكاوى في المحاكم؛ مما يُوقع المرءَ في حرج شديد وألم نفسيّ عميق.

أيها المسلمون: إن الواجب على المسلم أن يتعفف عن أموال الناس، وألا يفتح على نفسه باب الدَّيْن حتى ينجو من تبعاته وآثاره في الدنيا والآخرة، وأن يعوِّد نفسَه وأهلَ بيته على القناعة والصبر والرضا بما قسمه الله وقدَّره من الأرزاق ومتع الحياة، وما أعظمَ بركةَ الاقتصادِ والتوسطِ والاعتدالِ في النفقة، وأن يحذر المسلم من آفة التبذير والإسراف في إنفاق المال فيما لا طائل تحته مفاخرةً ومباهاةً ومكاثرةً ومسايرةً للواقع ومستجداته، فإن ذلك من أكثر أسباب التورط في الديون فُشُوًّا وشيوعًا.

ومع هذا كله -يا عباد الله- فإن الشريعة لم تمنع من الاستدانة والاستعانة بمال الغير مطلقًا، ولكنها أرشدت إلى جملة من الوصايا النافعة في هذا الباب؛ لينجو بها المسلم من آثار الدين السيئة وتبعاته الأليمة:

فالواجب على المسلم ألا يستدين إلا في أمر مباح هو مضطر إليه، ومحتاج إلى تصريف أحواله به، وأن يبتعد عن الاستدانة من أجل أمور لا يحتاج إليها، أو هي فيما حرم الله من المعاصي.

وعليه أن يعقد النية الجازمة والعزم على أن يَرُدّ الدَّيْن إلى أهله؛ لأن النية الجازمة في رد الدين، وكونه في أمر مباح من أهم أسباب إعانة الله للمستدين كما ثبت عن ابن ماجه عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "إن الله مع الدائن حتى يقضي دَيْنَه، ما لم يكن دَيْنُه فيما يكره الله"، وقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما من أحد يُدَانُ دَيْنًا يعلم الله منه أنه يريد قضاءَه إلا أدَّاه اللهُ عنه".

وإذا اضطر المسلم إلى الدَّيْن فليكن بطريقة مباحة لا شبهة فيها ولا غشّ ولا تحايل على الربا، ومن استدان بطريق محرم فإنه لا يوفَّق ولا يُعَان، وكان كالمستجير من الرمضاء بالنار، وليحرص الدائن والمستدين على توثيق الدَّيْن وكتابته والإشهاد عليه، كما أمر الله -سبحانه- في آية الدَّيْن، ولا يتحرجَا من كتابة الدَّيْن ولا يسأما من توثيقه صغيرا كان أو كبيرا، فهو أقسط عند الله وأقوم وأوثق، وَلْيَحْرِصِ المستدينُ على رد الدَّيْن إذا حَلَّ الأجلُ، وأن يُبرئ ذمتَه بسرعة؛ فالموت يأتي بغتةً، والعوارض كثيرة، وقد ثبَت عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ" (أخرجه الطبراني وأنو نعيم)؛ يعني: الذين يُوفُونَ بالحقوق ويؤدونها.

ولا يجوز له أن يماطل أو يسوف إذا كان عنده مال يكفي للسداد؛ فإن في المماطلة أذية للدائن، الذي كان ينبغي أن يُشكر ويُكافأ بِرَدّ ماله، لا أن يُعامَل بالمماطلة والتحايل التي هي في الحقيقة خسة طبع ودناءة نفس، وهي من الظلم الذي لا يرضاه الله، كما ثبَت في (الصحيح): "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" وفي (المسند) عنه -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْوَفَاءُ"؛ يعني: إن شكر الدائن والمقرِض يكون بحمده والثناء عليه، وبسرعة الوفاء له والسداد.

أيها المسلمون: مَنِ اضْطُرَّ للاستدانة لحاجة مباحة بطريقة شرعية وعقد العزم على رد حقوق الناس فليُبْشِر بالعون والتوفيق من الله، فالله معه حتى يقضي دَيْنَه، ومن أرهقته الديون وأقضت مضجعه فعليه أن يُكثر من الاستغفار وأن يُلِحَّ على الله بالدعاء أن يعينه على قضاء الدَّيْن، وأن يلظ بالدعاء العظيم الذي علمه النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- عليَّ بنَ أبي طالب -رضي الله عنه- كما في (المسند) حيث قال له: "ألا أعلمك كلمات لو كان عليكَ مثل جبل صبير دَيْنا أداه الله عنكَ، قل: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ".

قد رغَّب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- المسلمَ إذا نزلت به ضائقة أو كرب أن يُنزلها بالله -تعالى- وحدَه لا شريك له، فالله يتحملها عنه وهو الغني القادر، وما أسرع أن تنكشف كربته ويأتيه الله بالفرج؛ فقد ثبَت عند الترمذي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ يُوشِكُ اللَّهُ بِرِزْقٍ وَاسِعٍ أَوْ أَجَلٍ عَاجِل".

وعلى المستدين أن يدبِّر معيشتَه، ويقتصد في نفقته، ويحسن تصريف أموره بحكمة وعقل، ويقدِّم الأهمَّ فالأهم حتى يتمكن من سداد ديونه وردّ حقوق الناس؛ ففي (صحيح البخاري) عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا , أَدَّاهَا اللهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله الذي أنزل القرآن وعلمه، وخلق الإنسان وبالعقل كرمه، وفضله بالبيان وبالقلم علمه، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، رسول الملة، ونبي الملحمة، وشفيع الأمة، وعلى زوجاته وذرياته وصحابته وأتباعه، وبعدُ.

