المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أركان الإيمان |
يا لها من خاتمة حسنة -إن شاء الله- اصطفاهم الله لها، ختم لهم وهم في أطهر بقعة، وفي عصر الجمعة، في شهر حرام، وبعضهم متلبس بالاحرام، ويعتبرون -بإذن الله- شهداء؛ لأنهم يدخلون في حديث صاحب الهدم شهيد، فلا تنظر للمصيبة بأنها موت وحرمان من الحياة، ولكن...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله وسلموا لأمره، وارضوا بقضائه وقدره، فالخلق خلقه، والأمر أمره، يحكم مايشاء ويفعل مايريد، جل في علاه من إله خبير حكيم.
عباد الله: يقول جل في علاه: (إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس: 49].
ويقول: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) [الرعد: 38].
إن ما حدث في الحرم بداية هذا الأسبوع، من سقوط الرافعة على بيت الله الحرام، وما خلف من تلف في الأنفس والأموال، حدث جلل، وأمر فظيع، يحزن له المسلم، ويبكي عليه، غير أنه لا يقول إلا ما يرضي الرب.
وللمسلم في هذا الحدث عبرة وفكرة، نمر عليها عبر وقفات وتأمل.
الوقفة الأولى: أن قضاء الله نافذ، وقدره كائن، فمع كل الاحترازات والتحوطات والاستنفار، إذا جاء أمر الله زالت كل الأمور، وبقي حكم العلي القدير.
وهذا واضح في قوله صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك"[أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-].
وهذا يعطي العبد الثقة بالله، والتوكل عليه، وأنه لا راد لأمره سبحانه وتعالى.
فعجبي ممن ترك الحج هذا العام، وهو فرض عليه، خوفا من مرض كورونا، أو من سقوط رافعة أخرى، فهل يفرون من قدر الله؟ ألم يروا ذلك المقطع، وفيه ذلك الرجل الذي يمر بمكان سقوط تلك الرافعة ويتجاوزه، ثم يعود ليأخذ شيئا سقط منه، فتسقط عليه الرافعة؟ وتلك المرأة التي تلاعب ولديها، فاختطفتهم الرافعة من بين يديها.
إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، والله لو لم يأتوا للحرم لماتوا.
فلنتوكل على الله، ونفعل الأسباب، فكل شيء بقدر.
الوقفة الثانية: تناقل الناس لتلك الصور والمقاطع، وكل يسعى للسبق الصحفي، ولا فائدة من التناقل، فهي أخبار تسر العدو، وتسوء الصديق، والله يقول: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].
الوقفة الثالثة: مشاهدة قدرة الله العظيمة، فالريح جند من جند الله، يصرفها كيف يشاء، فتكون نعمة لقوم، ونقمة على آخرين.
في ثوان تهب الريح، فتقتلع ما أمامها، وتطير بالناس، وكأنهم أوراق الشجر، منظر مهيب، ونتذكر بذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك لما قال لأصحاب: إنها ستهب الليلة ريح شديدة، فلا يقومن أحد منكم إلا مع صاحبه، ومن كان له بعير فليوثق عقاله، قال: فهاجت ريح شديدة، ولم يقم أحد إلا مع صاحبه، إلا رجلين من بني ساعدة؛ خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعيره.
فأما الذي ذهب لحاجته، فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره، فاحتملته الريح فطرحته بجبلى طيئ، فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبرهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له؟" ثم دعا الذي أصيب على مذهبه فشفى.
وأما الآخر الذي وقع بجبلى طيئ، فإن طيئاً أهدته للنبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة [أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي حميد الساعدي].
(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر: 31].
اللهم اشملنا بعفوك، وعطفك يارب العالمين.
أقول قول هذا ...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: لا يزال حديثنا موصلا عن العبر المجنية من سقوط تلك الرافعة على بيت الله الحرام.
الوقفة الرابعة: يالها من خاتمة حسنة -إن شاء الله- اصطفاهم الله لها، ختم لهم، وهم في أطهر بقعة، وفي عصر الجمعة في شهر حرام، وبعضهم متلبس بالاحرام، ويعتبرون بإذن الله شهداء؛ لأنهم يدخلون في حديث صاحب الهدم شهيد، فلا تنظر للمصيبة بأنها موت وحرمان من الحياة، ولكن انظر كيف مات؛ لأن الأجل واحد، ولو اختلفت الطرق والأسباب.
من لم يمت بالسيف مات بغيره | تعدد الأسباب والموت واحد |
فالمريض لو لم يمرض لمات في وقته المحدد، ولكن الله يرحم بعض عباده فيبتليه قبل موته، ليرفع درجته في الجنة.
فأحب الله أن يبتليهم تكميلاً لفضائلهم لديه، ورفعة لدرجاتهم عنده، وليس ذلك في حقهم نقصاً ولا عذاباً، بل هو كمال رفعة، مع رضاهم بجميل ما يجري الله عليهم، فأراد الحق -سبحانه- أن يختم لهم بهذه الشدائد، مع إمكان التخفيف والتهوين عليهم، ليرفع منازلهم، ويعظم أجورهم قبل موتهم، كما ابتلى إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف والأسفار، وعيسى بالصحارى والقفار، ونبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالفقر في الدنيا، ومقاتلة الكفار، كل ذلك رفعة في أحوالهم، وكمال في درجاتهم.
ولا يفهم من هذا أن الله شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخلطين؛ فإن ذلك عقوبة لهم، ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا.
الوقفة الخامسة: قد يكون القدر في ظاهره شر محض، ولكنه في الحقيقة خير محض، ولكن الناس لا يعلمون، فالله -جل في علاه- له الحكمة البالغة في كل قدره، والتي قد يغيب عنها إدراك كثير من الناس.
فعلى العبد أن يرضى ويسلم لقدر الله، ويقول: قدر الله وما شاء فعل.
الوقفة السادسة: ما قامت به القيادة الرشيدة سددها الله من معاقبة المتسبب والتشديد عليهم وعلى أمثالهم من باب المحافظة على أرواح الناس وممتلكاتهم.
وكذلك ما قامت به من تعويض المتضررين مما يخفف الألم عليهم، كل ذلك من توفيق الله لقيادتنا المباركة، سدد الله على درب الحير خطاهم، فمثل هذا يذكر ليشكر أهله، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
اللهم سلم الحجاج والمعتمرين، وتقبل منهم ياكريم.
اللهم اغفر للمسلمين ...