البحث

عبارات مقترحة:

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

ذاك التقى

العربية

المؤلف محمد بن سليمان المهوس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. فضائل تقوى الله وأهميتها .
  2. جزاء المتقين .
  3. علاقة المتقين بالمعصية. .

اقتباس

وَالتَّقْوَى لَيْسَتْ مُجَرَّدُ وَصْفٍ لِأَيِّ إِنْسَانٍ! تُقَالُ بِاللِّسَانِ وَتُسْمَعُ بِالْآذَانِ؛ بَلْ هِيَ وَصْفٌ لِذَلِكَ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ الْجَلِيلِ، وَيَعْمَلُ بِالتَّنْزِيلِ، وَيَقْنَعُ بِالْقَلِيلِ، وَيَسْتَعِدُّ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ.

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)[النساء: 131]؛ فَتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى هِيَ دَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَشِعَارُ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَنْهَجُ الْأَصْفِيَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

وَتَقْوَى اللَّهِ جِمَاعُ الْخَيْرَاتِ، وَحُصُولُ الرَّحَمَاتِ، وَحُصُونُ الْبَرَكَاتِ؛ مَا مِنْ خَيْرٍ عَاجِلٍ وَلَا آجِلٍ إِلَّا وَالتَّقْوَى سَبَبٌ فِي تَحْصِيلِهِ، فَاللَّهُ يُحِبُّ أَهْلَهَا وَالْمُتَّصِفُونَ بِهَا، قَالَ -تَعَالَى- (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 76].

وَهِيَ سَبَبٌ فِي الْحُصُولِ عَلَى رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأنعام: 155].

وَهِيَ سَبَبٌ لِعَوْنِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ وَتَأْيِيدِهِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[الشعراء: 227]؛ فَالْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِلْمُتَّقِينَ، قَالَ -تَعَالَى-: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[القصص: 83]؛ فَالْمُتَّقُونَ هُمُ الْفَائِزُونَ: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النور: 52].

وَهُمْ الْمَوْعُودُونَ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133]، وَثَوَابُ الدُّنْيَا وَخَيْرَاتُهُ مُتَحَقِّقَةٌ لِأَهْلِ التَّقْوَى، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96]، وَتَقْوَى اللَّهَ -تَعَالَى- سَبَبٌ فِي الرِّزْقِ وَالْفَرَجِ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ وَمَخْرجٍ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2- 3].

وَالتَّقْوَى لَيْسَتْ مُجَرَّدُ وَصْفٍ لِأَيِّ إِنْسَانٍ! تُقَالُ بِاللِّسَانِ وَتُسْمَعُ بِالْآذَانِ؛ بَلْ هِيَ وَصْفٌ لِذَلِكَ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ الْجَلِيلِ، وَيَعْمَلُ بِالتَّنْزِيلِ، وَيَقْنَعُ بِالْقَلِيلِ، وَيَسْتَعِدُّ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ.

وَكَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "تَقْوَى اللَّهِ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يَنْسَى، وَأَنْ يَشْكُرَ فَلَا يَكْفُرُ ".

وَقَالَ طَلْقُ بْن حَبِيبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: "التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنْ اللَّهِ تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنْ اللَّهِ تَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ".

وَعَلَى الْتَّقَيِّ إِذَا تَرَاسَخَ فِي الْتُقَى ** تَاجَانِ: تَاجُ سَكِينَةٍ وَجَمَالِ

وَإِذَا بَحَثَتَ عَنِ التَّقِيِّ وَجَدْتَهُ

رَجُلًا يُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفِعَالِ

وَإِذَا اتَّقَى اللَّهُ امْرُؤٌ وَأَطَاعَهُ

  فَيَدَاهُ بَيْنَ مَكَارِمٍ وَفِعَالِ

وَإِذَا تَنَاسَبَتِ الرِّجَالُ فَمَا أَرَى

نَسَبًا يَكُونُ كَصَالِحِ الْأَعْمَالِ

اَللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مِنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى يا رَبّ الْعَالَمِينَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ أَهْلَ الْمَغْفِرَةِ وَالتَّقْوَى، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءِ عَدَداً، نِعَمُهُ لَا تُحْصَى، وآلاؤه لَيْسَ لَهَا مُنْتَهَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَصَحِبَهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أمّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اِتَّقُوْا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنْ دِيِنِكُمْ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوُا - عِبَادَ اللهِ - أَنَّ الْمُتَّقِيَ لِرَبِّهِ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ الزَّلَلُ وَالتَّفْرِيطُ، وَيَعْتَرِيهِ التَّقْصِيرُ وَالْغَفْلَةُ، فَيَقَعُ فِي مَعْصِيَةٍ، أَوْ يُفَرِّطُ فِي طَاعَةٍ، وَهَذَا مِنْ طَبِيعَةِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، كَمَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرَهُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْن مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

وَلَكِنَّ الْمُتَّقِيَ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِ؛  بِأَنَّهُ إِذَا تَعَثَّرَتْ بِهِ قَدَمُهُ بَادَرَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى رَبِّهِ، وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ ذَنْبِهِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف: 201].

وَكَمَا أَنَّ التَّقْوَى صِلَةٌ مَعَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَتَقَرَّبٌ إِلَيْهِ؛ فَهِيَ أَيْضًا إِحْسَانٌ إِلَى الْخَلْقِ بِحُسْنٍ فِي التَّعَامُلِ، وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحسنه الْأَلْبَانِيّ).

فَحَقِّقُوا التَّقْوَى -عِبَادَ اللَّهِ- تَسْعَدُوا وَتَفُوزُوا وَتُفْلِحُوُا بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).