البحث

عبارات مقترحة:

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

حل الخلافات الزوجية

العربية

المؤلف أحمد عبدالرحمن الزومان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. اختلاف وجهات النظر طبيعة بشرية .
  2. ابتغاء كمال النساء أمر مخالف للفطرة .
  3. مراعاة اختلاف الطبائع بين الزوج وزوجته .
  4. الحذر من اتخاذ قرارات في وقت الغضب .
  5. الزواج شركة تذوب فيها الخصوصيات .
  6. توجيهات الأهل الخاطئة .
  7. أسباب نجاح النقاش في حل الخلافات الزوجية .

اقتباس

ومن الطبيعي اختلافُ وجهات النظر بين الزوجين في بعض القضايا، كالاختلاف مع سائر الناس في وجهات النظر، فإذا وُفِّق الزوجان لحلِّ خلافاتهما في جوٍّ تسُودُه المودةُ والاحترام المتبادل، استمرَّتِ العلاقةُ بينهما، ورفرفَتِ السعادةُ عليهما وعلى أولادهما، ومع سوء التصرُّف في معالجة هذه الخلافات، تعصف المشاكلُ بالأسرة ..

 

 

 

 

 

 إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أمَّا بعد: فالزواج مودَّة ورحمة بين الزوجين، يركن كلُّ واحد منهما للآخر، ويكمل كلُّ واحد منهما نقْصَ الآخرِ، فعلى كلٍّ من الزوجين مسؤولياتُه الخاصة.

ومن الطبيعي اختلافُ وجهات النظر بين الزوجين في بعض القضايا، كالاختلاف مع سائر الناس في وجهات النظر، فإذا وُفِّق الزوجان لحلِّ خلافاتهما في جوٍّ تسُودُه المودةُ والاحترام المتبادل، استمرَّتِ العلاقةُ بينهما، ورفرفَتِ السعادةُ عليهما وعلى أولادهما، ومع سوء التصرُّف في معالجة هذه الخلافات، تعصف المشاكلُ بالأسرة، حتى ربما آل الأمر إلى الطلاق وتشتُّتِ الشمل، ولو تأمَّل الزوجانِ بدايةَ هذه الخلافات، لوجداها أشياءَ يسيرةً؛ لكنهما لم يُحسِنا التعامل معها، حتى نفخ الشيطان فيها، فاستفحلتْ وتشعَّبتْ، فصعُب علاجُها.

إخوتي: حينما نطلب أن تكون المرأة متكاملةً في خَلقها وأخلاقها، وبيتها ودينها، فنحن نطلب المتعسر، إن لم يكن متعذرًا؛ فالكمال في النساء قليل؛ فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَملَ من الرجال كثيرٌ، ولم يَكمُلْ من النساء إلا آسيةُ امرأة فرعون، ومريمُ بنت عمران"؛ رواه البخاري (3411) ومسلم (2431).

فلنوطنْ أنفسنا على وجود بعض الأشياء في زوجاتنا مما لا نرتضيه؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفْرَكْ -أي: لا يكره- مُؤمنٌ مُؤمنةً، إن كَرِهَ منها خُلُقًا، رضي منها آخرَ". رواه مسلم.

وقد قيل:

وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا

كَفَى المَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهْ

وليس الأمر متعلقًا بالزوجة فقط؛ بل ينبغي أن نتعامل وَفق هذه القاعدة مع كل الناس الذين نتعامل معهم، سواء أكانوا مرؤوسين تحت ولايتنا، أم زملاء في العمل، أم أصحابًا، أم جيرانًا، أم أقارب، فلا بد أن يكون فيهم جوانبُ نقصٍ، فلا نطيل الوقوفَ عند هذه الجوانب، ولنركز على الأشياء الحسنة فيهم، وهي كثيرة، فحينئذٍ نستطيع التعايش معهم من غير مشاكلَ متكررةٍ.

معاشرَ الأزواجِ: التركيزُ على الأشياء السيِّئة في المرأة، ومحاولةُ الزوج أن يصوغ المرأة وَفق نموذج يتخيله، من أسباب النزاع والشقاق، وفي الوقت نفسه لا تتغير المرأة؛ بل تبقى على حالها، وتزداد المشاكل، وتحصل النفرة بين الزوجين؛ فلْيتقبَّلِ الرجلُ زوجتَه على وضعها الذي نشأتْ وشبَّتْ عليه حتى اشتدَّ عودُها؛ فالمرأة نشأتْ في بيت آخر، له ثقافته وتربيته الخاصة، ومشاكله الخاصة، التي أثَّرت فيها، واصطبغت بها، وإذا أصرَّ الرجل على أن تكون المرأة كما يريد هو، أخفق في تجرِبته، وسوف يفقدها فقدًا معنويًّا، فلن يستشعر أنه متزوج بها، أو يتم الطلاق بينهما، بعد أن تزداد المشاكل الزوجية ويصعب تحمُّلُها.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استَوصُوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلقتْ من ضِلَعٍ، وإن أعوجَ شيءٍ في الضلع أعلاهُ، فإن ذهبتَ تُقيمُهُ كسرتَهُ، وإن تركتَهُ لم يزل أعوجَ، فاستوصُوا بالنساء". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: "إن المرأة خُلقتْ من ضلعٍ، لن تستقيم لك على طريقةٍ، فإنِ استمتعتَ بها، استمتعتَ بها وبها عوجٌ، وإن ذهبتَ تُقيمُها كسرتَها، وكسرُها طلاقُها".

فلْيقبَلِ الرجل المرأةَ كما هي عليه، لا كما يريد هو أن تكون عليه، وليكن عندنا مِن سَعة الأفق ما يجعلنا نقبل هذا التباينَ في الناس، بما فيهم الزوجة، إذا كان الأمر لا يحكمه نصٌّ شرعي.

معاشر الأزواج: حين التعامل مع المشاكل الزوجية، ينبغي تفهُّم الظروف التي تحيط بالمرأة؛ فالظروف لها أثر في ردود الفعل، فمثلاً المرأة في حال الحيض، وفي بداية الحمل، تمر بظروف نفسية غير عادية، وهي خارجة عن إرادتها، كذلك ضغط العمل في البيت، وتربية الأولاد ومشاكلهم، ووضعها الصحي، ومشاكل أهلها الأسرية، كلُّ هذه الأشياء وغيرُها لها أثر سلبي في تعامُلِ المرأة مع زوجها ومع غيره، فلْنقدِّرْ مثلَ هذه الظروف، ولنتعاملْ معها على أنها حالة استثنائية، ما تلبث أن تعود المرأةُ إلى حالها السابقة بعد زوال هذه الظروف.

ولنحذر من اتخاذ قرار مؤثِّر في حال الغضب؛ فالغضبان يحكمه في حال غضبِه رغبةُ الانتصار للنفس، وإطفاء نار الغضب والتشفي، فهو بحال لا تُهيِّئه لاتخاذ القرار الصائب، فليؤجل الأمر إلى بعد هدوء النفوس، وزوال الغضب، فكم من شخص طلَّق في حال غضبه وندم، ولاتَ ساعةَ مَنْدَم! لذا كان من حكمة الشارع أنْ نهى القاضيَ أن يقضي وهو غضبان؛ لأنه فاقد أهلية النظر الصحيح.

الزواج شراكة تذوب بسببه كثيرٌ من الخصوصيات بين الزوجين، فيطَّلع كل واحد منهما على أدق تفاصيل وخفايا الآخر التي يسترها عن الناس، ولا يحب البوح بها للمقرَّبين منه؛ لكن ليس معنى هذا عدمَ وجود خصوصية لكل منهما، فهناك أشياء في حياة الرجل لا يحب أن تطلع عليها المرأة، فكذلك المرأة لديها من الخصوصيات المتعلقة بها، أو بوضعها المالي، أو الأسري، أو بعلاقاتها الشخصية بقريباتها وصديقاتها، فحينما يصرُّ الزوج على تَسَوُّر هذا السور، والاطِّلاع على هذه الخصوصيات، يقع النزاع والشقاق.

ولا يلزم كون المرأة لا تحب أن يطَّلع الزوجُ على بعض خصوصياتها، أن يكون الأمر سيئًا، أو يثير الرِّيبة، فكما أن الزوج يحتفظ بخصوصياته، وهي ليست قادحة فيه، فكذلك المرأة.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه والتابعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أما بعد: فبعض الأزواج في بداية زواجهم تشتدُّ المشاكل بينهم؛ بسبب بعض التوجيهات الخاطئة من بعض الأهل والأصدقاء، وربما ظنَّ أحد الزوجين أنه إذا قدَّم تنازلاً، أن هذا يؤثِّر سلبًا عليه مستقبلاً، فلا بد أنه سيكون هو المتنازل في المستقبل، وهذا من الخطأ، فعلى الزوج في هذه المدة أن يؤجِّل بعض الرغبات، وينتظر في تعديل بعض التصرُّفات، حتى تستقر الحياة الزوجية، وتطمئن المرأة للزوج؛ فالاستعجال آفة، ومن المتقرر أن من استعجل شيئًا قبل أوانه، عوقِب بحرمانه.

إخوتي: من الحكمة أن تكون المشاكل التي بين الزوجين داخل حدود بيت الزوجية، ولا يتدخل الأهل فيها؛ ففي كثير من الأحيان تدخُّل الأهل في مشاكل يسيرة يعقِّدها، ويتحزب كل طرف إلى ولده؛ فلذا جاء في القرآن علاجُ نشوز المرأة أولاً داخل البيت، من الأخف إلى الأشد، ثم مع استنفاد الزوج طاقتَه بالعلاج، وبعد استفحال المشاكل بينهما، وتبادُل التُّهم، يُلجَأ لتدخل الأهل في العلاج، وقد يكون العلاج بالتفريق بينهما: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء: 34، 35].

معاشر الأزواج: على الزوج أن يستثمر الخلافات السابقة، ويستفيد منها الدروس، ويأخذ منها العِبَر، فيبتعد عن الأشياء التي تثير المشاكل، وتنكأ الجراحَ السابقة، فبعد كلِّ مشكلة يقف مع نفسه وقفة تأمل: ما الذي أثار المشكلة؟! وما الذي ينبغي أن يعمل؛ حتى لا تتكرر هذه المشكلة؟! وهل أثمر هذا الخلافُ في علاج الخطأ، وقارَبَ بين وجهات النظر، أو الأمر بالعكس: أجَّج المشاعر، وعقَّد الموقف، واتَّسعت الهوة بينهما؟!

معاشر الإخوة: من أعظم أسباب الصفاء بين الزوجين، وزوالِ كثير من الأشياء التي تعكر صفو الحياة الزوجية: النقاشُ المثمر بين الزوجين، فمِن أسباب نجاح النقاش بين الزوجين استغلالُ الوقت المناسب لحلِّ الخلافات الناشبة، فلْيَختَرِ الزوجُ وقتَ هدوء النفوس، وزوال أسباب النزاع؛ فمِن الخطأ فتح باب النقاش في حال الغضب، أو التعب، أو المرض؛ فالنقاش في هذه الأوقات غالبًا لا يساعد على حل المشاكل.

ومن أسباب نجاح النقاش بين الزوجين في حل الخلافات: التركيزُ على قضية واحدة، وعدم اجترار المشاكل السابقة، فحين التركيز على قضية واحدة يتمُّ التوصل غالبًا إلى حل لها، أما إذا أعاد كلُّ واحد من الزوجين ذاكرتَه للوراء، وبدأ يسرد المشاكل السابقة، فلن يخرجا غالبًا بحل؛ بل في الغالب ينتهي النقاش إلى طريق مسدود، ويؤول الأمر إلى اتِّهام كل واحد منهما الآخرَ بالتسبُّب في المشاكل.

ومن أسباب نجاح النقاش في حل الخلافات الزوجية: الاستعدادُ لتقديم تنازلات؛ فالزواج شراكة، وليس بين الزوجين منتصرٌ ومهزوم، فالهزيمة على فرض كونها هزيمة، هي نصر؛ لأثرِها الحسن على البيت والأولاد، فلنكن مستعدِّين أن نقدِّم بعض التنازلات في حال النقاش في مشاكل البيوت، ولنقبل أوساط الحلول أحيانًا.

ومن أسباب النجاح في نقاش الخلافات الزوجية: أن يجعل الزوج نفسَه مكانَ المرأة، وينظر فيما يترتَّب على ما يريده ويمليه عليها من أشياء، وهل الأمر يصعب تنفيذه أو لا؟! ففي الغالب سيكون الزوج أكثرَ واقعية في مَطالِبِه.

ومن أسباب نجاح النقاش في حل الخلافات الزوجية: استشارةُ طرف محايد من أهل الخبرة، وطرح القضية عليه، والاستضاءة برأيه.

عبادَ اللهِ: جِمَاعُ الأمر في منع وقوع الخلافات، وحلِّها بعد وقوعها، مع الزوجة وغيرها ممن نتعامل معهم: الصبرُ، ورباطة الجأش، ومقابلة الإساءة بالإحسان، وهذه مرتبةٌ عزيزة، لا يستطيعها إلا القويُّ الذي مَلَكَ نفسَه وسيطر عليها، فالقوةُ الحقيقية هي السيطرة على النفس مع شدة الغضب؛ فـ"ليس الشديد بالصُّرَعَة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

يرشدنا ربُّنا إلى هذا الأسلوب في التعامل مع القريب والبعيد بقوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34-35].