القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات |
شَهْرُ شَعْبَانَ، شَهْرٌ يَغْفَلُ عَنْهُ كَثِيْرٌ مِنْ اَلْنَّاسِ؛ فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، عَنْ أُسَامَةَ بِنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ، مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالمِينَ، وَأُحِبُّ...
الخطبة الأولى:
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آلعمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها، وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ.
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ: شَهْرُ شَعْبَانَ، شَهْرٌ يَغْفَلُ عَنْهُ كَثِيْرٌ مِنْ اَلْنَّاسِ؛ فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، عَنْ أُسَامَةَ بِنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ، مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي، وَأَنَا صَائِمٌ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِي).
وَاَلْغَفْلَةُ صِفَةٌ سَيِّئَةٌ وَدَاءٌ خَطِيْرٌ، حَذَّرَ مِنْها رَبُّنا فَقَالَ: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)[الأعراف:205]، وَقَوْلُهُ: (وَلَقَدْ ذَرَانَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الأعراف:179].
إنَّ شَانُ اَلْغَفْلَةِ شَانٌ خَطِيْرٌ، يَنْبَغِيْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكُوْنَ لَهَا مَكَانَاً فِيْ قَامُوْسِ حَيَاتِهِ، وَإِخْبَارُ اَلْنَّبِيِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم- بِغَفْلَةِ اَلْنَّاسِ عَنْ شَهْرِ شَعْبَانَ فَيْهِ حَثٌ عَلَىْ اسْتِغْلَالِهِ بِاَلْتَّقَرُّبِ إِلَىْ اَللهِ فِيْهِ؛ بِاَلْأَعْمَالِ اَلْصَّالِحَةِ، وَاَلْبُعْدِ عَنْ اَلْمَعَاصِيْ وَاَلآثَامِ.
وَفِي قَوْلِهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ" فَيْهِ دَلِيْلٌ وَاضِحٌ عَلَىْ اسْتِحْبَابِ عِمَارَةِ أَوْقَاتِ غَفْلَةِ اَلْنَّاسِ، بِمَا يُقَرِّبُ إِلَىْ اَللهِ -تَعَالَى-، وَهَذَا شَانُ عِبَادِ اَللهِ اَلْصَّادِقِيْن، وَدَيْدَنُ اَلْمُؤْمِنِيْنَ اَلْمُخْلِصِيْن.
وَلِذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ اَلْسَّلَفِ اَلْصَّالِحِ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّوْنَ إِحْيَاءَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ اَلْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ اَلْعِشَاءِ، بِصَلَاةِ اَلْنَّافِلَةِ، وَيَقُوْلُوْنَ هِيَ سَاعَةُ غَفْلَةٍ، وَيُكْثِرُوْنَ مِنْ ذِكْرِ اَللهِ -تَعَالَى- فِيْ اَلْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهَا مَوَاطِنُ تَكْثَرُ فِيْهَا اَلْغَفْلَةُ، بَلْ هُمْ كَمَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات:17-18]؛ فَهُمْ فِيْ وَقْتِ نَوْمِ اَلْنَّاسِ وَرَاحَتِهِمْ وَغَفْلَتِهِمْ يَبْحَثُوْنَ عَنْ مَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[السجدة:16].
فَاَسْتِغْلَالُ وَقْتِ غَفْلَةِ اَلْنَّاسِ بِاَلْعِبَادَةِ أَمْرٌ يُحِبُّهُ اَللهُ -تَعَالَى-، وَفِيْهِ دَلِيْلٌ وَاضِحٌ عَلَىْ صِدْقِ اَلْإِنْسَانِ وَإِيْمَانِهِ، وَبُرْهَانٌ بَيِّنٌ عَلَىْ تَقْوَىْ اَلْعَبْدِ وَيَقِيْنِهِ، فَيَنْبَغِيْ لَنَا أَنْ لَا نَكُوْنَ مِنْ اَلْغَافِلِيْنَ، وَخَاصَةً فِيْ هَذَا اَلْشَّهْر، وَلْيَكُنْ قُدْوَتُنَا فِيْ ذَلِكَ نَبِيُّنَا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-، عِنَايَتُهُ بِاَلْصِّيَامِ فِيْ هَذَا اَلْشَّهْر؛ فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، تَقُوْلُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: "كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ". وَفِيْ رِوَايَةٍ: "كَانَ يَصُوْمُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيْلَاً". وَمَعْنَىْ ذَلِكَ أَنَّهُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم- كَانَ تَارَةً يَصُوْمُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَتَارَةً يَصُوْمُ أَكْثَرَهُ.
