البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

من الذي يناديك كل يوم؟

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. نداءات الخير في يومك وليلتك والحكمة منها .
  2. بيان تلك النداءات (نداء يدعوك للقيام للصلاة - نداء القيام لمناجاة الله - نداء أعضاء الإنسان للسان - نداء التحذير من الاغترار بالدنيا - نداء إلى استغلال الوقت والعمر في مرضات الله – نداء يدعوك إلى الصدقة - نداء يذكرك بمصيرك وهو القبر - نداء لختم يومك بذكر الله تعالى. .

اقتباس

لقد كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول كلما أمسى: "جاء الليل وذهب النهار وعرض آل فرعون على النار، وإذا أصبح قال ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار.."

الخطبة الأولى:

هناك أشياء من مخلوقات الله -تعالى- كلفها الله -عز وجل- أن تناديك وتدعوك إلى الخير كل يوم، ولكنها فوق مستوى سمعك فلا تقوى على سماعها أنت ولا أحد من الثقلين.

ولعل سائلا يقول: ما الحكمة أن تنادي هذه الأشياء وتخص بخطابها ابن آدم وهي تعلم أن صوتها لا يبلغ مستوى سمعه؟

أقول لعل الحكمة في ذلك ليعلم الله من يؤمن بالغيب؛ فطالما أخبرنا الشارع الحكيم بندائها فلا يلزم من سماعها، وإنما يكفي الإيمان بذلك.

أما النداء الأول فهو يدعونا إلى الصلاة: فقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ لِلَّهِ مَلِكًا يُنَادِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَأَطْفِئُوهَا"(رواه الطبراني حسن لغيره 358).

ولعظم أمر الصلاة عند الله -عز وجل- شرع لها الأذان ليسمع هذا النداء كل إنسان؛ ومع ذلك فإن كثيرا من الناس يتقاعسون عن الاستجابة لهذا النداء وهو يقول لهم خمس مرات في اليوم حي على الصلاة حي على الفلاح فيأبون السجود لله -عز وجل-، وما علموا أنه سيكون هناك نداء مشابه يوم القيامة حيث قال تعالى: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)[القلم: 43]؛ فمن لم يسجد لله ويخضع له في الدنيا فلن يقوى على السجود في الآخرة.

أما النداء الثاني فهو يدعوك لمناجاة الله -عز وجل- وسؤاله في آخر الليل: حيث روى عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تُفْتَحُ أبْوابُ السَّماءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنادِي مُنادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إلاَّ اسْتَجابَ الله -تعالى- لَهُ إِلَّا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِها أو عشارا"(رواه الطبراني).

‌ومعنى عشارا؛ أي الذي يأخذ ضرائب على التجار عند مرورهم.

وروى أبو سعيد وأبو هريرة معا -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ"(رواه الإمام أحمد ومسلم). ‌

فإنها لفرصة عظيمة أن نستجيب لهذا النداء طالما أن معظمنا في الإجازة يسهر طوال الليل مع أولاده ولا ينام إلا في الصباح.

أما النداء الثالث: فهو مناشدة أعضاء الجسم للسان أن يقول خيرا، فقد روى أ بو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا"(رواه الترمذي وابن خزيمة).

‌إن أعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، وإن أكثر خطايا بني آدم في لسانه، وهل يَكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟

فمن أرخى العنان للسانه سلك به الشيطان كل ميدان وأوقعه في آفات اللسان وهي كثيرة معلومة، ومن حفظ لسانه سائر يومه وألجمه بلجام الشرع فقد أمضى يومه في مرضاة ربه.

أما النداء الرابع: فيدعوك -أخي المسلم- إلى عدم الركون إلى الدنيا وشهواتها فتنسيك الآخرة حيث روى أبو الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلَا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا مَالًا تَلَفًا"(رواه الإمام أحمد).

فهل نعي قول الله -تعالى- لنا: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 67].

وقوله عز وجل: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ)[الرعد: 26].

إن غفلة كثير من الناس عن الآخرة جعلتهم لا يفكرون إلا في متاع الدنيا فألهتهم بمتاعها وزخرفها عما وجب عليهم وجمعوا الحلال والحرام متغافلين عن حساب عسير وكرب ستشيب لها الولدان وعقبة كؤود لا يجوزها إلا المخفون.