أيها المسلمون: إن من محاسن الشريعة ما جاءت به من الأحكام والآداب لحفظ حقوق الناس وأموالهم، وكما أنها أوصت المستدين بوصايا نافعة ليبارك الله له وينتفع بدَيْنه، فكذلك ندبت الشريعة وحثت مَنْ كان ذا مال وافر، وكان مقتدرا ألا يمنع الناس من فضل الله الذي عنده إذا جاءه مكروب ذو حاجة للاستدانة؛ لأن تفريج كربات الناس وإدخال السرور عليهم ونفعهم من أجل القربات عند الله، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وهو من صور التكافل الاجتماعي والتعاون على البر والتقوى، وعلى الدائن أن يحرص على أن يحسن نيته في إقراض المحتاجين ويقصد وجه الله لا رياء ولا سمعة، (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الْإِنْسَانِ: 9].

وعلى الدائن أن يصبر على المستدينين ولا يمن عليهم ولا يفخر عليهم، وينبغي أن يمهلهم ولا يؤذيهم بالمطالبة والمداعاة إذا لم يظهر منهم مماطلة أو تحايل، ويجمل بالدائن أن ينظرهم إذا طلبوا الإنظار لعسرهم وحاجتهم، وإذا سمت نفسه فسامحهم في ديونهم أو وضع عنهم فهذا هو الفضل والكرم والشرف، فقد ثبت في (صحيح مسلم) قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من أنظر معسرا –يعني: أمهله ولم يَعْجَل عليه- أو وضع عنه، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله".

وفي (مسند أحمد) قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً"، وفي رواية: "مثليه"؛ يعني: يكون للدائن بمثل مقدار الدَّيْن في كل يوم صدقة، إذا أمهله وأنظره، و(في الصحيحين): "أن رجلا كان يداين الناس فإذا جاءه رجل معسر قال: لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله فتجاوز عنه".

وقد رغبت الشريعة في أن يقوم الموسرون وأهل الفضل بقضاء ديون المحتاجين والمعوزين ممن حل أجل ديونهم ولا يقدرون على السداد، أو المأسورين والمحبوسين بديونهم، سواء كان ذلك من زكواتهم أو غيرها، وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- من مصارف الزكاة إعطاءها للغارمين خاصة يا مسلمون إذا كان المدين والدًا أو ولدًا؛ فإن قضاء الديون عن الوالدين أو الأبناء أو أحد الزوجين للآخر فيه أجران؛ أجر القرابة والصلة، وأجر تفريج الكربات، ولا يضجر الابن من ذلك، ولا يتأفف فمهما فعل الابن مع أبويه فلن يوفيهما شكرهما، ولن يبلغ جزاءهما، فقد ثبت في (صحيح مسلم): "لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"، وثبت عند (البيهقي في الشعب)، أن ابن عمر -رضي الله عنهما- رأى رجلا يطوف بالبيت الحرام وهو يحمل أمه على ظهره، فقال: يا ابن عمر، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة" يعني من زفراتها حال الوالدة.

أيها المسلمون: وليحذر الدائن أن يطلب زيادةً على رأس ماله، على رأس مال الدَّيْن عند إقراضه للناس؛ فإن ذلك هو صريح الربا، صريح ربا الجاهلية، وليحذر أيضا من أي أجر أو منفعة تحصل له من المستدين بسبب الدين؛ لأن ذلك يدخل في القاعدة المشهورة: "كل قرض جر نفعا فهو رِبًا".

وقد كان كثير من السلف -رحمهم الله- إذا أقرضوا رجلا لا يقبلون منه أي شيء، حتى الدعوة إلى الطعام إلى أن يَرُدَّ إليهم ديونَهم خشيةَ أن يقعوا في النفع الذي جره القرضُ، وهذا من تمام ورعهم وخشيتهم، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إذا أسلفتَ رجلًا سلفًا فلا تَقْبَلْ منه هديةَ كراعٍ، ولا عاريةَ ركوبِ دابةٍ"، وقد نقل ابن المنذر -رحمه الله- إجماعَ  العلماء على ذلك.

فما أحرانا -يا عباد الله- أن نتأدب بآداب الشرع وتعاليمه؛ ففيها –والله- الغَنَاء والكفاية والهداية والإصلاح والصلاح، (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الْبَقَرَةِ: 282].

عباد الله: صَلُّوا وسلِّموا على رسول الله فقد أمركم بذلك الله حيث قال في محكم تنزيله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56]. وثبت عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "أكثروا من الصلاة علي؛ فإن الله وكل بي ملكا عند قبري فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد، إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة"، فاللهم صلِّ وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك نبينا وحبيبنا وسيدنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأزواجه وذرياته وصحابته الكرام، وخص منهم أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين وعليا أبا الحسنين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصرهم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، اللهم عليك باليهود المحتلين الغاصبين، اللهم عليك باليهود المحتلين الغاصبين، أرنا فيهم عجائب قدرتك، واقتلهم بددا واحصهم عددا، بقوتك يا قوي يا عزيز، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي أراكان وفي كل مكان يا رب العالمين.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين المرابطين على الحدود، اللهم انصر إخواننا المجاهدين المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم عونا ونصيرا ومؤيدا وظهيرا بقوتك يا قوي يا عزيز.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، الله وفقه ونائبه لما فيه صلاح البلاد والعباد، واجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وارزقنا واجبرنا، وارفعنا ولا تضعنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وكن معنا ولا تكن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا.

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.