فَلْنَتَّقِ اَللهَ -أَحِبَتِيْ فِي اَللهِ-، وَلْنُحَاسِبْ أَنْفُسَنَا، وَنَتَدَارَك تَقْصِيْرَنَا، وَلْنَحْذَرْ اَلْشَّرْكَ وَاَلْحِقْدَ وَاَلْشَّحْنَاءَ، وَخَاصَةً فِيْ هَذِهْ اَلْأَيَّامِ مِنْ هَذَا اَلْشَّهْر؛ فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه، وَحَسَّنَهُ اَلْأَلْبَانِيُّ، عَنْ أَبِيْ مُوْسَىْ اَلْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ اَلْنَّبِيَّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ".
أَسْأَلُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَافِعَاً، وَعَمَلَاً لِوَجْهِهِ خَالِصَاً، وَسَلَامَةً دَائِمَةً، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ.
أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ.
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّانِيَةُ:
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَانَهُ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاعِيْ إِلَىْ رِضْوَانِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً.
أَمَّا بَعْدُ: وَفِيْ شَهْرِ شَعْبَانَ تَشْتَهِرُ بَعْضُ اَلْبِدَعِ، وَتَنْتَشِرُ بَعْضُ اَلْأَحَادِيْثِ اَلْمَوْضُوْعَةِ وَاَلْمَكْذُوْبَةِ عَلَىْ اَلْنَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-، وَمِنْ اَلْبِدَعِ -أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ-: مَا يُسَمُّوْنَهُ بِصَلَاةِ اَلْبَرَاءَةِ، وَهِيَ تَخْصِيْصُ قِيَامِ لَيْلَةِ اَلْنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَهِيَ مَائَةُ رَكْعَةٍ.
وَكَذَلِكَ: صَلَاةُ سِتِّ رَكَعَاتٍ بِنِيَّةِ دَفْعِ اَلْبَلَاءِ وَطُوْلِ اَلْعُمُرِ وَاَلْاِسْتِغْنَاءِ عَنْ اَلْنَّاسِ.
وَأَيْضَاً قِرَاءَةُ سُوْرَةِ (يَس) وَاَلْدُّعَاءُ فِيْ هَذِهِ اَلْلَّيْلَةِ بِأَدْعِيَةٍ مَخْصُوْصَةٍ.
وَيُعْتَمِدُ أَهْلُ اَلْبِدَعِ عَلَىْ أَحَادِيْثَ، لَا تَثْبُتُ عَنْ اَلْنَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-، وَقَدْ سُئِلَ سَمَاحَةُ اَلْشِّيْخ: عَبْدُاَلْعَزِيْزِ بِنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اَللهُ- عَنْ لَيْلَةِ اَلْنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؟ وَهَلْ لَهَا صَلَاةٌ خَاصَةٌ؟
فَأَجَابَ: "لَيْلَةُ اَلْنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ فِيْهَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ.. كُلُّ اَلْأَحَادِيْثِ اَلْوَارِدَةِ فِيْهَا مَوْضُوْعَةٌ وَضَعِيْفَةٌ، لَا أَصْلَ لَهَا، وَهِيَ لَيْلَةٌ لَيْسَ لَهَا خُصُوْصِيَّةٌ، لَا قِرَاءَةٌ وَلَا صَلَاةٌ خَاصَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ.. وَمَا قَالَهُ بَعْضُ اَلْعُلَمَاءِ أَنَّ لَهَا خُصُوْصِيَّةٌ فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيْفٌ فَلَا يَجُوْزُ أَنْ تُخَصَّ بَشِيْءٍ".
فَاَتَّقُوْا اَللهَ -عِبَادَ اَللهِ-، وَاَحْرِصُوْا عَلَىْ اَلْاِقْتِدَاءِ بِنَبِيِّكُمْ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-، وَاَحْذَرُوْا اَلْبِدَعَ وَأَهْلَ اَلْبِدَعِ.
وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ، وَاَلْسِّرَاجِ اَلْمُنِيْرِ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيْمَاً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَفِيْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".