البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

محمد رسول الله روعة الأخلاق (6) الرحمة

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. ثلاث صفات برزت في النبي -عليه الصلاة والسلام- .
  2. من مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم .
  3. رحمته بأعدائه .
  4. رحمته بالأطفال .
  5. رحمته بنسائه .
  6. رحمته بالحيوانات .
  7. رحمته بالجماد .
  8. رحمته بالعصاة والمذنبين. .

اقتباس

تأملوا في روعة تعامله مع الأطفال مراعيًا طبيعة اللعب فيهم بكل شفقة ورحمة، في صحيح مسلم يقول أنس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن أحسن الناس خُلقاً فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرتُ إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس أذهبتَ حيث أمرتُك؟ قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، بكل رحمة ولين هكذا يداعبه بترقيق اسمه فلا يناديه يا أنس، بل يا أنيس، ويقدّر طبيعة الأطفال وفي حبهم للهو واللعب...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقول جل وعلا: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128]، هذه الآية لو تأملنا فيها وفي معانيها لوجدنا فيها جانبًا واضحًا من صفات وأخلاق نبينا -صلى الله عليه وسلم- ثلاث صفات برزت فيه -عليه الصلاة والسلام- وشهد له فيها ربه -تعالى- معانيها متقاربة شفقة وحرص ورأفة ورحمة كلها مشاعر حية في قلب النبي -عليه الصلاة والسلام-، تمثل رقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وطيب أخلاقه (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) [التوبة: 128].

إنها منة الله علينا ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- بصفاته الجامعة للكمال (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ)، يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم.

(حَرِيصٌ عَلَيْكُم) سورة التوبة التي نزلت فيها هذه الآية أمرها عظيم، فيها براءة من المشركين، فيها فضح للمشركين، ومعاتبة للمؤمنين، وهي سورة الجهاد في سبيل الله وامتحان وتضحية وصبر، ومع ذلك بينت السورة في آخرها ومع استعراض تلك الأجواء القاسية بينت أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يُلقي بأصحابه ولا أمته في المهالك فهو لا يدفع بكم إلى المهاوي حريص عليكم، إنما هو رحمة في صورة من صورها، رحمة بكم من الذل والهوان، ورحمة بكم من الذنب والخطيئة.

أما الحرص فهو حريص عليكم أن تنالوا شرف حمل الدعوة، والحرص على نيل رضا الله والجنة.

والحرص أيضًا هو الحرص على هداكم، وعلى حب الخير لكم، وعلى رغبته في إيمانكم وإيمان جميع الناس ودخول جميع الناس في الإسلام ليكون رءوفًا رحيمًا بهم أرحم بهم من والديهم وكلها أخلاق من مظاهر الرحمة التي جعلها الله تعالى مصاحبة لبعثته -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].

رحمة الله -تعالى- للناس حين بعثه إليهم -صلى الله عليه وسلم- وبما تميز به هو -عليه الصلاة والسلام- من صفة الرحمة البالغة لم يرسله الله تعالى معنتًا ولا معذبًا ولا قاطعًا للرءوس وإنما أرسله رحمة، لا للمهتدين المؤمنين فحسب بل للعالمين أجمع، وإذا كان قائلها -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا رحمة مهداة"، جاء ذلك في الجامع الصحيح بإسناد صحيح عن أبي هريرة.

ولا يعني هذا التخاذل والسكوت عن المنكر، فالله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) فالغلظة هي الحل أحيانا لكنها ليست الأصل فإنه في طبيعته -صلى الله عليه وسلم- رحيم حتى في نظرته للأمور.

تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "ما خُيّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه".

كان رحيم بنفسه -صلى الله عليه وسلم- يأكل باقتصاد واتزان، يشرب بعناية؛ لأنه مسئول عن نفسه فيرحمها، يقوم الليل وينام، يصوم ويفطر، يتزوج النساء، يرفّه عن نفسه قليلاً، وكان رحيمًا تتعدى رحمته نفسه، وتمس الناس، كان بحق أرحم الناس بالناس، بل إن رحمته -صلى الله عليه وسلم- تعدت إلى الحيوان والجماد.

معاشر الإخوة: أما رحمته بالكفار في ذلك أنه عندما ذهب -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف ماشيًا على قدميه، وكان كلما مر على قبيلة دعاهم إلى الله -عز وجل- فكفروا به وسلطوا عليه سفهائهم وصبيانهم، ورموه بالحجارة حتى أدموا قدميه -عليه الصلاة والسلام- فرجع من الطائف وقلبه مليء بالأحزان؛ لأن قومه رفضوا الدعوة، وهو يعلم أنها خيرٌ لهم، فهل حمل في قلبه عليهم، هل فكر بالانتقام منهم؟!

في صحيح مسلم أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحد؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لقد لقيت من قومك، فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله -عز وجل- قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، قال رسول الله - -صلى الله عليه وسلم-: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئا".

مطرود مضطهد نال من أولئك الكفار الطرد والألم، ولكنه ما زال يرجو لهم الخير -صلى الله عليه وسلم-!!

