الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عبده نعمان العواضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
المرأة ضعيفة الفطرة، لكنها عظيمة القدرة، سريعة التأثر غير أنها شديدة التأثير قد تغلب أصحاب العقول الكبيرة بحسن تأتيها وإتقانها فن الجذب، وليس بقوة قدرتها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: إن الله -تعالى- خلق الخلق وسوّاهم وصورهم وأحسن صورهم، وأعطى كل شيء خلقه ثم هداه لِما له خُلق، فتبارك الله أحسن الخالقين، يخلق ما يشاء على الكيفية التي يشاء، ويقدر ما يشاء وهو الحكيم الخبير.
لقد خلق الله -تعالى- من يسكن هذه الأرض ويعمرها؛ فخلق آدم عليه السلام في السماء، وخلق له من يأنس به ويسكن إليه ويحيا معه فخلق له زوجه حواء من ضلعه الأيسر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1].
ثم أُهبطا إلى الأرض، فابتدأ تاريخ البشرية بالتناسل، فخلق الله من آدم وحواء -عليهما السلام- الأمم والشعوب؛ ليستمر النهر الدفاق بالتوالد إلى قيام الساعة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات:13].
أيها المسلمون: إن الحياة لا تقوم إلا بالرجل والمرأة؛ فهما شريكا بنائها وركنا قيامها؛ فللرجل مهمات وأعمال تناسب فطرته وخلقته، وللمرأة أعمال ومهمات تناسب جبلّتها واستعدادها الفطري، وبذلك تصلح الحياة وتستقيم.
لقد فطر الله -تعالى- المرأة على طبائع وصفات تلائم مهمتها الاجتماعية والتربوية؛ فخلق فيها قوة العاطفة والرقة، واللين والضعف المحمود؛ ولذلك أصبحت هي بسمة المجتمع وشمسه المشرقة في ظلام الحياة الأسرية، وفجره الساطع الذي تختفي ببزوغه الأحزان؛ لتسدل على البيت الراحة والسعادة، وعلى النفس الانشراحَ والسرور، وكيف لبيت أن يسعد من غير امرأة؟!
وأصبحت المرأة الروض الأنيق الذي يزدان بالروائح العطرة والمناظر النضرة؛ فيكسو الحياة جمالاً وبهاء وطمأنينة وهناء؛ فهي بهجة من بهجات الدنيا، ونسيم فواح من نسائمها الساحرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة"(رواه أحمد، وهو صحيح).
والمرأة كذلك هي العش الآمن الذي تنشأ فيه الأجيال وتتربى، والمنبت الخصب الذي ينبت فيه العطاء الطيب الذي ينفع المجتمع.
والمرأة ضعيفة الفطرة، لكنها عظيمة القدرة، سريعة التأثر غير أنها شديدة التأثير قد تغلب أصحاب العقول الكبيرة بحسن تأتيها وإتقانها فن الجذب، وليس بقوة قدرتها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن"(متفق عليه).
ولقد أحسن جرير حينما قال:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به | وهن أضعف خلق الله أركانا |
وأحسن كذلك ذلك الأعرابي حين قال:
هي الضِّلَع العوجاء لستَ تقيمها | ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها |
أتجمع ضعفاً واقتداراً على الفتى | ألبس عجيباً ضعفها واقتدارها!! |
أيها المسلمون: ولضعف المرأة الطبعي وقوة الرجل الخلقية أُهينت المرأة وظلمت وتسلط عليها الرجل بالقسر والعسف، فغدت ذليلة منكسرة، ليس لها حق ولا أمر، تُباع وتشترى وليس لها أهلية ولا تصرف، هكذا كانت المرأة في الجاهلية عند العرب وعند الأمم الأخرى. بل اعتقد بعض أهل الحضارات السابقة أنها مصدر للخطيئة وحليفة للشيطان!.
ففي الجاهلية كانت المرأة عند العرب -في بعض أحوالها- تعيش حياة الذل والهوان، فكانت بعض القبائل تئدها وهي صغيرة، وقد تُكره بعض الإماء على الفاحشة والبغاء من أجل التكسب.
