الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | عبد الله الواكد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج - فقه النوازل |
المُسْلِمُ الحَقُّ لا يَتَمَنَّى أَنْ يُشَاكَ أَخُوهُ المُسْلِمُ بِشَوْكَةٍ أَوْ أَنْ يُصِيبَهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ فِي بَلَدِهِ وَبَيْتِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَغَرَّبُوا وَسَافَرُوا وُفُودًا عَلَى بَيْتِ اللهِ وَضُيُوفًا عَلَى مَشَاعِرِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ، وَاللهِ لاَ يَتَمَنَّى لَهُمْ الضَّرَرَ والتَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ وَالْهَلَاكَ مُسْلِمٌ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةُ إيمَانٍ. هَؤُلاَءِ إخْوَانُنَا فِي الدِّينِ جَاؤُوا لِتَأْدِيَةِ فَرِيضَةِ الحَجِّ الرُّكْنِ الخَامِسِ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَبَعْضُهُمْ مَكَثَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ فِي بِلَادِهِ يَنتَظِرُ دَوْرَهُ فِي الحَجِّ، وَلَهُمْ عَلَيْنَا حَقُّ الضِّيَافَةِ والرِّعَايَةِ،..
الخُطبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ مُدَبِّرِ الأُمُورِ وَدَافِعِ الشُّرُورِ نُورِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمُتِمِّ النُّورِ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة: 32].
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ! فَأوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيُّهَا الأَحِبَّةُ المُسْلِمُونَ: لَقَدْ انْقَضَتْ أَيَّامُ الحَجِّ المُبَارَكَةِ، وَشَهِدَ حَجُّ هَذَا العَامِ نَجَاحاً بَاهِراً، بِفَضْلِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ثُمَّ بِفَضْلِ مَا يُولِيهِ وُلَاةُ الْأَمْرِ وَرِجَالُ الْأَمْنِ وَالجِهَاتُ المُخْتَصَّةُ وَكَافَّةُ الْقِطَاعَاتِ الأُخْرَى مِنْ جُهُودٍ جَبَّارَةٍ حِفَاظاً عَلَى سَلَامَةِ الحُجَّاجِ وَأَمْنِهِمْ وَتَوْفِيرِ الرِّعَايَةِ الكَامِلَةِ لَهُمْ.
ثُمَّ بِسَبَبِ التَّنْظِيمِ العَظِيمِ وَالتَّسْدِيدِ السَّدِيدِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ القَاصِي وَالدَّانِي، وَفَوَّتَ الفُرْصَةَ عَلَى المُتَرَبِّصِينَ بِالحَجِّ وَالحُجَّاجِ مِنَ المُغَرَّرِ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الجِهَاتِ المُغْرِضَةِ التِي لا تَخْفَى عَلَى كَرِيمِ عُقُولِكُمْ؛ فَحَفِظَ اللهُ وَلَاةَ أَمْرِنَا وَجُنْدَنَا وَالقَائِمِينَ عَلَى الْحَجِّ جَمِيعاً، فَهَذِهِ هَيَ أُمَّةُ الْكَرَمِ وَالسِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ، هَذِهِ هَيَ أُمَّةُ الوَفَاءِ التِي تَتَشَرَّفُ بِخِدْمَةِ ضِيُوفِ الرَّحْمَنِ، لَقَدْ اعْتَنَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ بِإِكْرَامِ ضَيْفِهَا، فَكَيْفَ بِضُيُوفِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
أيها المسلمون: شُعُورُ المُسْلِمِ الْحَقِّ الذِي يُبْطِنُ الْوَلَاءَ لِدِينِهِ وَأُمَّتِهِ وَهُوَ يُتَابِعُ الْحُجَّاجَ فِي مَكَّةَ وَمِنَى وَعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ، وَفِي المَسْعَى وَالمَطَافِ؛ يُتَابِعُ الْحُجَّاجَ وَهُوَ وَاجِفُ الْقَلْبِ؛ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ أَمْرٍ عَارِضٍ يُكَدِّرُ صَفْوَ الحَجِيجِ وَيُفْسِدُ عَلَيْهِمْ رَوْحَانِيَتَهُمْ؛ فَقَدْ بَذَلُوا فِي سَبِيلِ حَجِّهِمْ وَقُدُومِهِمْ لِبَيْتِ اللهِ الغَالِي وَالنَّفِيسَ، وَتَرَكُوُا بِلَادَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَوْطَانَهُمْ، وَقَطَعُوا آلافَ الأَمْيَالِ بَرَّا وَبَحْرًا وَجَوًّا؛ اِسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى الْقَائِلِ: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[الحج: 26- 29].
