الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
لقد جعل الله هذا الدين ناسخاً لكل دين، فلا يقبل عند الله إلا الإسلام. ولقد مر على كل دين قبل الإسلام تحريف وتبديل، وجعل الله الحفظ لهذا الدين، فلا دين بعده كما لا نبي بعد نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-، فكل دين سوى الإسلام فهو باطل، ولا دين حق إلا الإسلام.
الخطبة الأولى:
أما بعد: أيها الناس: لقد خلق الله الخليقة كلها، وهداها لما خلقت له: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه: 50]، وكان من هدايته للبشر: أن يرسل لهم رسلاً يخرجونهم من الظلمات إلى النور.
ولقد تعاقبت القرون قرناً بعد قرن، والصراع بين الحق والباطل قائم، فأول من وطئ الأرض بقدميه من البشر هو: آدم -عليه السلام-، ومكث آدم حياً مع ذريته على التوحيد عشرة قرون، فقد كان عمر آدم ألف سنة كما صح به الخبر.
لما توفي دب الشرك في قوم نوح؛ فبعث الله نوحاً داعياً للتوحيد، ثم أغرق الله أهل الأرض بعد أن دعاهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم ينج إلا نوح ومن معه من المؤمنين في السفينة، ثم عاش الناس على التوحيد دهرا.
ثم لما مات نوح دب فيهم الشرك فأرسل الله الرسل تترا؛ كما قال الله -سبحانه-: (ثُمًّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ)[المؤمنون: 44].
والرسل والأنبياء كثر لا يعلم عددهم إلا الله؛ كما قال سبحانه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)[غافر: 78] فجاء نوح، ثم هود، ثم صالح، ثم إبراهيم، ولوط، ثم تناسلت الرسل من ذرية إسحاق، لا يعلمهم إلا الله؛ كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)[إبراهيم: 9 ].
وكان كل نبي أو رسول يرسل إلى قومه خاصة؛ حتى بُعث نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- من ذرية إسماعيل، وبعث إلى الناس كافة؛ كما قال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَآفَّةً لِلّنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)[سبأ: 28].
وأخبر بذلك عن نفسه؛ كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر، قال صلى الله عليه وسلم: "كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً"، وفي صحيح مسلم: "كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ"، فجاء نبينا -صلوات الله وسلامه عليه -ناسخا لكل دين، ولهذا بشرت به الأنبياء والرسل من قبله، وجاء ذكره في التوراة, والإنجيل؛ كما قال سبحانه: (وإذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81] فهذا الرسول هو نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-.
ولقد جعل الله هذا الدين ناسخاً لكل دين، فلا يقبل عند الله إلا الإسلام؛ كما قال سبحانه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]، وقال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)[آل عمران: 19].
ولقد مر على كل دين قبل الإسلام تحريف وتبديل، وجعل الله الحفظ لهذا الدين فلا دين بعده؛ كما لا نبي بعد نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- فكل دين سوى الإسلام فهو باطل، ولا دين حق إلا الإسلام.
عباد الله: إن أشهر ديانتين في هذا الزمن، وقد كانتا ديانة سماوية: اليهودية، والنصرانية، ولكنهما حُرِّفتا، فمن كان على اليهودية أو النصرانية الحقة قبل التحريف فهو من المسلمين ومن أدرك زمن النبوة، ولم يؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ويتابعه فهو كافر، ومن ابتغاها بعد بعثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو ضال كافر.
معاشر المسلمين: إنَّ الأديان الموجودة الآن في هذا الزمن كلها بدء باليهودية، ثم النصرانية وغيرهِما، كلها أديان باطلة لا يجوز الاعتراف بها، ولا نسبتها إلى الله؛ لأنها محرفة، ومالم يحرف منها، فهو منسوخ بدين الإسلام، كل دين غير الإسلام فهو باطل ومعتنقه كافر، لو مات مات على الكفر ومأواه جهنم خالدا فيها أبدا؛ كما قال سبحانه: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة: 72]، وأخرج مسلم في صحيح من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيُّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار".
