الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن صالح العجلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة |
إن مما ينبغي أن يُعلم ويستقر أن شأن الإفتاء عظيم، وموقعها جسيم؛ إذ هي توقيع عن رب العالمين، ووقوف بين الله تعالى وخلقه، ويكفي استعظامًا لشأنها أن المولى سبحانه قد قرَن التقول عليه وعلى شرعه بلا علم، بالفواحش والظلم والإشراك؛ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ..
معاشر المسلمين: لا بأسَ بالنظر إلى الجميلات؛ من أجل التفكر في عظمة الله. هذه فتوى! يجوز للمرأة أن تتولَّى الإمامة في الصلاة على الرجال. وهذه أخرى! وفتوى سياحية تقول: يجوز بيع الخمر دعمًا للاقتصاد، وتنشيطًا للسياحة. وفتوى محلية ترى أن ربا البيوع لا بأس به، إذا كان دون قصد القرض، وأن الربا لا يجري في الأوراق النقدية. وآخر الفتاوى طنينًا: أن الغناء حلال،لم يأتِ نصٌّ صريحٌ في تحريمه، وأدلة التحريم نصوصٌ مشتبهات.
هذه نماذجُ لبعض الفتاوى والجرأة على التقوُّل على رب العالمين، وما زال واقعنا يتمخض بفتاوى لم يقل بها مَن سلف، أو قيلت ولكن بلا أثارة من علم. ولا ندري هل يُخفي المستقبل في جعبته المزيدَ من هذا العبث بمقام الفتوى؟! فتاوى وفتاوى تتسارع الأفواه في نقلها، وتتسابق الفضائيات في عرضها، أضلَّتْ أقوامًا، وتشبث بها مَن في قلبه مرض، ومن هو مغرمٌ بتتبُّع الزلات والرخص. ولا يملك العبد وهو يرى هذه الغرائب والتقلبات إلا أن يلوذ بربه ويعتصم به.
فاللهم -يا سميع الدعاء- لا تفتنَّا ولا تفتن بنا، وأعذنا من سبيل الخذلان والخسران.
وأمام هذه الجرأة على قداسة الفتوى حريٌّ بنا -عبادَ الله- أن نتذاكر أمر الفُتيا، وعِظم شأنها، وصفات أهلها، وأخبار سلفنا معها.
يا أهل الإيمان: إن مما ينبغي أن يُعلم ويستقر أن شأن الإفتاء عظيم، وموقعها جسيم؛ إذ هي توقيع عن رب العالمين، ووقوف بين الله تعالى وخلقه، ويكفي استعظامًا لشأنها أن المولى سبحانه قد قرَن التقول عليه وعلى شرعه بلا علم، بالفواحش والظلم والإشراك؛ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
وأنكر سبحانه وشنع على من يرسلون ألسنتهم تحليلاً وتحريمًا بلا علم، وسمى ذلك افتراءً وكذبًا: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) [يونس: 59]. وقال سبحانه: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل: 116].
وإذا كان الكلام في شرع الله بلا علم هو نوع من الكذب على الله تعالى أفلا يكفي زجرًا وإنذارًا قول الجبار تعالى: (وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزُّمر: 60]؟!
إن التقوّل على الشرع بالظنِّ مرضٌ خطير، وانحرافٌ كبير، وهو مؤشِّر على رقَّة الدين وحب الرياء، والمفاخرة والادعاء، توعد أهلَه ربُّ الأرض والسماء بالوقوف والمحاسبة: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) [الإسراء: 36].
أما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد حذَّر من سؤال أهل الجهالة؛ بل دعا عليهم، فحين بلغه قصةُ الرجل الذي شُج رأسُه في سفر فاحتلم، فسأل الرجل أصحابَه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟! فقالوا: ما نجد لك رخصةً وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قتَلوه قتَلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا".