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: هُنَالِكَ مِنْ أَعْدَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَوْ كَانُوا يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَقَعَ فِي الحَجِّ خَلَلٌ تَزْهَقُ فِيهِ الْأَرْوَاحُ وَتَتْلَفُ فِيهِ الْمُمْتَلَكَاتُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَجِدُوا مَا يُطْفِؤُونَ بِهِ حَرَارَةَ الحِقْدِ وَالبَغْضَاءِ الَّتِي تَعْصِفُ بِقُلُوبِهِمْ (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [التوبة: 56]؛ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ يَتَمَنَّوْنَ أَيَّ مُصِيبَةٍ تَقَعُ فِي الحَجِّ لِيُقْعِدُوا الدُّنْيَا وَيُقِيمُوهَا بِقَنَوَاتِهِمْ وَمَنَابِرِ إِعْلَامِهِمْ سَبًّا وثَلْبًا وَشَجْبًا، وَلَكِنَّ اللهَ –سُبْحَانَهُ- أَيَّدَ هَذِهِ البِلَادَ الطَّاهِرَةَ بِتَمْكِينِهِ وَحَفِظَهَا بِوُلَاةِ أَمْرِهَا وَجُنْدِهَا الأَبْطَالِ وَشَعْبِهَا الكَرِيمِ، وَبِدُعَاءِ المُسْلِمِينَ الحَقِّ مِنْ مُحِبِّيهَا وَمُحِبِّي الإِسْلاَمِ وَأَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَكَانَ التَّوْفِيقُ مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ، وَخَسِرَ هُنَالِكَ المُبْطِلُونَ.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: وُقُوعُ خَطَأٍ وَخَلَلٍ خَارِجٍ عَنْ الإِرَادَةِ أَمْرٌ وَارِدٌ سِيَّمَا فِي تَجَمُّعٍ لِأَكْثَرِ مِنْ مِلْيُونَيِّ حَاجٍّ فِي مَسَاحَةٍ ضَيِّقَةٍ، وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ شَرَعَ اللهُ زَمَانَهُ وَمَكَانَهُ، وَفِي هَؤُلَاءِ الحُجَّاجِ الكَبِيرُ وَالْمَرِيضُ وَالضَّعِيفُ وَالمُسِنُّ، وَالْحَجُّ فِيهِ مِنْ المَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ عَلَى أَمْثَالِ هَؤُلاَءِ؛ فَالحَجُّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فِيهِ، فَفِي صَحِيحِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: "عَلَيْهُنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ؛ الحَجُّ وَالعُمْرَةُ".
وَالنَّبِيُّ -صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا حَجَّ حَجَّةَ الوَدَاعِ وَمَعَهُ مِائَةُ أَلِفِ حَاجٍّ وَقَعَ بَعْضُ الحَوَادِثِ مِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأسَهُ؛ فِإِنَّ اللهَ يَبْعَثَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا".
وَهَدْيُ النَّبِيُّ -صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- هَوَ التَّيْسِيرُ فِي الحَجِّ، وَالحِرْصُ عَلَى أَرْوَاحِ المُسْلِمِينَ؛ فَقَدْ أَذِنَ لِلَّضَعَفَةِ مِنَ النَّاسِ بِالانْصِرَافِ مِنَ المُزْدَلِفَةَ بَعْدَ غِيَابِ القَمَرِ وَفِي البُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَومَ عَرَفَةَ؛ فَسَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ؛ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ"، وَالإِيضَاعُ هُوَ تَجَشُّمُ النَّاسِ وَالإِسْرَاعُ مِنْ خِلَالِ الجُمُوعِ، وَكَانَ يَقُولُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ "اِفْعَلْ وَلَا حَرَجَ".