فهل يحق لأحد أن يقول: إن اليهود والنصارى مؤمنون! ولهم دين سماوي! ولا يدخلون النار يوم القيامة!
إن قائل هذه العبارة يعد مرتدا عن الدين، خارجا من الملة، مكذبا لله ورسوله، فمن نواقض الإسلام التي ذكرها العلماء: أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم فهو كافر مرتد عن الدين -عياذاً بالله-
أتدري ما هي عقيدة اليهود والنصارى؟ كيف تحكم لهم بإيمان، وهذه عقيدتهم - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا-.
اللهم ارزقنا الاعتصام بالتوحيد، وَحُبَّ أهله يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيأيها المؤمنون: إن عقيدة التوحيد هي عقيدة الأنبياء والمرسلين كلِهم لا يختلفون فيها؛ كما قال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25 ] فعقيدة التوحيد، هي: أن تعتقد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته، كما لا شريك له في ألوهيته، كما لا شريك له في أسمائه وصفاته.
وأما عقيدة اليهود والنصارى اليوم فليست بعقيدة التوحيد، بل هي محرفة إلى الشرك بالله، والقول على الله بلا علم -تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا-.
عباد الله: سنتطرق في هذه الخطبة -بإذن الله -إلى عقيدة النصارى لنبين خبثها، وذلك لما راج بين الناس من الدعوة إلى التسامح، وحوار الأديان، والدعوة إلى نشر اليهودية والنصرانية والإسلام، وأنها كلها من عند الله، ضاربين بنصوص الوحيين عرض الحائط، وذلك لجهلهم بالدين واتباعهم الهوى.
فلابد من توضيح معنى التثليث الذي يؤمن به النصارى؛ وحيث إن النصارى مختلفون كثيرًا في تفسير التثليث، فإننا نسوق ما اتفق عليه جُلُّ النصارى، بل هو عقيدة إيمانهم التي اتفقوا عليها في مجمع "نيقية "سنة 325م، وهو أوضح نص في التثليث يقرِّون به، بل إن هذا النص هو مرجعهم في تأويل كتبهم المقدسة، ويفسرون به كلام أنبيائهم، يقول هذا النص: "أؤمن بإله واحد أبٍ ضابط الكل، خالقِ السموات والأرض، كلِ ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيحِ ابنِ الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور، ونور من نور، إله حق من إله حق، من جوهر أبيه، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر الذي كان به كل شيء، الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد من روح القدس، ومن مريم العذراء، وتأنس، وصلب، وتألم وقبر، وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب المقدسة، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الرب، أيضًا سيأتي بمجده ليدين الأحياء والأموات، الذي لا فناء لملكه، وبروح القدس الرب المحيي المنبثق من الأب، الذي هو مع الآباء الابن المسجود له"، فجماهير النصارى من الكاثوليك، والأرثوذكس، والبروتستانت، وعامة الكنائس الشرقية والغربية، يؤمنون بإله واحد مثلث الأقانيم وفق عقيدة إيمانهم السابقة؛ فمعبودهم له ثلاثة أقانيم، وهي ثلاث ذوات منفصلة اتَّحدتْ، وهي: الأب! والابن! وروح القدس!
وملخص عقيدتهم: أنهم ينسبون لله الولد! ويجعلونه إلها معه! فعقيدتهم عقيدة خبيثة مبنية على سب الله والإشراك معه! وقد قال الله -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)[البقرة: 116]، ولشناعة قولهم كفَّرَهم الله حيث يقول: (كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) [المائدة: 73]، وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة: 72].
ومن عِظم قولهم كادت بعض المخلوقات أن تتلاشى؛ كما قال سبحانه: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: 93 ].
فهل بعد هذا البيان بيان آخر؟
والله إن الحق لبين، ولكن رقة الدين في قلوب الناس، وحب الدنيا، وقلة تعظيم الله أودت بهم: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)[ المرسلات: 50].
عافانا الله وإياكم من عقائد السوء.
اللهم ارفع راية التوحيد في سائر بقاع الأرض يا رب العالمين.