اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إنَّ الله -عز وجل- جعل التوبة ملاذًا وملجأً للمذنبين والمقصرين، وكلنا مذنبون ومقصرون، والتوبة الصادقة تمحو الخطيئات مهما عظمت حتى الكفر والشرك.. وقد فتح الله أبوابه لكل التائبين، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: إنَّ الله -عز وجل- جعل التوبة ملاذًا وملجأً للمذنبين والمقصرين، وكلنا مذنبون ومقصرون، والتوبة الصادقة تمحو الخطيئات مهما عظمت حتى الكفر والشرك (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)[الأنفال: 38].
لقد فتح الله أبوابه لكل التائبين، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يقول الله -عز وجل-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر: 53].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطائين التوابون" والحديث صححه الألباني.
لذا على المسلم الذي وقع في ذنب من الذنوب أن يبادر بالتوبة إلى الله -عز وجل- والاستغفار؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أذنب عبدٌ ذنبًا؛ فقال ربي إني عملت ذنبًا، فاغفر لي، فقال الله: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي".
وسئل علي -رضي الله عنه- عن العبد يذنب؟ قال: "يستغفر الله ويتوب. وقيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور". أي: أن الشيطان يتحسر عندما تذنب وتستغفر وتتوب فلا تهملوا الاستغفار مهما أذنبتم لأن هذا فيه إغاظة للشيطان، وتحصل به محبة الله وتكفير من الذنوب والمعاصي.
عباد الله: إلى جانب التوبة والاستغفار تأتي الأعمال الصالحة من الفرائض والتطوعات تُكَفَّر بها السيئات وتُرفع بها الدرجات؛ من طهارة وصلاة، وصيام وصدقة، وعمرة وحج، وذكر الله، وتلاوة القرآن، وغيرها.
ففي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: "من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله يقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه؛ إحداهما تحط عنه خطيئة، والأخرى ترفع درجة".
وثبت في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة؛ كفارات لما بينها ما لم تُغْشَ الكبائر"، وأيضًا قال -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام".
كذلك ما يكفر الخطايا الابتلاءات التي تصيب المسلم من مرض أو فقر أو همّ أو حزن في نفسه أو على أولاده داخل بيته أو ما يعرض له من مصائب عمومًا؛ فإنها مكفرة للذنوب والخطايا، إذا صبر عليها واحتسب الأجر عند الله -عز وجل-؛ ففي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله له بها حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عن خطاياه" (رواه البخاري).
وفي الموطأ والترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتي يلقى الله وما عليه خطيئة".
عباد الله: إن العبد إذا اتجه إلى ربه بعزم صادق وتوبة نصوح موقنًا برحمة الله -عز وجل- واجتهد في الأعمال الصالحة دخلت الطمأنينة إلى قلبه، وانفتح الأمل أمامه، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8].
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من التائبين المستغفرين من الذنوب والخطايا؛ حيث إن من صفات المؤمنين أنهم إذا أذنبوا استغفروا الله؛ قال الله –تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 135]؛ فسارعوا إلى التوبة من كبائر الذنوب وصغارها؛ غفر الله ذنوبنا جميعًا، وأدخلنا في رحمته إنه أرحم الراحمين.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إننا نقع كثيرًا في الذنوب والمعاصي، ويجب علينا التوبة والاستغفار كل يوم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وهذا هو رسول الأمة فما بالك بنا نحن المكثرين من الذنوب والمعاصي.
وقد ذكر العلماء شروطًا لقبول التوبة لا بد من تحقيقها، وهي أولاً: الندم على الذنب، والشرط الثاني الإقلاع عن الذنب، والثالث العزم على عدم العودة للذنب، هذا إذا كان الذنب بينك وبين الله -عز وجل-.
أما اذا كان الذنب يتعلق بحقوق البشر؛ فإنه يُضاف عليها شرط رابع، وهو إرجاع الحقوق إلى أصحابها إن كانت في النفس أو المال أو العِرْض فلا بد أن تتحلل وتتبرأ من حقوق الناس اليوم حتى تتم التوبة لله، وإلا ستظل معلقة بالذمة؛ فلا تغتر بطول الأمل وطول العمر فلا تضمن أن تعيش إلى الغد، أو حتى تكمل يومك؛ فالموت يأتي بغتة، فإذا غرغرت الروح أو طلعت الشمس من مغربها طلبت التوبة فإنها غير مقبولة.
ألا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]؛ فاللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة.