البحث

عبارات مقترحة:

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الورود على الحوض

العربية

المؤلف محمد ابراهيم السبر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. عقيدة أهل السنة وأهل البدعة في الحوض .
  2. أحاديث متواترة تثبت الحوض .
  3. الحوض منة على رسوله في الآخرة .
  4. ماهية الحوض وحقيقته وأوصافه .
  5. أناس يمنعون من ورود الحوض .
  6. أسباب ورود الحوض .

اقتباس

إنها صفات عجيبة تسلب الألباب، وتثير الايمان، وتجدد العهد مع الله، والمؤمن الصادق إذا سمع بمثل هذه الأحاديث عن الحوض، اشتاقت نفسه إليه، وعملت كل ما تستطيع حتى تشرب منه، شربة هنيئة لا تظمأ بعدها أبداً..

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق تقاته: (وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

عباد الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بالحوض المورود في عرصات يوم القيامة، وهو حوض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد جاء في الحديث أنَّ لكلِّ نبيٍّ حوضاً يرده المؤمنون من أمته، لكنَّ أعظمها وأكبرها وأكثرها واردًا حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ترد عليه أمته يوم القيامة.

وقد أنكرت المعتزلة والخوارج الحوض، وقولهم مردود بدلالة النَّص، والإجماع على ثبوت الحوض، وأنكر بعض أهل البدع الحوض ومنهم العقلانيين، الذين يُخضِعون نصوص الشريعة لعقولهم، ويخالفون الوحي بآرائهم وعقولهم.

والأحاديث الواردة في ذكر الحوض كثيرة مستفيضة تبلغ حَدَّ التواتُرِ، رواها أكثر من خمسين صحابياً، وقد ذكر ابن حجر أسماء رواة أحاديثه من الصحابة -رضي الله عنهم- وممن استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في آخر تاريخه "البداية والنهاية" إذا أذن الله للأجساد الميتة أن تبعث مرة أخرى يوم القيامة، خرج الناس من القبور، مغبرّة رؤوسهم، حافية أقدامهم، عارية أجسادهم فيحشرون في الموقف، والشمس تكون قريبة من رؤوسهم بقدر ميل، فيصيبهم من العطش ما يصيبهم، وهم أحوج ما يكونون الى شربة ماء يروون بها ظمأهم، فيكون هناك الحوض في أرض المحشر يَرِدُ عليه من أجاب النبي  واتَّبعه من أمَّته حقيقةً، وهم المؤمنون والمسلمون، أو ظاهرًا وهم المنافقون، فيُورَد المؤمنون ويُطرَد المنافقون والمرتدُّون.

الحوض منّة الله على رسوله في الآخرة، قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)[الكوثر: 1]، والكوثر نهر في الجنة، يصب منه ميزابان يشخبان في حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ابن حجر: "وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة ليصب فيه الماء من النهر الذي داخلها"، فهناك فرق بين الكوثر والحوض؛ فالكوثر نهر في الجنة، والحوض في أرض المحشر.

ثم إن الكوثر نهر عظيم جارٍ فهو أصل، والحوض مجمع ماء وهو فرع عن الكوثر؛ لأنه يصب في الحوض ميزابان، وقد جاء في صحيح مسلم أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الكوثر: "نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ حَوْضٌ".

واختلف في موضع الحوض، هل هو قبل الصراط أم بعده، والراجح -والله أعلم- أنه قبل الصراط؛ لأنه يُذاد عنه أقوام؛ فالكافر لا يُجاوز الصراط بل يُكب على وجهه في النار؛ حيث إنه لا يعبره إلا من يدخل الجنة، وهذا رجحه ابن كثير والقرطبي والغزالي.

ويخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير ما حديث عن صفة هذا الحوض المورد؛ ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ؛ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا"، وفي لفظ لمسلم: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ الْوَرِقِ"، ولمسلم: "ماؤه أشدُّ بَياضًا من اللبن، وأحلى من العسَل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهرٌ، وعرضه شهرٌ، مَن يشرب منه لا يظمَأ بعدها أبدًا"، ولمسلم أيضًا: "يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ؛ أَحَدُهُمَا: مِنْ ذَهَبٍ، وَالآخَرُ مِنْ وَرِقٍ"(أي: من فضة "ويَغُتُّ" أي يصب.

فالحوض المورود للنبي -صلى الله عليه وسلم- يرده المؤمنون من أمته ومن شرب منه لم يظمأ أبدا ، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك.

ومَنْ يشرب منه لا يظمأ أبدا، يصب فيه: ميزابان من الجنة أحدهما: من ذهب، والآخر من فضة.

فسبحان الخالق الذي لا يُعجزه شيء.

