الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | عبدالمحسن بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وشق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة؛ فتوق الوقوع في الزلة فترك الذنب أيسر من طلب التوبة، وأنبها على التقصير في الطاعات فالأيام لك لا تدوم ولا تعلم متى تكون عن الدنيا راحلا، وخاطب نفسك ماذا قدمت في عامٍ أدبر ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى.
أيها المسلمون: الليالي والأيام خزائن الأعمال ومراحل الأعمار.. تبلي الجديد وتقرب البعيد، أعوام تترى وأجيال تتعاقب على درب الآخرة.. فهذا مقبلٌ وذاك مدبر وهذا صحيحٌ والآخر سقيم، والكل على الله يسير.. أيامٌ تمر على أصحابها كالأعوام وأعوامٌ على أصحابها كالأيام وفي سيرها عبرة ومدكر للجميع : (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ) [النور 44]، وقد ودع الناس عاماً من أعمارهم استودعوا فيه أعمالهم تنشر يوم الحشر أمامهم.. (يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة 13] فطوبى لعبد انتفع بعمره فاستقبل عامه الجديد بمحاسبة نفسه على ما مضى، ووقف مع نفسه وقفة حساب وعتاب يصحح مسيرتها ويتدارك زلتها.. يتصفح في ليله ما صدر منه في أفعال نهاره.
وصلاح القلب بمحاسبة النفس وفساده بإهمالها، قال ابن حبان -رحمه الله-:" أفضل ذوي العقول منزلةً أدومهم لنفسه محاسبة "، وغياب محاسبة النفس نذير غرق العبد في هواه، وما أردى الكفار في لجج العمى إلا ظنهم أنهم يمرحون كما يشتهون بلا رقيب، ويفرحون بما يهوون بلا حسيب، قال -سبحانه- عنهم:(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً) [النبأ 27 ]..
والاطلاع على عيب النفس ونقائصها يلجمها عن الغي، ومعرفة العبد نفسه وأن مآله إلى القبر يورثه تذللاً وعبودية لله.. فلا يعجب بعمله مهما عظم ولا يحتقر ذنباً مهما صغر، والتعرف على حق الله وعظيم فضله وآلائه يطأطئ الرأس للجبار -جل وعلا-..قال ابن القيم -رحمه الله-: "بداية المحاسبة أن تقايس بين نعمته -عز وجل- وجنايتك، فحينئذ يظهر لك التفاوت وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمته أو الهلاك والعطب".
وتفقد عيوب النفس يزكيها ويطهرها..قال -جل وعلا- : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس 9 – 10 ]، وإن أضر ما على المكلف إهمال النفس وترك محاسبتها والاسترسال خلف شهواتها حتى تهلك، وهذا حال أهل الغرور الذين لا يحترزون من الوقوع في المعاصي ويتكلون على العفو والرحمة، وإذا فعلوا ذلك سهلت عليهم مواقعة الذنوب وصغر في أعينهم وبالها.. والله يقول : (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار 6]، قال الحسن البصري -رحمه الله-: " لا يليق بالمؤمن إلا أن يعاتب نفسه، وأما الفاجر فيمضي قدماً لا يعاتب نفسه".
والمؤمن قوامٌ على نفسه يحاسبها.. قال -جل وعلا- : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف 201]..
وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وشق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة؛ فتوق الوقوع في الزلة فترك الذنب أيسر من طلب التوبة، وأنبها على التقصير في الطاعات؛ فالأيام لك لا تدوم ولا تعلم متى تكون عن الدنيا راحلا، وخاطب نفسك ماذا قدمت في عامٍ أدبر وماذا أعددت لعام أقبل، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا "..
وعاهد نفسك في مطلع هذا العام على المحافظة على الصلوات الخمس في المساجد جماعةً مع المسلمين، والتزود من العلم النافع والسعي في نشره وتعليمه، وحفظ اللسان من المحرمات - من الكذب والغيبة والفحش- وعليك بالورع في المطاعم والمشارب واجتناب ما لا يحل.. واحرص على بر الوالدين وصلة الأرحام وبذل المعروف للقريب والبعيد، وتطهير القلب من الحسد والعداوة والبغضاء، واحذر الوقوع في أعراض المسلمين.. واجتهد بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء حقوق الأولاد والزوجة على الوجه الأكمل، وغض البصر عن النظر إلى المحرمات في الطرقات والفضائيات.
وما أجمل أن يكون العام منطلق إصلاح في المجتمعات تحافظ فيه النساء على حجابهن ويلتزمن بالستر والحياء؛ امتثالًا لأمر الله واتباعًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتفاءً بسير الصحابيات والصالحات.. فطوبى لعبدٍ انتفع بعمره فاستقبل عامه بمحاسبة نفسه على ما مضى؛ فكل يوم تغرب فيه شمسه ينذرك بنقصان عمرك، والعاقل من اتعظ بأمسه واجتهد في يومه واستعد لغده.. فخذ الأهبة لآزف النقلة وأعد الزاد لقرب الرحلة.. وخير الزاد ما صحبه التقوى، وأعلى الناس عند الله منزلةً أخوفهم منه.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا.
أيها المسلمون: نصيب الإنسان من الدنيا عمره؛ فإن أحسن اغتنامه بما ينفعه في دار القرار فقد ربحت تجارته.. وإن أساء اغتنامه وأكثر من المعاصي والسيئات بارت بضاعته، والموفق من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله واغتنم وقته وعرف دواءه من دائه ولم يهمل فيهمل..والخير في الطاعة والشر في المعصية، والحياة ميدان فسيح لصالح الأعمال.. والتسويف لا يورث سوى الندم والتوبة تمحو الزلة.
وها أنتم تزدرفون على عام جديد وقد ودعتم عاماً من عمركم مضى بما أودعتموه من عمل، والسعيد من استودع مدة عمره صالحاً من عمله، والشقي من هدت عليه جوارحه بقبيح زلله؛ فاحفظوا أيام أعماركم قبل تفردكم في قبوركم، واغتنموا أيام حياتكم قبل الفوات، وأكرموا نزل عامكم الجديد بالطاعات.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب 56]..
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم سلم الحجاج والمعتمرين، اللهم اجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وعملهم متقبلاً يا رب العالمين، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف 23].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت.. أنت الغني ونحن الفقراء.. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[ النحل 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.