العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
كلمةٌ تُهدمُ بها أُسرٌ وبيوت؛ تنقلها من سعادةٍ وهناءٍ، إلى محنةٍ وشقاء!! قد تكون حلّاً لكنها بغيضة.. كلمةٌ أبكت عيوناً، وأجهشت قلوباً، وروعت أفئدةً، صغيرةُ الحجم، جليلةُ الخطبِ، إنها الطلاق، وما أدراك ما الطلاق؟! يوم تسمعُ المرأَةُ طلاقهَا، فَتُكفكِفُ دمُوعهَا، وتُودِّع زوجها! تقفُ على بابِ دارها، لتُلقي، نظراتِ الوداعِ على بيت الزوجيةِ، المليءِ بالذكرياتِ وتَبكي على فِراقِ أَولادِهَا فهل فكّر الرجل قبل قولها والمرأة حين تطلبها..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ ذكراً وأنثى، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْا مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلّى اللهِ وسَلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وَصَحْبِهِ، وسلم تسليماً..
أما بعد فاتقوا الله.. عباد الله ..
كلمةٌ تُهدمُ بها أُسرٌ وبيوت؛ تنقلها من سعادةٍ وهناءٍ، إلى محنةٍ وشقاء!! قد تكون حلّاً لكنها بغيضة.. كلمةٌ أبكت عيوناً، وأجهشت قلوباً، وروعت أفئدةً، صغيرةُ الحجم، جليلةُ الخطبِ، إنها الطلاق، وما أدراك ما الطلاق؟! يوم تسمعُ المرأَةُ طلاقهَا، فَتُكفكِفُ دمُوعهَا، وتُودِّع زوجها! تقفُ على بابِ دارها، لتُلقي، نظراتِ الوداعِ على بيت الزوجيةِ، المليءِ بالذكرياتِ وتَبكي على فِراقِ أَولادِهَا فهل فكّر الرجل قبل قولها والمرأة حين تطلبها..
الطلاقُ إخوتي قل الحديث عنه رغم النسب الهائلة لكثرة وقوعه في بلادنا ومجتمعنا التي وصلت حسب آخر الإحصائيات إلى 30% تزداد في بعض المناطق وتنقص أي كل ثلاثة زواجات منها حالة طلاق مما يدل على عظم هذه المصيبة وكثرة المشكلات التي تقع للأولاد والزوجات بعد الطلاق من ضياع أسري وإهمال تربوي أقضّ مضاجع المصلحين.. لضعف الخبرة للحياة الزوجية وغيرها..
عباد الله العِشرةُ الزوجية محبةٌ في النفس، يسكن به الزوجان، فيكون كل منهما مُكملاً للآخر، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) [النحل: 72].
اختلال العشرة بين الزوجين، يذكي نار الفرقة، وذلك سببٌ لسعادة المجتمع فالخير للأهل خيرٌ للناس، قال -صلى الله عليه وسلم-.. "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".. وقال "خير متاع الدنيا المرأة الصالحة واظفر بذات الدين ترتب يداك".
الدين للزوجين والأسرة خير كله، فمهما اختلفا وتدابرا، فالتمسك به حلٌ للمشكلات ومريح للنفسيات ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فهو اليسر، والرحمة والمغفرة، وهو العهد والوفاء، فالمرأة مأمورة بسماع رأي زوجها وطاعته! وثمرةُ الدين في المرأة تظهر في قول عائشة -رضي الله عنها-.. "يا معشر النساء لو تعلمن بحق أزواجكم عليكن، لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بحرِّ وجهها".
أما الرجل فهو بدينه وعقله وحكمته يحسن إلى زوجته ويرعاها.. وإذا قدّر الله الطلاق كعلاج فلأجل أن يتفرقا بالمعروف والإحسان، (يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً) [النساء: 130].
عباد الله.. الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، ففرقُ الطباع وارد والعشرة بالمعروف (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة: 228].
الصبر واجب بين الزوجين على طباع بعضهما وتغير الزمن وطول العشرة.. فالحياة الزوجية ليست صافيةً على الدوام، قد يتعكّر الجو، وإن حصول الراحة الكاملة نوع وهم، ومن العقل توطين النفس على قبول النقص وبعض المضايقات، (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19].
قال -صلى الله عليه وسلم-.. "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر" (رواه مسلم)، ومن يتتبع شريك حياته بحثاً عن العثرات يجدها ولن يسلم له صاحب.
