العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
من الأعمال الصالحة عمل يغفل عنه كثير من الناس وهو غرس الشجر, فقد حثّ الإسلام على الغرس ورغَّب فيه, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون, وبادروا إلى الأعمال الصالحة, قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)[فصلت: 8]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "لهم أجر عظيم غير مقطوع ولا نافد، بل هو مستمر مدى الأوقات، متزايد على الساعات، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات"(ينظر تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن ص: 745).
فأكثروا من الأعمال الصالحة واجعلوها زادكم في الآخرة.
معاشر المسلمين: من الأعمال الصالحة عمل يغفل عنه كثير من الناس وهو غرس الشجر, فقد حثّ الإسلام على الغرس ورغَّب فيه, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"(أخرجه البخاري 2320، ومسلم 1553). وفي رواية عند مسلم: "إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(أخرجه مسلم 1552). "وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ"(أخرجه مسلم 1552).
قال الإمام النووي -رحمه الله-: "في هذه الأحاديث فضيلة الغرس وفضيلة الزرع، وأنَّ أجر فاعلي ذلك مستمر مادام الغراس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة، وقد اختلف العلماء في أطيب المكاسب وأفضلها, فقيل التجارة وقيل الصنعة باليد, وقيل الزراعة وهو الصحيح ... "ولا يرزؤه" أي: ينقصه ويأخذ منه"(ينظر شرح النووي على مسلم: 10/ 213).
أيها المسلم: هل سألت نفسك متى آخر مرة غرست فيها شجرة, ينتفع الناس بثمرها وظلها وتنتفع البهائم بها؟ واعلموا أنَّه من أنفع ما يكون من غرس الأشجار غرس النخل, لأنَّ في كل جزء منه فائدة, وهي مَثَلُ المؤمن, عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلاَ يَتَحَاتُّ" فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ"... فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. (أخرجه البخاري 6122).
ومن الأشجار النافعة أيضاً شجر السدر, والطلح وهما من أشجار الجنة -جعلني الله وإياكم من أهلها-, قال الله -تعالى-: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)[الواقعة: 27 - 29].
معاشر المسلمين: لا يحرم أحدكم نفسه من فضيلة غرس الأشجار النافعة, فاغرسوا النخل والسدر في مزارعكم وفي بيوتكم, واغرسوا الطلح والسدر وما ماثلهما من الشجر في وديانكم وشعابكم وقفاركم, فإنكم في بيئة صحراوية, الغطاء النباتي فيها قليل نادر, وبذلك تساهمون في تكثير الغطاء النباتي والتوازن البيئي, الذي يعود نفعه على المجتمع والاجيال القادمة, فكلٌّ منكم يستطيع شراء شتلة سدرة أو طلحة بمبلغ زهيد ثم يغرسها ومن الصور المشرقة لمجتمعنا أن جعل فيه من يهتم بهذا الأمر ويحث عليه ويساهم في غرس كثير من الأشجار.
معاشر المسلمين: إنَّ من الناس من يقطع شجراً ولا يغرس, ويُتلِف ولا يُصلح, ويهدم ولا يبني, ويؤذي ولا يحسن, ترون أحدهم يأتي إلى شجرة يُستظل بظلالها, وتضع الطيور فيها أعشاشها, فيقتلعها من أساسها وهذا خطأ, لأنَّه يأخذ زائداً عن حاجته, ويحرم غيره الانتفاع بظلها وثمارها, ألا يكفيه أن يبحث عن أغصان يابسة قدر حاجته, تكون وقوداً لطعامه وتدفئة له, ومن المؤسف أن ترى شجرة سقطت بالكامل لأجل نار أوقدت في أصلها, في عبث وعدم مبالاةٍ من ذلك الفاعل, فمتى يعي أولئك أهمية شجر البوادي والوديان والصحاري.
معاشر المسلمين: تعلمون عظم فضل الله علينا في هذا العام من الغيث المدرار, حتى اخضرَّت رياضٌ وفياض, فأصبح بعضها كالبساط الأخضر الذي لا يَملُّ رؤيته الناظر, مما يُبشِّر بموسم ربيع طيب, ولكن البعض هداهم الله يفعل أفعالاً تؤذي حال زيارته لها, إما بترك مخلَّفاته فيها.
فإذا أتى بعدهم أحد وجد تلك الأوساخ المؤذية, من علب بلاستيكية وقوارير زجاجية جارحة وغيرها, فإن هو جلس تأذى منها, وإن نظَّفها أخذت من وقته كثيراً, وقد يصاب هو ومن معه من أطفال بأذى منها, وقد يدعو عليه أحدهم, للأذى الذي ألقاه فأصابهم, وإنَّ المسلم مأمور استحباباً بإماطة الأذى وهو له صدقة إذا كان من غيره, فكيف هو حال من يلقي ذلك الأذى في طرقات الناس وأماكن جلوسهم, وبه يحصل التلوث البيئي.
إنَّ على من يذهب للنزهة في البَر أن يهتم بشأن النظافة وأن يترك المكان مثلما كان أو أفضل, ولا يقومون من مكانهم إلا وقد جمعوا تلك النفايات في كيس يأخذونه معهم ويلقونه في حاويات النظافة, ولو أنَّ من يخرج إلى النزهة يفعل ذلك, لما احتجنا إلى عمَّال نظافة يتولون نظافة الحدائق العامة أو يتولون نظافة الريضان والوديان.
معاشر المسلمين: ومن الإيذاء لتلك الريضان أنَّ بعضهم يفسدها بكثرة المشي فيها بسيارته, أو بالتفحيط فيها, وهذا إن دل فإنما يدل على الجهل وعدمِ معرفة نعمة الله علينا بالزرع الذي أنبته وأحيا به الأرض.
ومن الملاحظات التي ينبغي التنبيه عليها حفظ تلك الريضان من الرعي الجائر فلا تترك البهائم ترعى فيها على بدايته بما يسمى الباذر, أو عندما يكون العشب فيها صغيراً, فتأكله البهائم من جذوره, وكان الأولى أن تُحفظ وتحمى عنه حتى تكبر الأعشاب ويشتدُّ عودها وتثمر بذورها, حتى إن أكلتها البهائم إنما تأكلها بدون جذورها.
معاشر المسلمين: إنَّ غرس الأشجار النافعة, عمل صالح, فاجعلوا لكم منه نصيباً, وحافظوا على بيئتكم ونظافتها, جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.