الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لقد عرف أعداء الإسلام أهمية دور المرأة في التغيير, وما لها من تأثير مباشر في تنشئة الأجيال على الإسلام عقيدة وسلوكاً، فقاموا بمحاولة تغريبها والتركيز عليها, وذلك من خلال الدعوات البراقة الكاذبة التي انخدعت بها كثير من أبناء وبنات أمتنا, تلك الدعوات المسماة بالتحرر وانتزاع الحقوق، وطلب المساواة بينها وبين الرجل. ومن المؤسف حقاً أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل، فتبنت أفكارهم المضللة....
الخطبة الأولى:
الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي كل زمَان فَتْرَة من الرُّسُل بقايا من أهل الْعلم، يدعونَ من ضل إِلَى الْهدى، ويصبرون مِنْهُم على الْأَذَى، يحيون بِكِتَاب الله الْمَوْتَى، ويبصرون بِنور الله أهل الْعَمى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، وأصحابه الأتقياء، وتابعيهم الأنقياء، ومن تبع أثرهم واقتدى.
أما بعد:
أيها المسلمون: تمر أمة الإسلام في هذه المرحلة من تاريخها بفتن عاتية، وأزمات عصيبة، ومتغيرات سريعة، قلبت الأمور رأساً على عقب، وحولت مسار الأحداث نحو اتجاهات متعددة وطرق ملتوية، فكان لزاماً على كل فرد منا أن يساهم في صنع التغيير نحو الأفضل، ويشارك في إحلال الخير مكان الشر، والحسن مكان القبيح.
إننا نريد اليوم أن نسلط الضوء على موضوع هام جداً متعلق بموضوع التغيير قلّ من الناس من ينتبه له مع أهميته، وقليل من يذكره أو يُذّكر به مع أنه مهم جدا وضروري، إنه دور المرأة في التغيير.
فكثير من الناس يظن أن الدور في التغيير مقتصر على الرجال فقط دون النساء، ويحسب أن النساء ليس لهن مكان في التغيير، وهذا الفهم الخاطئ أنتج لنا نتائج مرة وآثاراً خطيرة؛ جعلت الرجل هو الذي يتحمل كل شيء في شؤون المرأة.
فتجد أن الرجل في كثير من الأماكن هو من يقود المرأة في كل أمر، وهو من يُعّلم المرأة، وهو من يقوم بالإشراف عليها وتربيتها، وهو من يعالجها، وهو من يدربها، وغيرها من الأمور التي كان الأولى أن تقوم فيها المرأة بخدمة المرأة دون تدخل الرجل.
إن دور المرأة في إحداث التغيير في المجتمع دور عظيم وهام، ولابد لها من تحمل المسؤولية تجاه نصف المجتمع؛ لتقوم تجاهه بالدعوة والتوعية والتوجيه.
مَن للنساء اللاتي يحملن في عقولهن اعتقادات فاسدة وأقاويل مغلوطة، إن لم يكن لهن من بني جنسهن من يقوم بتوعيتهن وتعليمهن وتصحيح عقائدهن؟. من للنساء اللاتي تأثرن ببعض الأفكار الهدامة، والآراء الشاذة والتصورات الغير صحيحة، إن لم يأتِ من النساء أنفسهن من تحاجها وتبين وجه الصواب لها، حتى تعلم خطأها، وتدرك أنه ليس كل النساء مثلها؟.
مَنْ للنساء المتبرجات والسافرات ينصحهن ويعظهن ويبين لهن خطر التبرج والتهتك إن لم تكن المرأة نفسها هي من توجه أختها، وتأخذ بيدها من وسط الشارع فتنصحها وتعظها؟ هل يصح أن يقوم الرجل بهذا الدور؟ كلا؛ لأنه باب فتنة وسوء ظن لا ينفع فيه المرأة إلا المرأة، وأما الرجل فلا يصح له أن يأخذ المرأة في الطريق بحجة نصحها وإرشادها. (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة : 71].
فلابد لنا -معشر الرجال- من إدراك دور المرأة في التغيير، وهذا يتطلب منا توعية النساء وتثقيفهن, ودفعهن إلى مجالس الخير والعلم؛ حتى تستنير عقولهن ويفهمن واقعهن على ضوء شريعة ربهن، ويقمن بالتغيير المطلوب كما هو مطلوب منهن.
لقد عرف أعداء الإسلام أهمية دور المرأة في التغيير, وما لها من تأثير مباشر في تنشئة الأجيال على الإسلام عقيدة وسلوكاً، فقاموا بمحاولة تغريبها والتركيز عليها, وذلك من خلال الدعوات البراقة الكاذبة التي انخدعت بها كثير من أبناء وبنات أمتنا, تلك الدعوات المسماة بالتحرر وانتزاع الحقوق، وطلب المساواة بينها وبين الرجل.
ومن المؤسف حقاً أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل، فتبنت أفكارهم المضللة وقمن بالدعوة لها، وعشن بتبعية كاملة لأولئك الأدعياء، وقمن بتقليدهم فكرياً واجتماعياً وسلوكياً, مقلدات المرأة الغربية تقليداً أعمى دون إدراك أو تفكير، حتى انطبقن عليهن حديث الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قيل: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟" [البخاري ( 50 ) مسلم ( 6 ) ].