وحين نقلب صفحات تاريخنا، نرى صفحاتٍ وضاءةً من أخبار سلفنا مع الفتوى، نرى الديانة الحقة، والتورع الصادق، لقد استشعَروا عظمة الله، وعظُم مقام ربهم في قلوبهم، فتهيبوا الفتيا وهربوا منها، وما تصدروا لها؛ بل كان أحدهم يتمنى لو أن غيره كفَاه؛ قال ابن ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما كان منهم مفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا. وهذا فقيه العراق أبو حنيفة يقول: من تكلَّم في شيء من العلم وهو يظن أن الله -عزّ وجل- لا يسأله عنه: كيف أفتيتَ في دين الله؟! فقد سهُلت عليه نفسه ودينه. وقال سفيان بن عُيينة: أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا، حتى لا يجدوا بُدًّا من أن يفتوا. وقال أيضًا: أعلمُ الناس بالفتيا أسكتُهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم فيها.
بل بلغ من غَيرة سلفنا على دين الله أنهم كانوا يتحسرون ويبكون إذا رأَوُا المتجرئين والمتسلقين على مقام الفتيا؛ دخل رجل على الفقيه ربيعةَ بنِ أبي عبد الرحمن فرآه يبكي، فسأل عن بكائه، فقال: استُفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ثم قال: ولبعض من يفتي هاهنا أحقُّ بالسجن من السراق. قال ابن الجوزي -وهو من علماء القرن السادس-: هذا قول ربيعةَ والتابعون متوافرون، فكيف لو عاين زماننا هذا؟! بل كيف لو أدرك ابن الجوزي هذه الأزمان، وقد تجرأ على الإفتاء من هبَّ ودبَّ دون علم ولا ورع ولا أدب؟!
لقد استشعر سلفنا أن الفتيا توقيع عن رب العالمين، فسعَوْا إلى خلاص أنفسهم قبل خلاص السائل، فكانوا لا يجدون غضاضة ولا حرجًا أن يقولوا كثيرًا: لا أدري؛ يُسأل إمام دار الهجرة -الإمام مالك- في مسألةٍ من رجلٍ غريب، فيأتيه الجواب: لا أدري، فيقول: يا أبا عبد الله، تقول: لا أدري؟! قال: نعم، وأبلِغْ من ورائي أني لا أدري.
وهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -وهو من هو- في العلم وحفظ السنة، يصف لنا تلميذُه أبو داود شيئًا من تورُّعه وتوقفه عن الفتيا، فيقول: ما أُحصي ما سمعتُ أحمدَ بن حنبل سُئل عن كثير من مسائل الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري.
ورحم الله العلامة النحرير المفسر اللغوي محمد بن الأمين الشنقيطي، الذي كان كثيرًا ما يتمثل قول الشاعر:
إِذَا مَا قَتَلْتَ الشَّيْءَ عِلْمًا فَقُلْ بِهِ
وإذا كان هذا شأنَ الفتوى، وهذا محلها، فإن من تعظيم الفتوى أن تُحفظ مكانتُها وقداستها.
ومن حفظها أن لاَّ تتعدى أهل الاختصاص فيها؛ فليست الفتوى كلأً مباحًا، يقول فيها من شاء كيف شاء. مردُّ الفتوى للعلماء، والعلماء فقط، العلماء المعروفين بطول باعهم في العلم، تحصيلاً وتبليغًا، والمشهور لهم بدقة الفهم، ومعرفة حال المستفتين، ومآلات الفتوى، العلماء الذين يعظِّمون النص، فلا يلتفّون على الأحكام الشرعية بتعليلات وهمية، ولا يوردون على النصوص القطعية احتمالاتٍ جدليةً؛ قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. مسائل الدين لا تؤخذ من المفكرين، ولا من المثقفين، فضلاً عن غيرهم من الأدباء والصحفيين، مسائل الإفتاء هي من العلماء وإلى العلماء، وإذا أُخذت الفتوى من غير أهلها، شاع الباطل وأُلبس لباسَ الحق، ونُسب إلى الدين ما ليس منه، وحسبك به شرًّا وشؤمًا.
