البحث

عبارات مقترحة:

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

المسارعة في الخيرات

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الحث على المسارعة في الخيرات .
  2. الدنيا ميدان سباق للآخرة .
  3. استغلال العمر في طاعة الله قبل الرحيل للآخرة .

اقتباس

أيها المؤمنون: في القرآن الكريم آياتٌ عديدة تشتمل على الحث على المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، والتنافس في العبادات، وعدم تفويت فرصة العمر الثمينة، وأوقات الحياة العظيمة، وأن الواجب على المسلم أن يكون سبَّاقًا مسارِعًا منافسًا، لا أن يكون متقاعسًا متباطئًا متكاسلا. وعمر الإنسان وصحته وعافيته فرصة ثمينة ليكون من المسابقين المسارعين، ومن الخسران العظيم تفويت فرصة العمر من أن تُستغل في...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليه، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ: أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

وتقوى الله -جلَّ وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون: في القرآن الكريم آياتٌ عديدة تشتمل على الحث على المسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، والتنافس في العبادات، وعدم تفويت فرصة العمر الثمينة، وأوقات الحياة العظيمة، وأن الواجب على المسلم أن يكون سبَّاقًا مسارِعًا منافسًا، لا أن يكون متقاعسًا متباطئًا متكاسلا؛ يقول الله -عز وجل-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133]، ويقول جل وعلا: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 21]، وقال جلَّ وعلا عن الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 90]، وقال جل وعلا عن المؤمنين الكمَّل: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[المؤمنون: 61]، ويقول جل وعلا: (وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26] ويقول جل وعلا: (فَاسْتَبقُوا الْخَيْرَاتِ)[البقرة: 148]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

عباد الله: ومن يتأمل هذه الآيات يستبين من خلالها أن هذه الحياة الدنيا ميدان سباق ومضمار منافسة، وأن السبَّاقون من عباد الله -عز وجل- هم المسارعون إلى الطاعات المبادرون إلى العبادات، لا تسويف ولا كسل، ولا تواني ولا تباطؤ.

أيها المؤمنون: عمر الإنسان وصحته وعافيته فرصة ثمينة ليكون من المسابقين المسارعين، ومن الخسران العظيم تفويت فرصة العمر من أن تُستغل في الخير والغنيمة؛ روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل وهو يعظه: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وغناك قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"؛ فاغتنام هذه الفرص -يا معاشر العباد- هو مطلب الكمَّل من عباد الله، وأما من لا يدرك قيمة الحياة فإنه يضيَّع فرصة الشباب وفرصة القوة وفرصة الصحة والغنى، فيضيُّعها في غير الطاعة، بل يمضيها في الإهمال والإضاعة، روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "قَامَ حُذَيْفَةُ بن اليمان بِالْمَدَائِنِ فَخَطَبَ الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)[القمر: 1] ثم قال: "أَلَا إِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَذِنَتْ بِالْفِرَاقِ، أَلَّا وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمُ، وَإِنَّ السِّبَاقَ غَدًا" أي يوم القيامة "وَإِنَّ السَّابِقَ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْجَنَّةِ".

أيها المؤمنون: وفُرَص المواسم العظيمة في هذه الحياة الدنيا مغنمٌ لعباد الله الصالحين وأوليائه المقربين؛ فإنهم يعدُّون لها عدتها ويعرفون لها قدرها ومكانتها وقيمتها، وها هي -عباد الله- أيام وليالي خير الشهور قد آذنت بدخول، يقول عليه الصلاة والسلام: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ".

ألا ما أعظمها من أيام! وما أجلَّها من ليال! ينبغي على عبد الله المؤمن أن يكون حسَن الاستقبال لها، حسَن التهيؤ والاستعداد، مسارعًا إلى الخيرات، منافسًا في الطاعات، مسابقًا إلى العبادات.

نسأل الله -جل وعلا- أن يبلغنا أجمعين رمضان، وأن يغنِّمنا خيراته وبركاته العظام، وأن يعيننا فيه على التنافس في الطاعات والمسابقة إلى العبادات، وأن يعيذنا أجمعين من العجز والكسل إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه في السر والعلانية، والغيب والشهادة مراقبة من يعلمُ أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه.

أيها المؤمنون: إن عمر الإنسان مهما طال وامتد فهو قصير، والموت -أيها العباد- يأتي بغتة، ولا تدري نفسٌ ماذا تكسب غدا، ولئن كانت الأيام الشريفة الفاضلة تدنو من العباد فقد يُحال بين المرء وبينها؛ فعلى العبد المؤمن إذا أصبح أن لا ينتظر المساء، وإذا أمسى أن لا ينتظر الصباح، وأن يأخذ من صحته لمرضه، ومن شبابه لهرمه، ومن حياته لموته، وأن يتقي الله -جل في علاه- ليكون سالمـًا غانمًا يوم يلقى الله -جل وعلا-، قال علي -رضي الله عنه-: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ".

واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدى هُدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمَّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، وأعنه على طاعتك، وسدده في أقواله وأعماله يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.