وإذا تأمّلنا بيوتَنا في السابق نجد آباء وأجداداً كانوا يحافظون على الزواج على ما فيه من قلةٍ في العيش وضعف المعيشة، أما اليوم ومع الترف والنعمة وضعف التدين والصبر فتُوجد الأزمات من أهون الأمور، فقد تطلق المرأة اليوم بسبب عشاءٍ لم يُعدَّ، وقد تُعلّق وتترك بسبب خلافٍ يسيرٍ وتصرّف أحمق وبعض الأزواج يستخدم الطلاق كتهديد لتنفذ الزوجة المسكينة رغباته ولو كانت مُحرّمة..
وبعض النساء عزّاماتٌ على طلب الطلاق وندّاماتٌ بعده لأنها ما عرفت مصلحتها! أو تجد رجلاً مستهتراً يستخدم الطلاق أو عليّ الحرام حلفاً لأجل دعوة عشاءٍ أو لمنع الزوجة من عمل شيءٍ أو خروجٍ! هؤلاء جميعا لم يقدّروا رباط الزوجيّة المقدَّس!
عباد الله.. لقد كثر الطلاق اليوم، لما فُقدت قوامةُ الرجل في بعض المجتمعات، وأصبحت المرأة هي السيدة المطاعة، وركن فئام من الناس إلى ما يشاهدونه في قنوات قلبت مفاهيم العشرة، وأفسدت الحياة الزوجية، من حيث لا يشعرون، فأصبحت تصوغ الأسرة وتساهم في تفريقها!!
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجًا يغفر الزلة ويستر العورة، وزوجًا يخاف من الله ويتقيه ويرعى حدوده ويحفظ العهود والذكريات الجميلة..
كثر الطلاق حينما فقدت الزوجات اهتمامَهن بالبيت ورعاية الزوج والولد وأنه أهمّ من الشراء والمظاهر.. فالمرأة تخرج متى شاءت وتدخل متى أرادت للأسواق والحفلات والمناسبات مُضيّعةً بيتَها..
كثر الطلاق اليوم من زوجٍ لا يرعى الذمم وقلت الأخلاق والشيم يأخذ زوجته من بيت أبيها عزيزةً كريمة فيضربها ويأخذ أموالها ويُهدّدها ثم يردّها لبيت أهلها حزينة باكية مطلقة ذليلة..
كثر الطلاق اليوم حينما استخفَّ بعض الأزواج بالحقوق والواجبات وضعفت ثقافة المعاملة فيما بينهم وضيّعوا الأمانات سهر واستراحات إلى ساعات متأخرة وإهمال للبيوت والأولاد فتحدث فجوةٌ عظيمة داخل الأسرة تكون سبباً للمشكلات..
كثر الطلاق اليوم وبحسب الإحصاءات لما كثرت المسكرات والمخدرات فذهبت العقول وساءت التصرفات..
كثر الطلاق لما كثرت النعم وبطر الناس الفضل من الله وأصبح بعض الأغنياء لا يبالي أن يتزوج اليوم ويُطلَّقَ غداً ..
كثر الطلاق اليوم لما تغيّرت مفاهيم الناس عن الحياة الزوجية بأن يكون الأبُ راعياً حنوناً والأمُّ قائمةٌ بواجباتها والأولاد بارّون بآبائهم وبعدم تدخل الأقارب في الإفساد بينهم.. !!
الحياة الزوجية عباد الله ليست مظاهر ولا مادّة ولا حفلاتٌ متكلّفة.. هي حياةُ قوامةٍ للرجل وحنانٌ من الزوجة والأم وتحمّلُ الأسرة لمصاعب الحياة! وقوامةُ الرجل في بيته لا تعني الاستبداد والقهر، وليست إضاعةُ حقوقِ المرأة وإهانتها أو عقدُ استرقاق، وصلة جسد وغياب روح ومحبّة!! هي أزكى من ذلك وأجل (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228]، قوامة الرجل، لا تعني استغناءه عن زوجته بل، (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [البقرة: 187]، واللباس ألصق شيء بالجسم!!
عباد الله، لقد كثر الطلاق اليوم، بسبب سوء خلق الرجل في بيته وإساءة قوامته وعدم فهمه للحياة الزوجية أو بسبب نساءٍ لا يعرفن مصلحتهن..
كثر الطلاق اليوم لما كثر الحسدة والواشون الذين ينقلون الكلام للإفساد بين الناس، ويتدخلون فيما بين الزوجين لاسيما من الآباء والأمهات يريدون الإصلاح ولوا ابتعدوا ربما كان أفضل إذا كان تدخلهم سيُفاقم المشكلة وهناك آخرون يتدخلون بزعم الإصلاح وهم يفسدون ألم يعلموا أنه من أفسد زوجة على زوجها أو العكس لعنه الله كما في الحديث.
وإذا لم يكن العلاج للإصلاح وبعقلٍ راجح وعادل فلن ينجح.. وُجد من أشباه الرجال من يظلم بتعليق الزوجة وأهلها بعدم إنهاء طلاقها كي لا تتزوج بعده أو لخلاف بينهما بقصد إيذاء الزوجة فيكون عليه إثم عظيم..