إذا تكلم في العلم غيرُ أهله، ظهرت الفتاوى الشاذة، وحُلِّل الحرام، وتدافق الناس على ارتكاب الآثام، ونسيت وهُجرت أقوالُ أئمة الإسلام، وهذه تالله فتنةٌ إذا عمَّت أعمتْ، وإذا اشرأبّت لها القلوب أصمَّت، فلا يعلم صاحبها حينها أنه بها مفتون، وأن تدينه وإيمانه بعدها غير مأمون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
عباد الله: وإذا كان اختلاف العلماء في شأن الفتيا قديمًا وحديثًا أمرًا قدريًّا، فمن الواجب الشرعي أن يحتاط المسلم لدينه، ويتقي ربَّه في اختيار ما تطمئنُّ له نفسه من فتاوى العلماء الراسخين، فالإثم ما حاك في الصدور، وإن أفتى به الناس وأفتوا، وليحذر المسلم كلَّ الحذر من تصيُّد الفتاوى الشاذة، وتلمُّس الأقوال المهجورة، فهذا مزلة وانحراف، واتباع للهوى، وإن لبَّسها صاحبُها لباس الدين؛ قال الذهبي: من يتَّبع رُخصَ العلماء، وزلاتِ المجتهدين، فقد رقَّ دينه. ونقل ابن عبد البر الإجماعَ على المنع من تتبُّع الرخص؛ بل عدَّه جمعٌ من الفقهاء مما يفسق به فاعلُه.
إخوة الإيمان: وحين تكون الفتوى مؤصلةً تأصيلاً شرعيًّا، بعيدةً عن الشذوذ، مراعىً فيها رضا الحق وصلاح الخلق، فإن هذه الفتوى تترك في الأمة أثرًا واضحًا، وتؤتي أُكُلها الطيب كل حين؛ ولذا كان من ثمار هذه الفتاوى النيّرة الصحيحة: نشر العلم، وإزالة الجهل، وإنارة العقول، وتوثيق صلة الأمة بعلمائها، مع تعميق التديُّن في نفوس الناس، وطمأنينتهم على صحة أدائهم للتكاليف الإسلامية.
هذه الفتاوى وكثرة سؤال الناس عنها، وعن تفاصيل أحكام دينهم، قد شرق بها من شرق من مرضى القلوب، فطفقوا يتهكَّمون على الفتاوى تهكمًا بأهلها، ويستنكرون كثرة صدور الفتاوى في شأن الحياة كلها، عجبًا والله، كأن الحياة ليست تعبيدًا لله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
لقد علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته كل شؤون حياتها، في حضرها وسفرها، ويقظتها ونومها، في ملبسها ومأكلها ومشربها، وسِلمها وحربها، حتى قال قائل اليهود لسلمان الفارسي: لقد علَّمكم نبيُّكم كل شيء، حتى الخراءة. فلماذا الاستنكار إذًا من كثرة الفتاوى والتوجيهات في الشأن العام، ونحن في بلد يدين أهلُه بالإسلام، لا بالعلمانية: فصلِ الدين عن الحياة.
لقد أصبح الحديث عن الفتاوى هو الحديثَ المقدم في بعض وسائل الإعلام، وأضحتْ أخبار شواذِّه هي السبقَ الإعلامي الذي تتسارع إليه بعض القنوات، مع إساءة واضحة للفتاوى وأهلها، يدركها الغبي قبل الذكي، من خلال إظهار التناقض بين العلماء وتجهيلهم؛ للتقليل من شأنهم، وفقد ثقة الناس بهم، فضلاً عن متاجرة بعض وسائل الإعلام بالفتاوى، فتروّج الفتوى التي توافق الهوى، لا حبًّا في العلم والهدى؛ وإنما لأن تلك الفتوى تسير على خط الصحيفة أو القناة؛ ولذا ترى التضخيم الواضحَ لبعض الفتاوى وأهلها، حتى لَيخيل للمرء أنه لا يجيد الفتوى إلا مِثلُ هؤلاء النكرات في ساحة العلم، وهذا لعمر الله فتنةٌ على صاحبها، تورث الإعجاب والغرور، فيجعل من تتبع الشواذ وإذاعتها قنطرةً له نحو الاشتهار:
وَقَالَ الطَّانِزُونَ لَهُ:
فَقِيـهٌ | فَصَعَّدَ حَاجِبَيْهِ بـه وَتَاهَـا |
وَأَطْرَقَ لِلمَسَائِلِ أَيْ بِأَنِّي | وَلاَ يَدْرِي لَعَمْرُك مَا طَحَاهَا |
قلت ما سمعتم؛ فإنْ صوابًا فمن الله، وإنْ سوى ذلك فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
وبعد:
فيا إخوة الإيمان: روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال فتنًا كقِطَع الليل المُظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل".