أيها الأخ الكريم: وهناك نداء خامس: يدعوك إلى استغلال يومك ووقتك في مرضات الله -عز وجل-؛ فقد روي عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادي فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل عليك غدا شهيد، فاعمل فيَّ خيرا أشهد لك به غدا، فإني لو مضيت لم ترني أبدا، قال: ويقول الليل مثل ذلك"(رواه أبو نعيم في الحلية وفيه ضعف (2/303).

وهناك نداء سادس: يدعوك إلى الصدقة؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(رواه البخاري ومسلم).

ولقد وعد الله -عز وجل- لمن فعل ذلك بالأجر العظيم حيث قال: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[البقرة: 245].

وهناك نداء سابع يدعوك كل يوم لتتذكر الموت والقبر بأنه مصير كل مخلوق؛ فقد روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  مصلاه فرأى ناسا كأنهم يكتشرون (أي يضحكون) قال أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا من ذكر هاذم اللذات: الموت، فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه، فيقول أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا، أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك قال فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك، قال: فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض"(رواه الترمذي (ضعفه الألباني).

أما النداء الثامن والأخير: فهو يدعوك لتختم يومك بذكر الله -عز وجل- حيث روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل إذا أوى إلى فراشه، ابتدره ملك وشيطان، فقال الملك: اللهم اختم بخير، فقال الشيطان اختم بشر. فإن ذكر الله -تعالى- ثم نام بات الملك يكلؤه"(رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان وابن السني والنسائي وأبو يعلى (ضعفه الألباني).

أيها الأخوة في الله: إنها نداءات يستحق كل واحد منها وقفة بل خطبة ولكن خشية الإطالة اكتفيت بذكرها؛ فإن في ذلك لذكرى لأولي الألباب.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الهدى والحكمة؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله علام الغيوب، المطلع على سرائر القلوب، المتجاوز عن كبائر الذنوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وصحابته الغر الميامين وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أننا في هذه الحياة لم نخلق عبثا ولن نترك سدى، وإنما أوجدنا الله -عز وجل- لطاعته وأداء شكره، وقد كلف الله -عز وجل- من مخلوقاته من يحثنا كل يوم وينادينا إلى فعل الخير؛ فعلينا أن نستشعر هذه النداءات كل يوم كأننا نسمعها؛ فإن لم نكن نسمعها بآذاننا فإننا نؤمن بها ونحسها بقلوبنا وهذه هي أول صفات المؤمن في سورة البقرة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)[البقرة: 3].

لقد كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول كلما أمسى: "جاء الليل وذهب النهار وعرض آل فرعون على النار، وإذا أصبح قال ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار مستشعرا قول الله -عز وجل- في فرعون (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[غافر: 46].

فهو يؤمن بأن آل فرعون يعذبون في قبورهم فيعرضون على النار كل صباح وكل مساء.

فنحن نستشعر هذه النداءات التي أخبر عنها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- كأننا نسمعها وهي تدعونا إلى مختلف الأعمال الصالحة؛ فهي تدعونا إلى الصلاة في وقتها، والى قيام شيء من الليل، وتدعونا إلى أن نقول خيرا أو نصمت، والى عدم الركون إلى الدنيا، وإلى استغلال يومنا ووقتنا في مرضات الله -عز وجل-، والى تقديم أي صدقة لله -عز وجل-، والى تذكر الموت والقبر، والى ختام يومنا بآداب النوم وذكر الله -عز وجل-؛ فمن فعل ذلك كان ممن عُمِّرَ في طاعة الله -عز وجل- وكان ظاهر الأرض خير له من باطنها وممن أمضى يومه في مرضاة الله.

أسأل الله -تعالى- أن يوقظنا من غفلتنا ويبصرنا بعيوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا أنت. اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا. اللهم اختم بالصالحات أعمالنا ويسر حسابنا وارفع في الجنان درجاتنا. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا ومن شر ما لم نعمل. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين. اللهم يا معز من أطاعك ويا مذل من عصاك أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك وُيذل فيه أهل معصيتك وُيأمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر. اللهم نسألك برحمتك أن تصلح أحوال المسلمين في  كل مكان، اللهم ارفع الضر عن المتضررين، والبأس عن البائسين، والاضطهاد عن المضطهدين. اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في كل مكان. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.