عباد الله.. العلاقاتُ الزوجية، عميقةُ الجذور، بعيدة الآماد، فرحم الله رجلا محمود السيرة، طيب السريرة، سهلاً رفيقًا، لينًا رؤوفًا، رحيمًا بأهله، ولا يكلفهم، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطًا، ولا تُحدث عنده لغطا، قال -صلى الله عليه وسلم-.. "إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشرها" (رواه أبو داود).
وقال -صلى الله عليه وسلم-.. "إذا صلّت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" (رواه ابن حبان).
وبهذا كله يفهم الرجل أن من نعم الله عليه، الزوجة اللطيفة العشرة، القويمة الخلق، تسرّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره، ليست كاملة لكنها بحسن عشرتها وخلقها دعامةُ البيتِ السعيد.
والزوج يقابلها بمثل هذه المعاملة، والحياة صعبة وتحتاج لصبرٍ بين الزوجين وأن يلتمس كل منهما لقرينه المعاذير بغضِّ الطرف عن الهفوات والزلات، لتستقيمَ العشرة بين الزوجين ويكونان سنداً لبعضهما على مصاعب الحياة يأتي -صلى الله عليه وسلم- إلى خديجة فزعاً مما رأى بغار حراء في أول الوحي فتثبته وتقول.. "كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق".
بمثل هذا فلتكن العشرة أيها الأزواج، هكذا الحياة الهانئة السعيدة، في النفس والولد والمال فيا من يريد الطلاق صبرٌ جميل وإذا أردت الطلاق تريث فيما أنت قادم عليه واستشر وراجع الحكماء وأهل الرأي واسألهم عما أنت فيه وخذ منهم كلمة تثبتك, ونصيحة تقويك, وإذا أردت الطلاق فاستخر الله وأنزل حوائجك واعلم أن المرأة إنما خُلقت من ضلع أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن أردت أن تعدله كسرته، وكسره طلاقها، ولكن رفقًا بالقوارير.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن لكلا الزوجين حقًّا على الآخر؛ فحقّ على الزوج أن ينفق عليها، ولا يكلّفها من الأمر ما لا تطيق، وأن يسكنها في بيت يصلح لمثلها، وأن يعلّمها، ويؤدبها، ويغار عليها، ويصونها، وألا يتخوّنها، أو يشك بها بلا داعٍ يُذكر ولا يلتمس عثراتها، وأن يعاشرها بالمعروف، قال -صلى الله عليه وسلم-.. "استوصوا بالنساء خيرا" (متفق عليه).
وسئل -صلى الله عليه وسلم-.. ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال.. "تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تُقَبِّح، ولا تهجر إلا في البيت" (رواه أبو داود).
ومن حق الزوج على زوجته، أن تطيعه في المعروف، وأن تتابعه في مسكنه، وألا تصوم تطوعا إلا بإذنه، وألا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه، وألا تخرج بغير إذنه، وأن تشكر له نعمته عليها ولا تكفرها، وأن تدبرَ منزله وتهيئَ أسباب المعيشة به، وأن تحفظه في دينه وعرضه. قال -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة" (رواه الترمذي والحاكم).
أما الطلاق فهو علاج نعم علاج بغيض إذا امتنعت كل الحلول لكنه ليس انتقاماً!!
نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويسعدنا في دنيانا وأخرانا، وأن يكتب في بيوت المسلمين التوفيق والهناء ويجنبها البؤس والشقاء .. أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده |
هناك جهاتٌ خيرية تضع المتخصصين لحلِّ مشكلات الأسرة وما تتعرض له من مشاكل ليست صعبةً على الحل فيها عددٌ من المشايخ والمختصين نذروا أوقاتهم للمساعدة و الاستشارة فواجبٌ على كل من تعرّض لمشكلة أسرية من زوجة وولده ووالده للاستشارة قبل اتخاذ قرار يهدم الأسرة ويفككها وكذلك حضور الشباب للدورات التي تسبق الزواج..
ودور قضاة المحاكم ورجال الشرطة وغيرهم فيما يأتيهم من مشكلات الاستعانة بهذه الجهات المختصة للإصلاح والإرشاد الأسري لأنها عون لهم وهي بحمد الله متوفرة في بلدنا وحققت نجاحاً في حل المشكلات الأسرية فواجب دعمها وتقويمها جزاهم الله كل خير.
والله نسأل أن يجمع شمل الأزواج والأسر ويجنبهم فتن الشقاق والطلاق، وأن يبارك في الجهود..
اللهم أعز الإسلام..