في السلسلة الصحيحة عن سهل بن سعد قال شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- حين كسرت رباعيته وجرح وجهه، وهشمت البيضة على رأسه، كانت فاطمة بنت محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تغسل الدم عن وجهه وعلي -رضي الله عنه- ينقل الماء إليها في مجنة، فلما غسلت الدم عن وجه أبيها أحرقت حصيراً حتى إذا صارت رماداً أخذت من ذلك الرماد فوضعته على وجهه حتى رقأ الدم، ثم قال يومئذ: "اشتد غضب الله على قوم كلموا وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم مكث ساعة ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قيل: يا رسول الله ! ادع على المشركين. قال "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بُعثت رحمة " (رواه مسلم).

هكذا كان قلبه -صلى الله عليه وسلم- يريد الخير للناس أجمعين، ولئن دعا على أحد من المشركين -وقد حصل-؛ فإنما في أضيق الحدود وعلى من عاد المسلمين منهم وعذبهم وقتلهم.

مست رحمته -صلى الله عليه وسلم- الصغار في بيئة قاسية جافة، في سنن النسائي عن عبدالله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي –لما طال في السجدة يعني- فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما انتهى قلنا: سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليه، قال: "كل ذلك لم يكن... ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته".

يراعي شغف الأطفال باللعب، فيطيل السجود حتى لا يفسد فرحهم وبهجتهم -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبي في الخلف أسرع في أدائها وخرج.

في صحيح البخاري عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ".

وفي صحيح البخاري جاء أعربي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولعله قيس بن عاصم، فقال: تقبّلون الصبيان؟ فما نقبّلهم. فقال النبي: "أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة".

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن الأقرع بن حابس -وهو من المؤلفة قلوبهم-كان جالساً عند النبي، وهو يقبّل الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله، ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحم".

تأملوا في روعة تعامله مع الأطفال مراعيًا طبيعة اللعب فيهم بكل شفقة ورحمة، في صحيح مسلم يقول أنس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن أحسن الناس خُلقاً فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرتُ إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس أذهبتَ حيث أمرتُك؟ قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، بكل رحمة ولين هكذا يداعبه بترقيق اسمه فلا يناديه يا أنس، بل يا أنيس، ويقدّر طبيعة الأطفال وفي حبهم للهو واللعب.

كان رحيمًا بزوجاته -صلى الله عليه وسلم- يفهم طبيعة المرأة يفهم انكسارها أمام عاطفتها، يفهم سوء تصرفها أحيانًا بحكم فطرتها الأنثوية، في السلسلة الصحيحة عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: استأذن أبو بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمع صوت عائشة عاليًا، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خرج أبو بكر: "كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟". قالت: فمكث أبو بكر أيامًا، ثم استأذن فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد فعلنا، قد فعلنا".

تأملوا في رحمته بها وهو يترضاها ويمازحها ويرطب الموقف: "كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟!".

أيها الإخوة: رحمته بالحيوانات، عن عبدالرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة –نوع من الطير- فجعلت تفرش –أي تفرش جناحها وتقرب من الأرض وترفرف- فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من فَجع هذه بولدها، ردّوا ولدها إليها"، ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: "من حرق هذه؟" قلنا: نحن، قال: "إنه لا ينبغي أن يُعذّب بالنار إلا رب النار". (رواه أبو داود).

أما عن رحمته الجماد ففي صحيح البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا ؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتِ" قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقَّ –من كرامته -صلى الله عليه وسلم- فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: "بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ".

فحتى مع المذنبين التائبين كان -صلى الله عليه وسلم- رحيمًا رءوفًا يتمثل القرآن في أكثر من آية: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة:34].

في صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "لعلّك قبّلت أو غمزت، أو نظرت"؟ قال لا يا رسول الله.. الحديث..

وجاء في الصحيح أيضًا عن أبي سلمة قال: أتى رجل من المسلمين رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد - فناداه: "يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه. فتنحى تلقاء وجهه فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ثنَّى ذلك عليه أربع مرات. فلما شهد على نفسه أربع شهادات: دعاه رسول الله، فقال: "أبِكَ جنون؟" قال: لا. قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اذهبوا به فارجموه".

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يكره أن يأتي الزاني وشارب الخمر كي يفضح نفسه، بل إن تاب واستغفر أن يستر على نفسه ويرجو رحمة الله.

فينبغي لمن وقع في شيء من المعاصي أن يستتر بستر الله، ولا يفضح نفسه، ويستغفر الله ويتوب إليه فيما بينه وبين ربه؛ لما أخرج الحاكم والبيهقي: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألَمَّ بشيء من ذلك فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله..".

بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحضر الرجم، حتى لما قدر له أن يحضر رجم ماعز وأمر عليه بالرجم حاول الفرار قال: "هلا تركتموه".

في المشكاة بسند حسن في قصة ماعز لما بدءوا في رجمه ووجد مس الحجارة فرَّ يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات، فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب الله عليه".

إنها الرحمة، الرحمة بالتائب من الذنب يخصه هو لا حق فيه لغيره من الناس إن كان الذنب متعلق بنفسه هو.

هكذا هو -صلى الله عليه وسلم- في رحمته والمقام لا يتسع للمزيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.. اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وألف بين إخواننا المسلمين..