وفي الجاهلية أيضاً كانت المرأة إذا مات زوجها جاز لابنه من ضرتها أن يرثها كمالٍ من الأموال، بل جوزوا له أن يتزوجها، وهذا نكاح المقت الذي قال الله فيه: (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً)[النساء:22].
ولم يكن لها في تلك الفترة ميراث من زوجها أو أبيها أو أقاربها إذا ماتوا.
ومع هذا الظلم لها في تلك الحقبة المظلمة إلا أننا نرى جانباً إيجابياً كانت تناله وهو أنها حصن منيع يغار قريبها عليها غيرة شديدة قد تتجاوز الحدود المعقولة حتى كانت تلك الحمية من أسباب الوأد؛ خوف السبي والعار.
عباد الله: في عصرنا الحاضر هبّت على المسلمين ريح عاصف من قبل أعداء الفضيلة تريد أن تجتث عروق الحشمة والحياء وتدخل البيوت بسَمومها؛ لتخرج منها الأخلاق الفاضلة، وبيضات الخدور المصونة؛ لتعرضها على الملاء. فاتخذوا المرأة وسيلة لتحقيق تلك المآرب الآثمة؛ مستتغلين ضعفها وفيضان عواطفها ومحبتها للثناء عليها وحرصها أن تكون هي الأجمل ومحط الإطراء والثناء.
وصدق شوقي يوم قال:
خدعوها بقولهم حسناء | والغواني يغرهن الثناء |
نظرة فابتسامة فسلام | فكلام فموعد فلقاء |
لقد أراد أولئك العابثون اللاهون أن يبعثوا هوان المرأة -الذي دفنه الإسلام-؛ ليعيدوه إلى الحياة من جديد بثوب عصري جذاب؛ ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قبله العذاب. مروجين تلك الدعوة الخادعة في عباءة الحرية واسترداد الحقوق المسلوبة! زعموا.
نظروا إلى المجتمع المسلم -وهو يتمتع باحترام المرأة والحفاظ عليها- فغاظهم ذلك عندما قارنوه بمجتمعهم المتخم بالانحلال الخلقي والتمزق الأسري، والانهيار الصحي بسبب الانحراف الجنسي ووسائله.
وحين أضحت المرأة لديهم سلعة رخيصة تُستغل في أغراض الزينة والإعلان والخدمة بأنواعها، فإذا ما قضوا منها أوطارهم نبذوها في الطرقات نبذ الحذاء المتهالك ولو كانت أماً!.
وعندما وجدوا المجتمع المسلم آنذاك بعيداً عن هذا العقوق والجور عزموا وعملوا ونجحوا في تسويق هذه الحياة عندهم إلى بعض المجتمعات المسلمة لإفساد المرأة؛ لأنهم يعلمون أثرها الفعال داخل البيت وخارجه.
يقول أحدهم: "يجب علينا أن نكسب المرأة؛ فأي يوم مدت إلينا يدها فُزنا بها وتبدد جيش المنتصرين للدين".
نعم، لقد استطاع أعداء الإسلام وأصدقاء الرذيلة أن يكسبوا المرأة البعيدة عن تعاليم دينها بعدة شعارات خادعة ومسميات زائفة، وأقاموا لذلك المؤسسات والجمعيات والأحزاب والبعثات والمؤتمرات والمنتديات واللقاءات وغيرها؛ لترويج قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل في جميع الميادين، وعملوا لذلك عبر وسائل الإعلام، وميدان العمل والوظيفة، وميدان التعليم والسياسة، فاستجاب لهم من استجاب من النساء فخسرن خسراناً مبيناً.
عباد الله: إن بعض الغربيين قد استفاق من سكرته وضرر دعوته بعدما رأوا ضحاياها على المجتمع والأسرة كثيرة، يقول أحدهم: "يجب أن تبقى المرأة امرأة؛ فإنها بهذه الصفة تستطيع أن تجد سعادتها، وأن تهبها لغيرها، فلنصلح حال النساء، ولنحذر من قلبهن رجالاً؛ لأن ذلك يفقدهن خيراً كثيراً".
