البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الصبر

العربية

المؤلف محمد بن سليمان المهوس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الصبر دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام .
  2. إنما النصر مع الصبر .
  3. المؤمن ليس من صفاته القنوط واليأس .
  4. حاجة العباد للصبر في عصرنا .

اقتباس

وَنَحْنُ -الْيَوْمَ- كَمُسْلِمِينَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ لِلصَّبْرِ لِكَيْ نَعِيشَ سُعَدَاءَ مُطْمَئِنِّينَ فِي عَصْرِنَا هَذَا الْمُزْعِجِ، وَالَّذِي لَا تَسْمَعُ فِيهِ إِلَّا مَا يُحْزِنُ، لَكِنَّ الْقُلُوبَ الْمُطْمَئِنَّةَ بِذِكْرِ اللهِ تَعِيشُ فِي حَالٍ آخَرَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ وَالتَّصَبُّرِ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ سِلَاحُ الشَّدَائِدِ وَالْمِحَنِ....

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ مُعِينِ الصَّابِرِينَ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ-؛ يَكْشِفُ الْهَمَّ وَيُزِيلُ الْغَمَّ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الصَّابِرِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، فَتَقْوَى اللهِ سَبِيلُ الْهُدَى، وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا طَرِيقُ الشَّقَا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ وَحُسْنِ الْإِسْلَامِ، وَسَبَبٌ لِلتَّمْكِينِ، وَحُصُولِ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ، وَالْفَوْزِ بِجَنَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُورِثُ مَرْضَاةَ الرَّبِّ وَهِدَايَةً فِي الْقَلْبِ؛ إِنَّهُ الصَّبْرُ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)([الْبَقَرَةِ: 153]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200]، بَلْ رَتَّبَ عَلَيْهِ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَ: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)[النَّحْلِ: 126]. وَأَخْبَرَ عَنْ مُضَاعَفَةِ أَجْرِهِ فَقَالَ: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا)[الْقَصَصِ: 54]، وَقَالَ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزُّمَرِ: 10].

بَلْ لَا تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ إِلَّا بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السَّجْدَةِ: 24]، وَأَخْبَرَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْ فَوْزِ الصَّابِرِينَ بِمَعِيَّةِ اللهِ لَهُمْ؛ مَعِيَّةِ التَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الْبَقَرَةِ: 153]، بَلْ جَمَعَ اللهُ لَهُمْ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ لَمْ تُجْمَعْ لِغَيْرِهِمْ: الْمَغْفِرَةَ، وَالرَّحْمَةَ، وَالرُّشْدَ إِلَى الصَّوَابِ، فَقَالَ: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 157].

عِبَادَ اللهِ: بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى عَلَّقَ اللهُ النَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَجَعَلَهُ وِقَايَةً مِنْ كَيْدِ كُلِّ ظَالِمٍ، فَقَالَ: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 125]، وَقَالَ: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 120].

نَعَمْ -عِبَادَ اللهِ- لَقَدْ أَحَبَّ اللهُ الصَّابِرِينَ، فَقَالَ: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 146]، وَجَعَلَ الْمَلَائِكَةَ تُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 22-24]، وَأَثْنَى اللهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ فِي صَبْرِ أَيُّوبَ: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص: 44].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الصَّبْرُ عِبَادَةُ الضَّرَّاءِ، وَعُدَّةُ الْمُسْلِمِ حِينَ نُزُولِ الْبَلَاءِ، وَزَادُ الْمُؤْمِنِ حِينَ وُقُوعِ الِابْتِلَاءِ، يَجِدُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ حَلَاوَةً وَطَلَاوَةً فِي سَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحْدٍ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ" (رواه مسلم).

فَاصْبِـرْ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتَجَـلَّـدِ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ

وَاصْبِرْ كَمَا صَبَـرَ الْكِرَامُ فَإِنَّهَـا

نُوَبٌ تَنُوبُ الْيَوْمَ تُكْشَفُ فِـي غَدِ

مَنْ لَمْ يُصَبْ مِمَّنْ تَرَى بِمُصِيبَةٍ؟

هَذَا سَبِيلٌ لَسْتَ فِيهِ بِأَوْحَدِ

فَإِذَا ذَكَرْتَ مُصِيبَةً وَمُصَـابَهَـا

فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا نَعِيشُ فِي عَصْرِ الْفِتَنِ وَالِاضْطِرَابَاتِ، وَكَثْرَةِ الْمُشْكِلَاتِ، وَالَّتِي تَجْعَلُ الْحَلِيمَ حَيْرَانَ، وَقَدْ تُؤَدِّي بِبَعْضِ النَّاسِ إِلَى الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ؛ لِعَدَمِ تَحَمُّلِهِمْ لِهَذِهِ الْأَحْدَاثِ.

وَالْيَأْسُ وَالْقُنُوطُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلَقَدْ ذَكَرَهُمَا اللهُ -سُبْحَانَهُ- وَتَعَالَى لِيُنَفِّرَ النَّاسَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يُوسُفَ: 87]، وَرَوْحُ اللهِ: رَحْمَتُهُ وَرَجَاءُ الْفَرَجِ عِنْدَهُ. وَقَالَ فِي الْقُنُوطِ‏: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)[الْحِجْرِ: 56].

فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ يَائِسًا قَانِطًا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الدَّوَامِ مُؤَمِّلًا رَاجِيًا رَحْمَةَ اللهِ وَعَفْوَهُ، عَامِلًا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ، مُكَافِحًا وَصَابِرًا عَلَى مَقْدُورِ اللهِ، وَلَا يَشْتَكِي لِأَحَدٍ. وَنَحْنُ -الْيَوْمَ- كَمُسْلِمِينَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ لِلصَّبْرِ لِكَيْ نَعِيشَ سُعَدَاءَ مُطْمَئِنِّينَ فِي عَصْرِنَا هَذَا الْمُزْعِجِ، وَالَّذِي لَا تَسْمَعُ فِيهِ إِلَّا مَا يُحْزِنُ، لَكِنَّ الْقُلُوبَ الْمُطْمَئِنَّةَ بِذِكْرِ اللهِ تَعِيشُ فِي حَالٍ آخَرَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ وَالتَّصَبُّرِ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ سِلَاحُ الشَّدَائِدِ وَالْمِحَنِ، وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ: "مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَارْغَبُوا فِي الصَّبْرِ وَتَعَلَّمُوهُ، وَدَرِّبُوا النَّفْسَ عَلَيْهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُفِّقَ إِلَى هَذَا الْخُلُقِ الْعَظِيمِ، وَالْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَهُ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ" هَذَا هُوَ السَّعِيدُ كَمَا يُعَرِّفُهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الصَّابِرِينَ وَمِنَ السُّعَدَاءِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ الصَّبْرَ لَيْسَ لِلْعَبْدِ عَنْهُ مَفَرٌّ فِي سَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ؛ فَكَسْبُ الرِّزْقِ، وَالتَّعَامُلُ مَعَ النَّاسِ، وَالْكَفُّ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَالتَّعَرُّضُ لِمَكَابِدِ الْحَيَاةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى الصَّبْرِ وَالْمُصَابَرَةِ بَلِ الْجِهَادِ وَالْمُجَاهَدَةِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- عَلَى لِسَانِ لُقْمَانَ: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لُقْمَانَ: 17].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلصَّبْرِ آدَابًا يَحْسُنُ لِلْعَبْدِ اتِّبَاعُهَا وَالتَّقَيُّدُ بِهَا؛ لِيَنَالَ الْجَزَاءَ الْأَعْظَمَ وَالثَّوَابَ الْأَوْفَى، فَالصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى، فَلَا يُظْهِرْ تَسَخُّطًا وَجَزَعًا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ قَدْ يُذْهِبُ عَنْهُ أَجْرَ وَجَزَاءَ الصَّبْرِ عَلَى هَذِهِ الْمُصِيبَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى" (متفق عليه).

وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ يَسْتَرْجِعَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، أَيْ: يَقُولُ حِينَمَا يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[الْبَقَرَةِ: 156]، فَهَذَا تَأَدُّبٌ بِأَدَبِ الْقُرْآنِ.

وَمِنَ الآدَابِ: سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَاللِّسَانِ؛ فَلَا يَنْفَعِلُ كَثِيرًا، وَيَتَصَرَّفُ بِيَدَيْهِ بِأَعْمَالٍ لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهَا؛ كَتَكْسِيرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ كَلَامًا يُحْبِطُ عَمَلَهُ. أَمَّا الْبُكَاءُ الْيَسِيرُ فَجَائِزٌ؛ فَلَقَدْ بَكَى الْحَبِيبُ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ مَوْتِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

وَمِنْ أَهَمِّ الْآدَابِ: احْتِسَابُ الْأَجْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ مَعَ الصَّبْرِ عَلَيْهَا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" (متفق عليه).

فَاتَّقُوا اللهَ -رَحِمَكُمُ اللهُ-، وَاصْبِرُوا وَصَابِرُوا، وَلَا تَجْزَعُوا أَوْ تَيْأَسُوا، وَاحْتَسِبُوا الْأَجْرَ عِنْدَ حُلُولِ الْمُصَابِ؛ حَتَّى تَنَالُوا عِنْدَ اللهِ عَظِيمَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ.

وَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).