كُلُّ ذَلِكَ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ، وَحِفَاظًا عَلَى سَلَامَتِهِمْ.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا يُنْكِرُ مَا شَرَّفَ اللهُ بِهِ بِلاَدَنَا -حَفِظَهَا اللهُ- بِكَافَّةِ قِطَاعَاتِهَا الأَمْنِيَّةِ وَالصِّحِّيَةِ وَالخَدَمِيَّةِ مِنْ خِدْمَةٍ لِلمَشَاعِرِ المُقَدَّسَةِ، وَقِيَامٍ عَلَى رَاحَةِ وَسَلَامَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ إلاَّ جَاحِدٌ وَحَاقِدٌ، وَإِلَّا فَالمُسْلِمُ الحَقُّ يَفْرَحُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ خَدَمَاتٍ عِمْلَاقَةٍ تُقَدَّمُ لِضِيوفِ رَبِّ العَالَمِينَ.
هَذِهِ الدَّوْلَةُ المُبَارَكَةُ جَنَّدَتْ آلافًا مُؤَلَّفَةً مِنْ رِجَالِ الأَمْنِ وَالدُّعَاةِ وَالمُرْشِدِينَ وَالأَطِبَّاءِ وَالمُمَرِّضِينَ والعَامِلِينَ يَعْمَلُونَ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ؛ خِدْمَةً لِضُيُوفِ الرَّحْمَنِ وَقِيَامًا بِهَذَا الشَّرَفِ العَظِيمِ الذِي شَرَّفَهُمْ اللهُ بِهِ فَمَا الذِي نُرِيدُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ المُقَدَّسَاتُ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً سُبُلَهَا وَمَشَاعِرَهَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[البقرة: 125- 126].
فَاللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هُوَ مَنْ جَعَلَ البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَأَمَرَ بِتَهْيِئَتِهِ وَتَطْهِيرِهِ؛ فَهَيَّأَ بِسَابِقِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ لِشَرَفِ خِدْمَتِهِ وَتَأْمِينِهِ مَنْ شَاَءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَنَحْمُدُ اللهَ عَلَى هَذَا الشَّرَفَ العَظِيمَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ.
بَارَكَ اللهُ لي ولَكُم في القُرآنِ العَظيمِ، ونَفَعَنِي وإيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَتُوبُوا إِلَيهِ؛ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطبَةُ الثانِيةُ:
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: المُسْلِمُ الحَقُّ لا يَتَمَنَّى أَنْ يُشَاكَ أَخُوهُ المُسْلِمُ بِشَوْكَةٍ أَوْ أَنْ يُصِيبَهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ فِي بَلَدِهِ وَبَيْتِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَغَرَّبُوا وَسَافَرُوا وُفُودًا عَلَى بَيْتِ اللهِ وَضُيُوفًا عَلَى مَشَاعِرِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ، وَاللهِ لاَ يَتَمَنَّى لَهُمْ الضَّرَرَ والتَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ وَالْهَلَاكَ مُسْلِمٌ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةُ إيمَانٍ.
هَؤُلاَءِ إخْوَانُنَا فِي الدِّينِ جَاؤُوا لِتَأْدِيَةِ فَرِيضَةِ الحَجِّ الرُّكْنِ الخَامِسِ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَبَعْضُهُمْ مَكَثَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ فِي بِلَادِهِ يَنتَظِرُ دَوْرَهُ فِي الحَجِّ، وَلَهُمْ عَلَيْنَا حَقُّ الضِّيَافَةِ والرِّعَايَةِ، وَهَذِهِ الدَّوْلَةُ المُبَارَكَةُ بِمُوَظَّفِيهَا وَشَعْبِهَا الوَفِيِّ لَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا يَحُوطُهُمْ بِالرِّعَايَةِ إلا وَفَعَلَتْهُ، فَجَزَى اللهُ كُلَّ مَنْ سَاهَمَ فِي ذَلِكَ خَيرَ الجَزَاءِ، وَحَفِظَ اللهُ حُجَّاجَ بَيْتِهِ الحَرَامِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ سُبُلَ العَودَةِ إلى بِلاَدِهِمْ، وَتَقَبَّلَ اللهُ حَجَّهُمْ وَغَفَرَ ذَنْبَهُمْ، وَحَفِظَ اللهُ بِلاَدَنَا وَأَمْنَنَا وَمُقَدَّسَاتِنَا وَجُنْدَنَا.
وصَلُّوا وسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ أَنْبِيَاءِ اللهِ، مُحَمَّدِ بنِ عبدِاللهِ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلكَ رَبُّكُمْ سُبْحانَهُ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].