إن المرأة المسلمة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تكون متسلحة في وجه أعدائها؛ حتى تقوم بالتغيير المنشود في تغيير الواقع الموجود، وذلك من خلال رفضها لكل الدعوات الكاذبة والخادعة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
فعليها أن تقف سداً منيعاً إلى جانب الرجل المسلم في وجه ما يخططه أعداء التغيير الصحيح للأمة الإسلامية، ولا تكون عوناً لأعدائها وأعداء أمتها, بل يجب عليها أن تعي وتدرك ما يدور حولها من خطط؛ لإبعادها عن دينها ورسالتها في هذه الحياة، وتتصدى لكل المحاولات التي تحاول تهميش دورها في بناء مجتمعها الإسلامي، وإشغالها بتوافه الأمور، وإضاعة وقتها في تتبع ما تبثه الفضائيات، وما تنشره المجلات الهابطة من عروض للأزياء وآخر الموديلات من مكياج وعطورات، ومتابعة أخبار الفنانين والفنانات.
أيها الناس: إن أكثر ما يغيظ الغرب هو تمسك نساء هذه الأمة بدينهن وسعيهن إلى تغيير حالهن وواقعهن؛ ولهذا يدعون إلى تحرر المرأة المسلمة والمتمثل عندهم بخلعها للحجاب واختلاطها بالرجال، حتى يعم الفساد في المجتمع الإسلامي، وما هذا إلا دليل على ما يكنه الغرب لنا من عداء, وما يطمحون له من تغيير عكسي في نساء الأمة؛ ليغرقوهن في أوحال الفساد ومستنقعات الرذيلة والفاحشة.
فلن يهنأ لهم بال ولن يستقر لهم حال حتى تترك المرأة المسلمة دينها، وتعيش بتبعية كاملة لهم، منفذة رغباتهم وأمانيهم التي لا تنتهي إلا باتباع ملتهم، كما أخبرنا بذلك ربنا -سبحانه وتعالى- فقال: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
فالواجب على المرأة المسلمة أن تعود إلى إسلامها وتتمسك به بكل قوة، وتعيش تعاليمه كلها منهجاً وسلوكاً، وتطبقها على نفسها أولاً، ثم على من هم تحت رعايتها، ثم تقوم جاهدة في نشر التغيير، وتتحمل مسؤوليتها العظيمة في إحداث التغيير في الأمة الإسلامية كلها بل في العالم كله.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران : 110].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأصلي وأسلم على خير البرية، وأزكى البشرية، صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
أيها المسلمون: إذا وجدت المرأة المسلمة في نفسها الكفاءة والقدرة للدعوة لهذا الدين العظيم في محيط مجتمعها؛ فينبغي ألا تدخر جهداً في ذلك, فهذا واجب عليها, فإن لم تستطع التغيير بهذه الطريقة فبإمكانها الدعوة بين أقربائها وجيرانها، فإن لم تستطع فيكفيها أن تنشئ أبناءها على العقيدة السمحة، وتربيهم التربية الصالحة، وتبث في نفوسهم حب هذا الدين والولاء له والبراء من أعدائه، وكفى بذلك دوراً لها في الإصلاح و التغيير.
لابد أن تكون المرأة المسلمة عوناً للرجل تسانده وتشجعه في القيام بالتغيير الصحيح والأفضل، وتساهم معه بالدعوة لهذا الدين والذود عنه، والحذر كل الحذر من أن تقع في شراك أعداء المرأة, فإنهم أعداء ألداء لكل ما هو خير وفضيلة.
أيها المسلمون: إن الأمر جد خطير, ولا بد من تعبئة كل القدرات وتهيئتها وتضافر الجهود وبذل الطاقات من أجل حث المرأة على إحداث التغيير في المجتمع والمشاركة في صنعه، والقيام بدورها في تهيئة الأجواء له؛ حتى تُرد لهذا الدين عزته، وترجع للمؤمنات كرامتهن, وينشر العدل والأمن والسلام بين نساء العالمين جميعهن، ويرتفع الفساد والشر من واقعهن. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون : 8].
إن الله لن يغير حالنا وفسادنا وواقعنا إن لم يكن التغيير منبعث من داخلنا، وإذا لم نقم نحن بالتغيير ونسعى له ونهيئ من نسائنا من تقوم بإحداث التغيير في مجتمعها وواقعها وتسعى جاهدة إلى تبديل حالها, فإن حالنا سيبقى كما هو، ولن يتغير شيء إلا بالسعي للتغيير والقيام به خير القيام. (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : 11]، ويقول -جل وعلا-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : 53].
فالتغيير يبدأ من جهتنا ومن عندنا حتى يغيّر الله حالنا، ويُبّدل أوضاعنا، ويرفع ذلنا وفسادنا ومرارة أحوالنا، وهذا لن يكون إذا لم نشرك المرأة فيه، ونعطيها دورها الواجب في القيام بواجب التغيير. ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطاب عام موجه إلى الكل بلا استثناء: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" [مسلم(49)].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".