المهيمن
كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
ولهذا مَنْ كان قادِمًا من بلد منتشِر فيه المرضُ فالواجبُ عليه أن يطبِّق الحجرَ الصحيَّ لمدة أربعة عشر يومًا، حتى ولو كان لا يشعر بأعراض المرض، فلربما تتأخَّر في الظهور، ولربما يكون ناقِلًا لها ولا تضره، فيَنقل المرضَ لأهله ومن حوله؛ فيأثم بذلك...
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: إن الله -سبحانه- رحيمٌ بعبادِه، يُقدِّر لهم الخيرَ، ويلطُف بهم كما قال عن نفسه -سبحانه-: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ)[الشُّورَى: 19]، ولربما قدَّر اللهُ على العبد شيئًا من المكاره التي يكون ظاهِرُها العنتَ والتعبَ للعبد، وباطِنُها الرحمةَ والخيرَ، فالله -سبحانه- يربِّي خلقَه على ما ينفعهم، فلا يفتح لهم الخيراتِ باستمرار فيبطروا، ولا يكتنفهم بالبلاء والعذاب فيهلكوا.
عباد الله: نسمع بما حلَّ بنا وبمَن حولَنا من انتشار مرض "كورونا"، ونرى ما قامت به الدولةُ مشكورةً ممثَّلةً في وزارة الصحة من الاحترازات الطبية، التي تتوافَق مع شَرْع الله، ولهذا أُحِبُّ أن أنبَّه على أمور يتجلَّى فيها موقفُ المسلم من هذه الحادثة:
أولا: ما قامت به الدول -بشكل عامٍّ- هو ما توصي به المنظَّماتُ الطبيةُ العالميةُ، وهو ما يتوافَق مع الشرع المطهَّر؛ مِنْ فعل السبب، فقد أخرَج (مسلمٌ في صحيحه) من حديث الشريد بن عمرو الثقفي قال: "كان في وفد ثقيفٍ رجلٌ مجذومٌ فأرسَل إليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ارْجِعْ فقد بَايَعْنَاكَ".
وبهذا يتجلَّى لنا حرصُ النبي -صلى الله عليه وسلم- على عزل المريض عن الأصحاء، وعن التوقِّي من مخالَطة المريض مرضًا مُعدِيًا؛ لأنه ينتقل بقَدَر الله.
وكما ورَد في نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدخول على أرض فيها الطاعون أو الخروج منها، فهذا هو الحَجْر الصحيّ الآنَ، وغيرها من الأدلة التي تدل على هذا.
فالواجب على المسلم الاقتداء بهذه التعليمات، طاعةً لولي الأمر، ثم حفاظًا على صحة الآخَرين، وأن لا يكون المرء أنانيًّا، يهتم بمصالحه فقط، ويعرِّض الآخرين للخطر، فتلاحظون كم عطَّل هذا المرضُ من عمل، وكم قطَع من عبادة، فلابد من مكافحته بما شرَع اللهُ.
ولهذا مَنْ كان قادِمًا من بلد منتشِر فيه المرضُ فالواجبُ عليه أن يطبِّق الحجرَ الصحيَّ لمدة أربعة عشر يومًا، حتى ولو كان لا يشعر بأعراض المرض، فلربما تتأخَّر في الظهور، ولربما يكون ناقِلًا لها ولا تضره، فيَنقل المرضَ لأهله ومن حوله؛ فيأثم بذلك.
ثانيا: الرضى بقَدَر الله، فمَن أُصيب بالمرض فليحتَسِبْ، وليصبر وليعلم أنه كفارة للمؤمن، وكذا مَنْ أصابَتْه خسارةٌ في ماله فليَصبِرْ، فهذا من البلاء المأجور عليه صاحِبُه.
ثالثا: التوكل على الله وعدم الخوف والهلع، فنسمع ونرى مِنَ البعض لَمَّا عُلِّقت الدراسةُ، وفُرضت الاحترازاتُ، أصابَه الهلعُ، وممَّا يدلُّ على ذلك نفادُ الكمامات والمعقِّمات من الصيدليات، مع أن أهل الاختصاص لم يُوصُوا بها إلا لمَن كان مصابًا أو يخالِط مصابينَ، ولنعلم أنه لن يصاب أحدٌ بهذا المرض إلا بتقدير الله الذي لا مفرَّ منه، فليس كلُّ مُخالِط للمريض سيصاب ولو لم يحتَطْ، قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)[التَّوْبَةِ: 51].
ثالثا: عدم نقل الإشاعات وترويع الناس، فهذا من الكذب والترويع المنهيِّ عنه، والواجبُ أخذُ الأخبارِ من مصادرها الأصلية.
رابعا: الأخذ بالأسباب من الشرع، بل هو من التوكل على الله، ولا يجوز للمسلم أن يتركها ويقول: أنا متوكِّل على الله؛ لأنه خالَف الشرعَ بذلك، فقد (أخرَج البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما)، من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ"؛ أي: لا يُدخِل صاحبُ الإبلِ إبلَه المريضةَ على الإبل الصحيحة.
و(أخرج البخاري في صحيحه) من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "فِرَّ من المجذومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ"، فهذا كله وغيره يؤكِّد وجوبَ الأخذ بالأسباب؛ كالأكل من أجل الحياة، والزواج من أجل إنجاب الولد، وهكذا الدنيا كلها.
اللهم ارفع عنا البلاء وعن جميع بلاد المسلمين، يا رب العالمين، أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: يقول سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الرُّومِ: 41]، وقال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشُّورَى: 30].
وكما قال العباس بن عبد المطلب: "ما نزَل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفِعَ إلا بتوبةٍ".
فالواجب على الناس إذا نزَلَت بهم الأوجاعُ والأوبئةُ أن يلجؤوا إلى الله، ويبتهلوا إليه، ويتوبوا من ذنوبهم، علَّهم أن يُرحَموا، فيزول عنهم البلاءُ، كما قال سبحانه عن قوم يونس: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)[يُونُسَ: 98]، فعلى المسلم أن يأخذ بالأسباب، ولا يُفْرِط في الأخذ بها؛ بحيث يعتقد أنها تدفَع عنه المرضَ بنفسها، بل يعتقد أن الأمرَ كلَّه لله، وأن ما قدَّرَه اللهُ فلا رادَّ له، كما عليه أن يُحَصِّن نفسَه بالأذكار الشرعية التي علَّمَناها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فهي من الأسباب الواقية، بإذن الله.
كما عليه أن يُسارِع بالتوبة، والرجوع إلى الله، وأن لا يؤتَى الناسُ مِنْ قِبَلِه، فإن الحيوانات تلعَن عصاةَ بني آدم، لِمَا يُمنَعُونَ من الرزق بسبب معصيتهم، ولنُكثر من الاستغفار، ونلجأ إلى الله أن يرفع عن الأمة هذا البلاءَ.
اللهم اكشف عنا وعن الأمة هذا البلاءَ، يا رب العالمين.