إنها صفات عجيبة تسلب الألباب، وتثير الايمان، وتجدد العهد مع الله، والمؤمن الصادق إذا سمع بمثل هذه الأحاديث عن الحوض، اشتاقت نفسه إليه، وعملت كل ما تستطيع حتى تشرب منه، شربة هنيئة لا تظمأ بعدها أبداً.

الحوض يقف عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة ويوضع عليه منبره الذي كان يخطب عليه في الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: "ومنبري على حوضي"(رواه البخاري) فتأمل ذلك الجلال والجمال وتلك المعاني التي تزيد المؤمن إيماناً.

الحوض موعد أهل الإيمان مع نبيهم وشفيعهم -صلى الله عليه وسلم- ومأواهم قبل دخول الجنة الحوض يُروى عنده الظمأى ويَأمن عنده الخائفون، ويَسعد عنده المحزونون، وهو بداية فرح المؤمن في الآخرة؛ لأنه لا يرده إلاّ وقد نجى من هولٍ عظيم وكربٍ جسيم.

نسأل الله من فضله ورحمته.

الحوض منّة عظيمة لأهل الإيمان ليواصلوا به الشرب الحسي كما شربوا في الدنيا الشرب المعنوي من الاهتداء والاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، ولا يشرب ذلك الشرب الحسي في عرصات القيامة إلا من شرب الشرب المعنوي في الدنيا، وإلا فإنه يذاد عنه ويطرد جزاءً وفاقاً.

فهناك أناس يطردون ويذادون عن الحوض؛ فعن أبي مليكة -رضي الله عنه- عن أسماء -رضي الله عنها- أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي، وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ" فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا"(رواه البخاري)، وفي لفظ لمسلم عن أم سلمة -رضي الله عنها-: "فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا".

ونقول كما قال ابن أبي مليكة -رضي الله عنه-: "اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن في ديننا، أو نحدث فيه ما ليس على أمر رسولنا -صلى الله عليه وسلم-".

ومنهم هؤلاء؟ ولماذا يطردون ويذادون عن الحوض المورد؟ قال النّووي -رحمه الله-: "قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والرَّوافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في جور، وطمس الحق والمعلنون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر والله أعلم".

وقال القرطبي -رحمه الله-: "قال علماؤنا -رحمة الله عليهم أجمعين- فكل من ارتدَّ عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، وأشدهم طردًا من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها، والرَّوافض على تباين ضلالها… وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم، وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي".

فماذا أعددّنا للورود على الحوض وماذا أعددّنا للقيا نبينا وشفيعنا -صلى الله عليه وسلم- على الحوض الذي لا يرده إلا المؤمنون الصادقون المتمسكون بسنته -صلى الله عليه وسلم-.

أما أهل البدع والضلالات والردة والإحداث في الدين فهم مطرودون عن الحوض؛ لأنه يقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".

فاحذر -أخي المسلم- من البدع وأهلها، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ومن شؤم البدع: أن الله حجب التوبة عن صاحبها كما ورد بذلك الحديث، و "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

اللهم نسألك شربة هنيئة من حوض نبينا لا نظمأ بعدها أبداً.

اللهم ارزقنا شفاعته واحشرنا في زمرته.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واستمسكوا بلا إله إلا الله؛ فإنها العروة الوثقى، واحذروا المعاصي، فإن أجسامكم على النار لا تقوى.

واعلموا -عباد الله- أن لورود الحوض أسبابا، منها: التمسك بالكتاب والسنة، والثبات على ذلك، والبعد عن البدع المحدثة في الدين وكبائر الذنوب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"(رواه الحاكم في المستدرك).

ومن أسباب الورود : الصبر على ما يصيب المؤمن من نقص في الدنيا، والأثرة؛ فعن أبي يحيى أُسيد بن حضير -رضي الله عنه- أن رجلا من الأنصار قال: يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ فقال: "إنكم ستلقون بعدي أثرةً، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض"(متفق عليه).

يقول العلامة ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين": "يعني: اصبروا ولا تنابذوا الولاة أمرهم حتى تلقوني على الحوض، يعني أنكم إذا صبرتم فإن من جزاء الله لكم على صبركم أن يسقيَكم من حوضه -صلى الله عليه وسلم-... فأرشد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن يصبروا ولو وجدوا الأثرة، فإن صبرهم على ظلم الولاة من أسباب الورود على الحوض والشرب منه" أ. هـ.

والمحافظة على الوضوء سبيل للورود على الحوض، فعندما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحوض قال: "والذي نفسي بيده إني لأذود عنه كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه" قالوا: يا رسول الله أو تعرفنا؟ قال: "نعم، تردون علي الحوض غرًا محجلين من آثار الوضوء ليست لأحد غيركم"(رواه مسلم).