الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
والبخل: هو منع ما يجب, وما ينبغي بذله, ويشمل كل بر ومعروف مالاً أو غيره. قال ابن حجر: "البخل: منع ما يُطلب مما يقتنى، وشره ما كان طالبه مستحقاً، ولا سيما إن كان من غير مال المسؤول", وقال القرطبي: "البخل المذموم في الشرع: هو امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله -تعالى- عليه". وأشد البخل الشح، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون), قال الرازي: "الشح هو البخل مع حرص"...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
عباد الله: صفة ذميمة من أسوأ الصفات التي يكرهها الناس، تدل على ضعف العقل, وهي آفة عظيمة لا تجتمع مع الإيمان، تؤخر صاحبها عن صفات الأنبياء والصالحين؛ إنها صفة البخل والشح.
والبخل هو منع ما يجب, وما ينبغي بذله, ويشمل كل بر ومعروف مالاً أو غيره. قال ابن حجر: "البخل: منع ما يُطلب مما يُقتنى، وشرّه ما كان طالبه مستحقاً، ولاسيما إن كان من غير مال المسؤول", وقال القرطبي: "البخل المذموم في الشرع: هو امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله -تعالى- عليه".
وأشد البخل الشح، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)[الحشر: 9], قال الرازي: "الشح هو البخل مع حرص".
عباد الله: وحسب البخل أن الله ذمه وتوعد أهله بالعقوبات العاجلة والآجلة؛ كما في قوله -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[آل عمران:180].
والبخل سمة لليهود لا تليق بالمؤمنين بالكريم المعبود, قال -تعالى- عنهم: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)[النساء: 53]، قال الإمام الشوكاني: "البخل قد لزم اليهود لزوم الظلّ للشمس، فلا ترى يهودياً، وإن كان ماله في غاية الكثرة، إلا وهو من أبخل خَلق الله".
وهي صفة في المنافقين, قال -تعالى- عنهم: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ)[الأحزاب: 19], قال الطبري: "إن الله وصَف هؤلاء المنافقين بالجبن والشح، ولم يخصص وصفهم من معاني الشح بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به؛ أشحة على المؤمنين بالغنيمة والخير والنفقة في سبيل الله، على أهل مسكنة المسلمين".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح...", قال ابن حجر: "فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم, حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى, ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره, ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير, وليس المراد وجود أصل الشح لأنه لم يزل موجودًا".
أيها المؤمنون: ويتجلى الشح في صور ومظاهر كثيرة؛ فمن ذلك:
الشح بفعل الواجبات والقيام بالطاعات التي افترضها رب البريات -سبحانه- كما جاء في صحيح الإمام البخاري قَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَن آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلَم يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ, ثم يَأخُذُ بِلِهزِمَتَيهِ -يَعني شِدقَيهِ- ثم يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنزُكَ", وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "تَأتي الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيرِ مَا كَانَت إِذَا هُوَ لم يُعطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخفَافِهَا, وَتَأتي الغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيرِ مَا كَانَت إِذَا لم يُعطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظلافِهَا وَتَنطَحُهُ بِقُروُنِهَا".
ومن مظاهر البخل والشح: حرمان المساكين والفقراء من الحق الذي أرشد إليه رب الأرض والسماء وأكد عليه سيد الأنبياء بقوله: "مَا مِن ذِي رَحِمٍ يَأتي ذَا رَحِمِهِ, فَيَسأَلُهُ فَضلاً أَعطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ فَيَبخَلُ عَلَيهِ, إِلاَّ أَخرَجَ اللهُ لَهُ مِن جَهَنَّمَ حَيَّةً يُقَالُ لها شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ فَيُطَوَّقُ بِهِ"(صحيح الترغيب).
كما أن من المظاهر: ترك الإنفاق في سبيل الكريم الخلاق وواهب الأرزاق؛ كما قال معاتبا لثلة من الناس: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد:38].
ومن مظاهر ذلك: عدم إعانة الناس على قضاء حوائجهم، والغفلة عن فضل ذلك، وقديما، كانت العرب تقول: "أَبخَلُ النَّاسِ مَن بَخِلَ بِجَاهِهِ", وقَالَ الشَّافِعِيُّ:
وَأَدِّ زَكَاةَ الجَاهِ فَإِنَّهَا | كَمِثلِ زَكَاةِ المَالِ تَمَّ نِصَابُهَا |
ومن مظاهر البخل وعلامات الشح: ترك الصلاة على الحبيب -صلى الله عليه وسلم- عند ذكره: "البَخِيلُ مَن ذُكِرتُ عِندَهُ فَلَم يُصَلِّ عَلَيَّ"(الترمذي).