وقالت طبيبة أمريكية: "أيما امرأة قالت: أنا واثقة من نفسي وخرجت دون رقيب أو حسيب فهي تقتل نفسها وعفتها".
أيها المسلمون: إن وجود المستجيبات لتلك الدعوات من بين المسلمات لأمرٌ عجيب؛ لأن الإسلام رفع شأن المرأة وأنصفها إنصافاً لا يوجد في غيره كما أنصف الرجل كذلك؛ فالمرأة في الإسلام إنسان كريم له مشاعره وعواطفه وميوله وحاجاته، وعنده القدرة على القيام بأعمال كثيرة تنا سب فطرته وخلقته؛ فالمرأة قرينة الرجل في بناء الحياة وصنع سعادتها، ووراء كل عظيم امرأة.
والمرأة قرينة الرجل في التكليف الشرعي، بل قد تكلف قبله، فهي مكلفة كما هو مكلف بالأوامر والنواهي، قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)[آل عمران:195]، وقال: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[الأحزاب:35].
إن المرأة في الإسلام محترمة في أي جهة كانت؛ فهي أم يجب برها والإحسان إليها والرحمة بها، ورعايتها في صحتها وضعفها، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)[الإسراء:23].
وهي زوجة يجب إعطاؤها حقوقها من مهر ونفقة وصيانة وإعفاف وحسن عشرة، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء:19].
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء"(متفق عليه).
والمرأة في الإسلام هي البنت التي يجب تربيتها ورعايتها والإحسان إليها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة"(رواه ابن ماجه، وهو حسن).
والمرأة في الإسلام هي الأخت نسباً أو ديناً يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها والإحسان إليها؛ فلها الحق أن تحيا كريمة كأخيها الرجل، ولها الحق أن تكتسب المال وتمتلكه عن طريق الإرث أو النفقة عليها أو المهر أو العمل المباح لها.
ولها الحق أن تتصرف في مالها الخاص في الأشياء المباحة، ولها الحق في التعليم المناسب لفطرتها البعيد عن المحظورات الشرعية. ولها الحق في اختيار من تريد الزواج به، إذا كان ذا خلق ودين إذا تقدم لخطبتها ولا يجوز إكراهها على من لا ترغب فيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن جارية بكراً أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم-"(رواه أبو داود وابن ماجه، وهو صحيح)، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تنكح الأيّم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن" قالوا: يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"(متفق عليه).
عباد الله: إن للمرأة شأناً عظيماً في الحياة؛ فلهذا اعتنى الإسلام بإصلاحها وتقويمها؛ لأن بصلاحها صلاح المجتمع واستقامته، وبفسادها فساده.
إنما المرأة مرآة بها | كل ما تنظر منك ولك |
فهي شيطان إذا أفسدتها | وإذا أصلحتها فهي مَلك |
ومن مظاهر العناية: دعوته لحسن الاختيار في الخطبة، حيث دعا لاختيار الزوجة الصالحة واختيار الزوج الصالح؛ لأن بصلاحهما صلاح الأسرة. والأم عامل مؤثر فصلاحها صلاح لذريتها الذين يتربون بين يديها.
ومن مظاهر العناية: حثه على التربية الصالحة للبنات مع الأبناء أيضاً منذ الصغر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع"(رواه أحمد، وهو صحيح).
ولأجل إصلاحها جعل الولاية للرجل عليها؛ حفاظاً وحماية وتزويجاً؛ لأنه أقدر على هذه المهمة منها. وهذه هي القوامة القائمة على العدل والرفق، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ..)[النساء:34].
هكذا تحيا المرأة تحت ظلال الإسلام الوارفة عزيزة كريمة مصونة، فإذا فارقت دوحته السعيدة فشمس العناء والشقاء تنتظرها في كل طريق.