فإذا كانت أعاصير الفتن تغيِّر العقائد، فيظهر الكفر، وتبرز الردة، فما دونها أكثر وأكثر، كظهور الضلال البدعي، والشطط الفكري، والانحراف الأخلاقي، والتغير في المواقف والفتاوى.
عباد الله: إن انتشار الفتاوى الشاذة الخاطئة، والتقدم بين يدي العلماء إفتاءً وتوجيهًا، مؤشرٌ لا يبشر بخير، وفتنة لها ما بعدها من التلبيس والإضلال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، ويَظهر الجهل، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل". رواه الإمام أحمد والبخاري.
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلوا". ولذا؛ ما زال علماء السُّنة عبر حقب التاريخ يوصُون أيامَ الفتن باجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، ونبذ الفرقة، ويدخل في هذا دخولاً أوليًّا الاجتماعُ في أمر الدين، وقد ترك بعض الصحابة بعض آرائهم الفقهية؛ من أجل اجتماع الكلمة، وأن الخلاف شر.
ألا فليُعلم –عباد الله- أن من أسرع صور التفرق والاختلاف وإحداث البلبلة في المجتمع: الشذوذَ عن فتاوى علماء الأمة المعتبرين، بنشر فتاوى شاذة، أو إحياء أقوالٍ نادَّة، مصادمة للنصوص، وإن قال بها من قال.
إخوة الإيمان: ومع نشوء هذه الفتاوى الشاذة ورنينها، وتلميع القنوات لها، فإن من الواجب علينا التواصي على الحق، والصبر عليه، وسؤال الله الثبات عليه، ومن الوصايا والحلول العملية بعد هذا العبثِ بالفتوى، وتصدر الجهلة لها:
أولاً: أهمية خروج أهل العلم الكبار للفتوى، وتصدّرهم وتصديرهم لها.
ثانيًا: المبادرة إلى إصدار فتاوى جماعية لمواجهة ما يندُّ من الفتاوى الشاذة؛ لإرجاع البسطاء إلى جادة الصواب.
ثالثًا: نشر الوعي بين الناس بأهمية استفتاء العلماء، وإعلام الناس أن استفتاء مفتٍ عُرف عنه التساهل في قضايا كثيرة جدًّا لا تبرأ به الذمة.
رابعًا: وعلى من ولاّه الله الأمر أن يمنع بسلطانه من يكون سببًا في رقَّة الدين؛ حماية للدين، وجمعًا للكلمة؛ "فإن الله يزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وإذا كان من السياسة معاقبةُ من يفتئِتون على الساسة، فمعاقبة من يوقّع عن الرب، ويفتئت على الشرع، أولى وأوجب.
روى مالك في "موطئه" أن أبا هريرة -رضي الله عنه- مرَّ على قومٍ في سفر، فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحِلَّة يأكلونه، فأفتاهم بأكله، فلما قدم المدينة سأل عمر، فقال له عمر: بمَ أفتيتَهم؟! قال: أفتيتُهم بأكله، فقال عمر: لو أفتيتَهم بغير ذلك لأوجعتُك. قال أبو الوليد الباجي: وهذا صريح من عمر بأنه يرى تأديب من يتسامح في فتواه قبل أن يتحقق؛ لأنه شديد الإضرار بالناس في تحليل الحرام، وتحريم الحلال.
اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون: اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.