البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

ليس هذا من الكرم

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. صورةٌ عجيبة من صُوَرِ الكَرمِ .
  2. أسباب الكرم في الجاهلية .
  3. فضائل الكرم في الإسلام .
  4. قصص بعض كرماء العرب والمسلمين .
  5. الفرق بين الكرم والتبذير .
  6. وجوب الحذر من كفران النعم .

اقتباس

ما نراهُ في هذه الأيامِ من مظاهرِ الإسرافِ والبَذخِ والمُباهاةِ التي لا ترضي الربَّ -عزَّ وجلَّ- ولا عبادَه الصَّالحينَ.. هي ليستْ من الكرمِ في شيءٍ.. بل هي مذمَّةٌ وليستْ مَحمدةً.. فيا من أنعمَ اللهُ تعالى عليه.. أكرمْ ضُيوفَكَ بما تعارفَ عليه المسلمونَ.. وبما يُرضي اللهُ –تعالى- عنكَ.. ثُمَّ اصرفْ ما فاضَ على الفقراءِ والمساكينِ.. والأيتامِ والأراملِ والمُحتاجينَ.. شاكراً لنعمةِ ربِّ العالمينَ.. وإياكَ ثُمَّ إياكَ أن تكونَ أنتَ وغيرُك سببَ تبديلِ أمنِنا خوفاً ورِزقِنا جوعاً.. فنحنُ سمعنا من أجدادِنا قِصصَ الجوعِ والخوفِ التي عاشوها في البِلادِ.. ولكن.. لا نريدُ أن نحكيَ لأبنائنا قِصصَ الأمنِ والنِّعمةِ التي عِشناها في هذه البِلادِ.

الخطبة الأولى:

إِنّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. اَللهُمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدّيْنِ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أَمّا بَعْدُ: جاءَ في كِتابِ المُستجادُ مِن فِعلَاتِ الأجوادِ للتَّنوخيِّ: "سألَ رجلٌ حاتمًا الطَّائي فقالَ: يا حاتمُ هل غلبَكَ أحدٌ في الكَرَمِ؟، قالَ: نعم، غلامٌ يَتيمٌ مِن طيئ، نزلتُ بفنائِه وكانَ له عشرةُ أَرؤسٍ مِن الغنمِ، فعمدَ إلى رأسٍ منها فذبحَه، وأصلحَ مِن لحمِه، وقدَّمَ إليَّ، وكانَ فيما قدَّمَ إليَّ الدِّماغُ، فتناولتُ منه فاستطبتُه، فقلتُ: طيِّبٌ واللهِ.

فخرجَ مِن بينِ يَديَّ، وجعلَ يذبحُ رأسًا رأسًا، ويقدِّمُ إليَّ الدِّماغَ وأنا لا أعلمُ، فلمَّا خرجتُ لأرحلَ نظرتُ حولَ بيتِه دمًا عظيمًا، وإذا هو قد ذَبحَ الغنمَ بأسرِه، فقلتُ له: لِمَ فعلتَ ذلك؟، فقالَ: يا سُبحانَ اللهِ! تَستطيبُ شيئًا أملكُه فأبخلُ عليكَ به، إنَّ ذلك لسُبَّةٍ على العربِ قبيحةً.

فقالَ يا حاتمُ: فما الذي عوَّضتَه؟، قال: ثلاثمائةِ نَاقةٍ حمراءَ، وخَمسمائةِ رأسٍ مِن الغنمِ، فقيلَ: أنتَ إذًا أَكْرَمُ منه، فقالَ: بل هو أكرمُ؛ لأنَّه جَادَ بكلِّ ما يملكُه، وإنَّما جُدتُ بقليلٍ مِن كثيرٍ".

ايُّها الأحبَّةُ ..هذه صورةٌ من صُوَرِ الكَرمِ .. الذي تباهى العربُ من أجلِه .. وسُطِّرتُ الأشعارُ في أهلِه.. وضُربَ به الأمثالُ.. وتَمادحَ فيه الرِّجالُ.. وهل سادَ من سادَ.. وملكَ البلادَ والعبادَ.. إلا بالكرمِ والشَّجاعةِ.

لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ

الجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتّالُ

في الجاهليةِ، كانَ الكرمُ للشُّهرةِ والذِّكرِ.. والمدحِ والفخرِ.. كما قالَ الغلامُ لحاتمِ الطَّائي في سببِ كرمِه: "إنَّ ذلك لسُبَّةٍ على العربِ قبيحةً"، فهو يريدُ أن يدفعَ عن نفسِه مَذَمَّةِ العربِ، ولذلكَ وقعَ في كرمِهم الخللُ والإسرافُ والعطَبُ.

وأما في الإسلامِ فقد قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ".. فجاءَ الكرمُ عبادةً للهِ –تعالى- جليلةً.. فيه الأجرُ والإيمانُ والبِّرُ والفضيلةُ.. إذا خلا من الرِّياءِ والمُباهاةِ والإسرافِ.. واحتسبَ الأجرَ في إكرامِ الأضيافِ.. ولكنَّ العجبَ كلُّ العجبِ.. عندما يكونُ هذا الخُلُقُ الكريمُ.. لا يُرادُ به وجهُ اللهِ العظيمِ.

يا أهلَ الإيمانِ..

إن اللهَ –سُبحانَه- كريمٌ يُحبُّ الكُرماءَ.. ويُعوِّضُهم في الدُّنيا قبلَ الآخرةِ من واسعِ العَطاءِ.. يقولُ ابنُ القَّيمُ -رحمَه اللهُ-: "ومَن وَافَقَ اللهَ في صِفَةٍ مِن صِفاتِه، قَادتْهُ تلكَ الصِّفَةُ إليه بِزِمَامِه، وأدْخَلَتْهُ على رَبِّـه، وأدْنتْهُ مِنهُ وقَرَّبَتْهُ مِن رَحمتِه، وصَـيَّرَته مَحْبَوبًا له، فإنه سُبحانَه رَحيمٌ يُحِبُّ الرُّحَماءَ، كَريمٌ يُحِبّ الكُرَماءَ".

ولذلك كانَ أكثرُ النَّاسِ كَرَماً هم أكثرُهم إيماناً.. يقولُ أنسٌ -رضيَ اللهُ عنه-: "أَنَّ رَجُلاً سَأَل النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- غَنَمًا بَيْنَ جَبَليْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ؛ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَسْلمُوا، فَوَ اللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا ليُعْطِيَ عَطَاءً مَا يَخَافُ الفَقْرَ؛ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُل ليُسْلمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلاَمُ أَحَبَّ إِليْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَليْهَا"..

فعطاؤه -عليه الصَّلاةٌ والسَّلامُ- للهِ –تعالى- وترغيباً في دينِه وتأليفاً لقلوبِ النَّاسِ إليه.. أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم- صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً، قَالَ صَفْوَانُ: "وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ". وهذه نتيجةُ الكرمِ إذا كانَ خالصاً لوجهِ اللهِ تعالى.

تعوَّدَ بَسْطَ الكفِّ حتَّى لو أنـَّهُ

ثناها لِقَبْضٍ لم تجِبْه أَناملُهْ

تـراه إذا مـا جـئتَه مُتـهلِّلاً

كأنَّك تُعطيه الذي أنت سَائلُهْ

ولو لم يكن في كفِّه غير رُوحهِ

لجَادَ بها فليتقِ اللهَ سَائلُهْ

هُو البَحْرُ من أيِّ النًّواحي أتيته

فلُجَّتُهُ المعروفُ والجُودُ ساحِلُهْ

واسمعوا إلى خليلِ اللهِ تعالى الكريمِ.. صلى اللهُ تعالى على إبراهيمَ.. يقصُّ اللهُ –سبحانَه- علينا كرمِه في القُرآنِ.. عندما جاءَه ملائكةُ الرَّحمنِ.. فقالَ تعالى مادحاً لأبي الضِّيفانِ: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [الذاريات: 24].. فوصفَهم اللهُ -عزَّ وجلَّ- بأنهم (مُكْرَمِينَ).. شهادةً لإبراهيمَ أنه أكرمَهم أشدَّ الكرمِ.. (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا) [الذاريات: 25]، فبابُه مفتوحٌ للضُّيوفِ فما يحتاجونَ إلى استئذانٍ..

(فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) [الذاريات: 26]، ذهبَ بنفسِه سَريعًا في خُفيةٍ، فأتاهم بعجلٍ مشويٍ كاملٍ، من خيارِ مالِه ليختاروا من لحمِه ما يشتهونَ.. (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) [الذاريات: 27]، أدناهُ منهم ووضعَه بين أيديهم، وتلطَّفَ لهم بالعِبارةِ (أَلَا تَأْكُلُونَ).. فجمعَ بينَ حُسنِ اللِّقاءِ.. وكرمِ العطاءِ.. فأثنى عليه من في السَّماءِ.

وقد يقولُ قائلٌ: أليسَ عجلٌ كاملٌ لضُيوفٍ قليلٍ يُعتبرُ كثيراً؟.. فيُقالُ: بل جرتْ عادةُ النَّاسِ قديماً وحديثاً على إكرامِ الضُّيوفِ بذبحِ الأنعامِ إكراماً لهم.. إبلاً كانتْ أو بَقَراً أو غنماً.. فهو لم يذبحْ لكلِّ واحدٍ منهم عِجلاً.. ولن يُرمَى باقيه في القُمامةِ.. بل يُوزعُ على الفُقراءِ والمساكينَ.. فيجمعُ صاحبُه بينَ الإكرامِ والصَّدقةِ.. وليسَ هذا من الإسرافِ لا شَرعاً ولا عُرفاً.. بل هو الكرمُ الممدوحُ صاحبُه والمذمومُ تاركُه.

عبادَ اللهِ..

الكربمُ الحقُّ هو الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى.. وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى.. إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى.. فهو لا ينظرُ لردِّ جميلٍ.. أو مقابلةِ إحسانٍ.. أو لكلمةِ شُكرٍ.. كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ -رضيَ اللهُ عنهمَا- مِنَ الْأَجْوَادِ الْمَعْرُوفِينَ، حَتَّى إِنَّهُ مَرِضَ مَرَّةً، فَاسْتَبْطَأَ إِخْوَانَهُ فِي الْعِيَادَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُمْ؟، فَقَالُوا: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ مِمَّا لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّيْنِ، فَقَالَ: أَخْزَى اللَّهُ مَالًا يَمْنَعُ الْإِخْوَانَ مِنَ الزِّيَارَةِ، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ كَانَ لِقَيْسٍ عَلَيْهِ مَالٌ فَهُوَ مِنْهُ فِي حِلٍّ، فَمَا أَمْسَى حَتَّى كُسِرَتْ عَتَبَةُ بَابِهِ، لِكَثْرَةِ مَنْ عَادَهُ.

الكريمُ هو من يُنفقُ لا ليجمعَ حولَه النَّاسَ.. ولا ليتفاخرَ الشَّعراءُ بكرمِه.. ولا يغضبُ عندما يتنكَّرُ الإخوانُ له.. لأنه ما أعطى إلا للهِ –تعالى-.. وشعارُه: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا) [الإنسان: 9].. قَالَتْ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ لِزَوْجِهَا طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ، وَكَانَ أَجْوَدَ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ: "مَا رَأَيْت قَوْمًا أَلْأَمَ مِنْ إخْوَانِك، قَالَ مَهْ، وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: أَرَاهُمْ إذَا أَيْسَرْت لَزِمُوك، وَإِذَا أَعْسَرْت تَرَكُوك.. فَقَالَ-الرَّجلُ الذي لا يُريد ما عندَ النَّاسِ-: هَذَا وَاَللَّهِ مِنْ كَرَمِهِمْ، يَأْتُونَنَا فِي حَالِ الْقُوَّةِ بِنَا عَلَيْهِمْ، وَيَتْرُكُونَنَا فِي حَالِ الضَّعْفِ بِنَا عَنْهُمْ".

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعَنا بما فيه من البيانِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه وأشكرُه على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلمَ تسليماً كثيراً.

أما بعدُ: فيخرجُ إلينا من وقتِ إلى وقتٍ من يُباهي بصرفِ الأموالِ الطَّائلةِ للرِّياءِ والسُّمعةِ والفخرِ.. وليست للهِ ولا باللهِ ولا في اللهِ.. بل هو القائلُ سبحانَه: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُواإِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31]، فما ظَنُّكم بشعورِ إخوانٍ لنا يموتُونَ من الجوعِ والحِصارِ، وإحساسِ آلافٍ من المسلمينَ دونَ مأوى ولا دارٍ، وماذا يقولُ الملايينُ الذينَ لا يجدونَ قيمةَ الإيجارِ.

ما نراهُ يا عبادَ اللهِ في هذه الأيامِ من مظاهرِ الإسرافِ والبَذخِ والمُباهاةِ التي لا ترضي الربَّ -عزَّ وجلَّ- ولا عبادَه الصَّالحينَ.. هي ليستْ من الكرمِ في شيءٍ.. بل هي مذمَّةٌ وليستْ مَحمدةً.. وهي نقيصةٌ وليستْ مكرمةً.. وهي أذانٌ بهلاكِ البلادِ إذا لم يُؤخذْ على أيدي هؤلاءِ المُترفينَ السُّفهاءِ.. قالَ تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16]. فالإنكارُ واجبٌ على الجميعِ حتى لا يحلُّ بنا الدَّمارُ.

فيا من أنعمَ اللهُ تعالى عليه.. أكرمْ ضُيوفَكَ بما تعارفَ عليه المسلمونَ.. وبما يُرضي اللهُ –تعالى- عنكَ.. ثُمَّ اصرفْ ما فاضَ على الفقراءِ والمساكينِ.. والأيتامِ والأراملِ والمُحتاجينَ.. شاكراً لنعمةِ ربِّ العالمينَ.. وإياكَ ثُمَّ إياكَ أن تكونَ أنتَ وغيرُك سببَ تبديلِ أمنِنا خوفاً ورِزقِنا جوعاً.. كما أخبرَ سُبحانَه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].

فنحنُ سمعنا من أجدادِنا قِصصَ الجوعِ والخوفِ التي عاشوها في البِلادِ.. ولكن.. لا نريدُ أن نحكيَ لأبنائنا قِصصَ الأمنِ والنِّعمةِ التي عِشناها في هذه البِلادِ.

اللهمَّ ارزقنا شُكرَ نعمائِك، وزِدنا من فضلِك وكرمِك وإحسانِك، وارزقنا الفوزَ برضوانِك، واعتقنا بفضلِك من نيرانِك، واحشرنا يومَ القيامةِ مع أنبيائِك وأوليائِك وأصفيائِك، برحمتِك يا أرحمِ الرَّاحمينَ..