أيها المسلمون: نعم، هناك ناس ظلموا بعض نسائهم؛ فحرموهن حقوقهن المشروعة في الشرع، وهؤلاء يمثلون أنفسهم ولا يمثلون الإسلام؛ فمن هنا ندعو إلى تحرير المرأة من هذه المظالم التي جناها عليها أولئك الظالمون، وخالفوا بها دين الله الذي أمرهم بأداء الحقوق لأهلها؛ كحق الميراث الشرعي وغيره؛ فليتق الله أولئك الظالمون قبل أن ينزل عليهم غضب الله وبأسه الشديد.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدّر فهدى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل دعوة ظالمة للمرأة؛ لأن الإسلام إنما دعا إلى العدل بينهما؛ لوجود الفوارق الخلقية والوظيفية بينهما، وبسلوك طريق العدل يسعد الرجل والمرأة معاً؛ فليست العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تصادمية، كما يصور الخادعون للمرأة، بل هي علاقة تكاملية كل يحتاج إلى الآخر ولا تتم الحياة إلا به.
فحينما ذكرنا أن للمرأة حقوقاً يجب أن تؤدى لها؛ فكذلك عليها واجبات يجب أيضاً أن تقوم بها؛ فالمرأة مكلفة من عند الله -تعالى- بعبادته لها الثواب إن أحسنت وتستحق العقاب إن أساءت، مثل الرجل في ذلك. وعليها أيضاً بر والديها، وإن كانت متزوجة وجب عليها أداء حقوق زوجها من طاعة في المعروف وعشرة حسنة، وحفظ لماله ولنفسها عليه، وإن كان لها أولاد فمسؤوليتها تربيتهم والعناية بهم.
وعليها أن تحرس نفسها بعفافها وحيائها وحجابها الساتر، وأن تحذر تلك الدعوات التي تريد أن تخرجها من حصنها الأمين لتكون دمية تلعب بها النفوس الآثمة، وتتمتع بالنظر إليها العيون الخائنة، فهي في بيتها ومأمنها ملكة الجلال والدلال والجمال.
أيها المسلمون: إن المسلمة إذا تربت على تعاليم دينها الحنيف ولزمت الحياء والحشمة والصيانة، أثمر فعلها الجميل سعادة لها ولأسرتها، وحفظاً لها ورفعة لذويها.
وقد أحسن حافظ إبراهيم حينما نصح قائلاً:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها | أعددت شعباً طيّب الأعراقِ |
الأم روضٌ إن تعهّدهُ الحيا | بالريّ، أورقَ إيّما إبراق |
الأمُّ أستاذُ الأساتذةِ الألى | شغلت مآثرهم مدى الآفاق |
أنا لا أقولُ دعوا النساءَ سوافراً | بين الرجال يجلنَ في الأسواق |
يدرجنَ حيث أردنَ، لا من وازعٍ | يحذرن رقبتهُ، ولا من واق |
يفعلن أفعال الرجال لواهيا | عن واجبات نواعس الأحداق |
كلاّ، ولا أدعوكم أن تسرفوا | في الحجبِ والتضييق والإرهاق |
فتوسَّطوا في الحالتين، وأنصفوا | فالشرُّ في التقييد والإطلاقِ |
ربُّوا البنات على الفضيلةِ، أنّها | في الموقفين لهنَّ خير وثاق |
وعليكمُ أن تستبينَ بناتكم | نورَ الهدى وعلى الحياءِ الباقي |
ألا فاتقوا الله-أيها الرجال- في نسائكم أدوا إليهن حقوقهن التي كتبها الله لهن عليكم، سواء كنتم آباء أم إخواناً أم أزواجاً أم أبناء، وإياكم الظلم لهن؛ فإنه وخيم العاقبة.
واتقين الله -معشر النساء- سواء كنتن أمهات أم زوجات أم بنات، أَدَّينَ ما وجب عليكن لربكن، وأدين ما وجب عليكن نحو أقاربكن من الحقوق، (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى..