الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
إن للذكر في ظلمة الليل حلاوته، وللصلاة فيها خشوعها، وللمناجاة فيها شفافيتها، وإنها لتسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية ونوراً قد لا يجدها المصلي في صلاة النهار وذكره.. والمقصود بصلاة الليل التنفل بعد صلاة العشاء ويدخل فيها الوتر..
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الإخوة يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [المزمل: 1 – 7].
في هذه الآيات يدعو الله -تعالى- رسوله لقيام الليل وترتيل كتابه الكريم؛ ذلك أن ترتيل القرآن في الليل يحصل به التدبر والتفكر، وتحريك القلوب، والتعبد بتلاوة آياته، ثم إن الصلاة فيه بعد النوم أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن؛ لقلة الشواغل، فيتواطأ على القرآن القلب واللسان، ويفهمُ التالي ما يقول، ويستقيمُ له أمره، بخلاف النهار فإنه لا يحصل به هذا المقصود.
ثم إن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش، بعد كد النهار أشد وطأ وأجهد للبدن؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح، والاستجابة لدعوة الله، وإيثار للأنس به.
أحبتي: إن للذكر في ظلمة الليل حلاوته، وللصلاة فيها خشوعها، وللمناجاة فيها شفافيتها، وإنها لتسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية ونوراً قد لا يجدها المصلي في صلاة النهار وذكره.. والمقصود بصلاة الليل التنفل بعد صلاة العشاء ويدخل فيها الوتر..
ويبدأ وقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء، وآخر وقتها طلوع الفجر قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ"(رواه ومسلم).
والصلاة في آخر الليل أفضل وهو وقت النزول الإلهي وتشهدها الملائكة، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ"(رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ سَاعَةٍ أَقْرَبُ مِنَ الْأُخْرَى أَوْ هَلْ مِنْ سَاعَةٍ يُبْتَغَى ذِكْرُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ. إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ"(رواه النسائي وصححه الألباني).
وقد امْتدَحَ الله -تعالى- في كتابِهِ القَائمينَ لصلاةُ الليل فقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)[الفرقان:46]، وقال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صلاة الليل لَما سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-).
أيها الإخوة: هذا المقام العليّ الذي أيقظ الله له من شاء من عباده جعل له رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو رائده الأول آداباً وسنناً؛ لعلنا نتعرض لأكثرها.
من ذلك أن يحرص مريد قيام الليل على التبكير بالنوم فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَلاَ الحَدِيثَ بَعْدَهَا"(رواه البخاري)، وجميل أن بُيِّت المسلم نية القيام، ويحرص على أذكار النوم عند الاضطجاع وإن نام على وضوء فهو أفضل.
وأن يضع منبهاً قبل الفجر بوقت كافي وإذا استيقظ ذكر الله وقَالَ ما أوصى به النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَعَافَانِي فِي جَسَدِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ"(رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وحسنه الألباني).
ومن السنة أن يتسوَّك عند القيام من النوم؛ لصلاة الليل "فَقَد كَانَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ -الصلاة في الليل- يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ"، -الشوص دلك الأسنان بالسواك عرضًا-(رواه البخاري ومسلم عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
ثم يقوم للوَضَوء قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ يُعَالِجُ نَفْسَهُ إِلَى الطَّهُورِ، وَعَلَيْكُمْ عُقَدٌ، فَإِذَا وَضَّأَ يَدَيْهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا وَضَّأَ وَجْهَهُ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا وَضَّأَ رِجْلَيْهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لِلَّذِين وَرَاءَ الْحِجَابِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُعَالِجُ نَفْسَهُ لَيَسْأَلَنِي، مَا سَأَلَنِي عَبْدِي هَذَا فَهُوَ لَهُ، مَا سَأَلَنِي عَبْدِي هَذَا فَهُوَ لَهُ"(رواه ابن حبان َعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، وحسنه الألباني).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ"(رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وَلَا يَتَعَيَّنُ لِلذِّكْرِ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ لَا يُجْزِئُ غَيْرُه، بَلْ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللهِ أَجْزَأَ، ومن ذلك قَولَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ –أَي: اسْتَيْقَظَ- فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ"(رواه البخاري عَن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الإخوة: والسنة أن يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-).
والسنة أن يستفتح صلاة الليل بهذا الاستفتاح فعن أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: "اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"(رواه مسلم).
ومن السنة إيقاظ الأهل لصلاة الليل؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ"(رواه النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني حسن صحيح).
قال ابن بطال: "وفي قوله: "أيقظ أهله" من الفقه أن للرجل أن يحض أهله على عمل النوافل، ويأمرهم بغير الفرائض من أعمال البر، ويحملهم عليها".
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلاَةِ. يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلاَةَ، الصَّلاَةَ. ثُمَّ يَتْلُو هذِهِ الآيَةَ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132](رواه مالك في موطأ).
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ- لَيْلَةً، فَقَالَ: "أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)[الكهف:54](رواه البخاري).
وللحديث بقية إن شاء الله -تعالى-.