القوي
كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
الخوف من الله منزلة عظيمة في قلب المؤمن؛ فهو يخاف من عذاب القبر إذا عصى الله، ويخاف من عَرَصات يوم القيامة إذا عصى الله -عز وجل-، ويخاف من النار إذا عصى الله -عز وجل-، ولذلك فإن الخائف من الله لا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، وبعد:
سوف يكون حديثي في هذه الخطبة عن الخوف من الله -عز وجل-، وهو من لوازم التوحيد وواجبات التوحيد، قال الله -عز وجل-: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران: 175]، وسبب اختياري لهذا الموضوع هو ما نراه من ضعف جانب الخوف من الله في القلوب مما جعل كثير من الناس يتجرأ على ارتكاب المعاصي والذنوب؛ كارتكاب الفواحش، والظلم والبغي، والغيبة والنميمة، وغير ذلك من الآثام.
ولهذا إذا زاد الإيمان في قلب المؤمن زاد خوفه من الله –تعالى-.
ومعنى الخوف من الله هو فزع القلب واضطرابه من عقاب الله -عز وجل-.
والخوف المحمود هو الخوف الذي يمنع المؤمن من المعاصي والآثام، أما إذا زاد عن ذلك فإنه خوف مذموم يؤدِّي إلى القنوط واليأس من رحمة الله -تعالى-.
فلا يجوز أن يصل خوفنا من الله -عز وجل- إلى اليأس من رحمة الله، ولا يجوز أن يضعف خوفنا من الله حتى يصل إلى عدم المبالاة في ارتكاب المعاصي والآثام. وهو ما يسمى بالأمن من مكر الله -تعالى-.
عباد الله: الخوف من الله منزلة عظيمة في قلب المؤمن؛ فهو يخاف من عذاب القبر إذا عصى الله، ويخاف من عَرَصات يوم القيامة إذا عصى الله -عز وجل-، ويخاف من النار إذا عصى الله -عز وجل-، ولذلك فإن الخائف من الله لا يهمل صلاة الفجر؛ فإذا فاتته صلاة الفجر مثلاً تجده يخاف من عذاب الله، ويندم يومه كاملاً، وكذلك الحال لعموم الصلوات لا يهملونها.
أما الذين تفوتهم صلاة الفجر جماعة ولا يتأثر لهذه المعصية أو يفوته بعض الصلوات ولا يتأثر لفواتها فإنه غير خائف من الله -عز وجل-.
وكذلك كلّ من يرتكب الزنا واللواط وشرب الخمر والمخدرات، وأكل أموال الناس بالباطل والتعدِّي على حقوق الآخرين، ولا يهتم من ارتكابه هذه المعاصي فإنه غير خائف من الله وغير خائف من عذاب الله -عز وجل- ، وأصبح خوفه من الله ضعيفًا. نسأل الله السلامة والعافية.
ولو نظرنا لحال السلف الصالح من الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين؛ فإنهم كانوا يزيد خوفهم من الله في حال الصحة والقوة حتى يزدادوا من طاعة الله، ويُكثروا من ذِكْره ويتقربوا إليه بالنوافل والعمل الصالح؛ فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- كان على خده خطان أسودان من أثر البكاء -رضي الله عنه-.
ولما جاء عقبة بن عامر -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله ما النجاة؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابْكِ على خطيئتك".
والنبي -صلى الله عليه وسلم- في رواية قال: "طوبى لمن ملك نفسه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته".
وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مَن بكى من خشية الله؛ فإن الله يُظِلّه تحت عرشه يوم لا ظِلّ إلا ظله مع السبعة الذين يظلهم الله تحت عرشه فقال: "ورجل ذَكَرَ الله خالياً ففاضت عيناه"، حرَّم الله النار مَن بكى من خشيته؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع " (رواه الترمذي وصححه الألباني)، وأيضاً قال -صلى الله عليه وسلم-: "حُرِّمَت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحُرمت النار على عين سهرت في سبيل الله" (صححه الألباني).
أخي المسلم: يا من يعصي ربه آمنًا غير مُكرَه، تذكر قبل أن تعصي ربك أن الله يراك ويعلم ما تخفي وما تعلن (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19].
إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل *** خلوتُ، ولكن قل: عليَّ رقيبٌ
تذكر أخي المسلم قبل أن تعصي ربك أن الملائكة تُحصي عليك جميع أقوالك وأعمالك وتكتبها في صحيفتك (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
تذكر قبل أن تعصي ربك لحظة موتك وخروج روحك، ومساقها إلى ربك، وتذكر ظلمات القبر وعذاب القبر ومنكر ونكير، تذكر خروج الناس من قبورهم عراة لا تدري أتذهب للجنة أم إلى النار – تذكر الصراط هل تجتازه أم تقع في النار؛ كل هذه الأمور تجعلك تخاف من عقاب الله.
نسأل الله –عز وجل- أن يجعلنا ممن يخاف الله، ويبكي على خطيئته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد -صلى الله عليه وسلم-.
واذا سألنا ماحكم الخوف من الله تعالى؟ إنَّ الخوف من الله –تعالى- واجب، وهو من أعظم القربات إلى الله –تعالى- وأنفعها للقلب، قال ابن القيم: "يجب الخوف من الله، ومن لا يخف من الله فهو آثم".
فالخوف من الله ومن عذابه يدفعك لعمل الطاعات وترك المعاصي، خوف الله يدفعك أن تقوم تصلي الفجر جماعة مع المسلمين وكذا جميع الصلوات، يدفعك لأداء الزكاة والصيام وغيرها من الأوامر يدفعك لترك الزنا والغيبة والنميمة وقطع الأرحام وأكل أموال الناس.
فعليك أخي المسلم أن تتذكر الموت والقبر ويوم القيامة والصراط المنصوب على متن جهنم حتى يزيد خوفك من الله تعالى.
نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا الخوف منه والاستعداد لما أمامنا بامتثال أوامره –سبحانه- واجتناب نواهيه، ثم صلوا على الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا هَمًّا إلا فَرَّجْته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم وَفِّق ولي أمرنا لما يرضيك، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، وأبعد عنه بطانة السوء الفاسدة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.