ومن المظاهر -أيضا-: عدم السلام على الناس عند اللقاء بهم؛ كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَبخَلَ النَّاسِ مَن بَخِلَ بِالسَّلامِ"(صحيح الترغيب).
وأشد مظاهر البخل: بخل الإنسان على نفسه, قال ابن قدامة المقدسي: "وأشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يُمسِك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل".
إخوة الإيمان: عواقب البخل وخيمة ونتائجه مريرة, قَالَ -تَعَالى-: (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)[التوبة: 76-77]؛ فمن آثاره السيئة على صاحبه:
حرمان الجنة وولوج النار -والعياذ بالله-؛ كما قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[الليل: 10] [الليل:8-10]. قَالَ ابنُ القَيِّمِ: "وَالتَّيسِيرُ لِلعُسرَى يَكُونُ بِأَمرَينِ: أَحَدُهُمَا: أَن يَحُولَ بَينَهُ وَبَينَ أَسبَابِ الخَيرِ, فَيُجرِيَ الشَّرَّ عَلَى قَلبِهِ وَنِيَّتِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ, وَالثَّاني: أَن يَحُولَ بَينَهُ وَبَينَ الجَزَاءِ الأَيسَرِ, كَمَا حَالَ بَينَهُ وَبَينَ أَسبَابِهِ".
كما أن من آثاره وأضراره: الهلاك ونزول العقوبة, قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "ثَلاثٌ مُهلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ, وَهَوًى مُتَّبَعٌ, وَإِعجَابُ المَرءِ بِنَفسِهِ" (النسائي), وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم؛ حَمَلَهُم عَلَى أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُم وَاستَحَلُّوا مَحَارِمَهُم"(رواه مسلم).
ومن الأضرار والآُثار كذلك: فقدان محبة الملك الديان, قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يحب كل مختال فخور، والبخيل المنَّان، والتاجر أو البائع الحلَّاف" (صححه الألباني).
قال الإمام ابن القيم: "لما كان البخيل محبوسًا عن الإحسان ممنوعًا عن البر والخير كان جزاؤه من جنس عمله؛ فهو ضيِّق الصدر ممنوع من الانشراح, ضيِّق العطن صغير النفس, قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن, لا يكاد تُقضَى له حاجة ولا يُعان على مطلوب, فهو كرجل عليه جُبَّة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه, بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها, وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها, وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو".
ومن أضراره: العذاب الأليم يوم القيامة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة: 34-35].
أقول ما سمعتم وأستغفر الله؛ فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
أيها المسلمون: ذلك هو البخل, وتلك هي أضراره وعواقبه؛ فحري بكل عاقل أن يطهِّر نفسه منه, ولذا فهناك أمور معينة على التخلص من البخل؛ فمن ذلك:
أولاً: حسن ظن العبد بربه ومولاه، وقد قيل: "قلة الجود سوء ظن بالمعبود".
ثانياً: مجاهدة النفس بفعل ما يضادّ البخل, قال ابن القيم: "فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل, كالحجام يستخرج منك الدم المهلك".
ثالثاً: عدم التصديق بالوعد الكاذب للشيطان الرجيم؛ كما في قول الحق -تبارك وتعالى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)[البقرة: 268].
رابعاً: الاستعاذة بالله من البخل, وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من البخل".
خامساً: النظر في عواقب أهل الحرص على المال, ثم ماتوا وتركوا ما جمعوا للورثة يتقاسمونه بينهم, وهم يُعذَّبُون على بخلهم وإمساكهم في الآخرة.
فلا الجودُ يُفني المالَ قبل فنائهِ | ولا البخلُ في مالِ الشحيحِ يزيدُ |
سابعاً: قراءة سير البخلاء ومعرفة أحوالهم ونظرة الناس لهم.
وآمرةً بالبخلِ قلتُ لها اقْصِري | فليسَ إِلى ما تأمرينَ سبيلُ |
أَرى الناسَ خلانَ الجوادِ ولا أرى | بخيلاً له في العالمينَ خليلُ |
فإِني رأيتُ البخلَ يزري بأهِله | فأكرمْتُ نفسي أن يقالَ بخيلُ |
فلنطهر نفوسنا من هذا الداء المهلك؛ فإن من المعايب التي كان العرب ينفرون منها أن يقال على المرء "أنه بخيل".
وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].