البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

التحذير من الكذب

العربية

المؤلف محمود بن أحمد الدوسري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. داء الكذب والتنفير منها .
  2. أشنع وأفدح صور الكذب .
  3. غرس الصدق في نفوس الأبناء منذ الصغر وتنفيرهم من الكذب .
  4. تحريم الكذب ولو على سبيل المزاح .
  5. الوسائل الحديثة التي يتعلم منها الأولاد الكذب .
  6. حالات يباح فيها الكذب .

اقتباس

عباد الله: إنَّ الكذب رذيلة محضة، تُنبِأ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها، وقد تكون هناك أعذار لِمَنْ يَشعرون بوساوس المرض، أو الخوف عندما يقفون في ميادين التضحية والفداء في سبيل الله، والإنفاق من الأموال المُكتنزة، ولكن لا عُذرَ أبداً لِمَنْ يتَّخذون...

الخطبة الأولى:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.

الكذب من علامات النفاق، وما اجتمعت في مسلم إلاَّ كان مُنافقاً خالصاً؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ"(رواه البخاري ومسلم).

عباد الله: إنَّ الكذب رذيلة محضة، تُنبِأ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها، وقد تكون هناك أعذار لِمَنْ يَشعرون بوساوس المرض، أو الخوف عندما يقفون في ميادين التضحية والفداء في سبيل الله، والإنفاق من الأموال المُكتنزة، ولكن لا عُذرَ أبداً لِمَنْ يتَّخذون الكذبَ خُلُقاً، ويعيشون به على خديعة الناس، والتحايل عليهم بشتَّى الطرق الشيطانية، مُعتقدين بأن في ذلك الخير، مع أنه يحمل الشرَّ والهلكة لو كانوا يعقلون.

وما شـيءٌ إذا  فكَّرتَ فيه

بأذهَبَ للمروءةِ والجمالْ

من الكذب الذي لا خيرَ فيه

وأبعدَ للبهاءِ من الرجالْ

وسوف يجد الكذَّابُ في الآخرة عاقبةَ كذبِه وجزاءَه، فله الويل والعذاب الأليم، وفي حديث الإسراء والمعراج قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(رواه البخاري).

والكذب في دين الله -تعالى- من أقبح المُنكرات، وأول ذلك: نسبة شيء إلى الله -تعالى-، أو إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو لم يقله، يقول: قال الله -تعالى-، قال رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو بذلك كاذب! فهذا أقبح أنواع الكذب وأشده وأنكره وأفحشه، وعاقبته وخيمة وأليمة، ومع ذلك نجد بعضَ المسلمين لا يتورع من الوقوع في ذلك! -واللهُ تعالى- يُحرِّم ويُجرِّم هذا الفعل؛ كما في قوله سبحانه: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)[النحل: 116].

والرسولُ الكريم يُحذِّر من ذلك؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ"(رواه البخاري ومسلم)، وقال أيضاً: "يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لاَ يُضِلُّونَكُمْ وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ"(رواه مسلم).

أيها الإخوة الكرام: ينبغي علينا جميعاً أنْ نغرس فضيلةَ الصدق في نفوس أبنائنا، حتى يشبوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها، ونحذرهم من رذيلة الكذب.

وبعض الناس -للأسف- يُعوِّد أولاده على الكذب من نعومة أظفارهم؛ فإذا طَرَق أحدٌ عليه الباب؛ قال لابنه: قل: "أبي غير موجود!" يُلقِّنه الكذب، ثم يطلب من أولاده أن يصدقوا، ولا يكذبوا، فبئس الأب الكذاب، وبئس القدوة لأولاده.

وبعضهم يظن أن هذا الفعل من التوافه الهيِّنة، وما علم أنه يربِّي أولاده على الرذيلة، ويؤصل فيهم خُلُقَ الكذب من حيث لا يشعر.

ولنتأمل كيف كان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يحذِّر الآباء والأمهات من رذيلة الكذب على الصغار؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا، تَعَالَ أُعْطِيكَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟" قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا؛ كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ"(حسن، رواه أبو داود).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ: تَعَالَ هَاكَ، ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ؛ فَهِيَ كَذْبَةٌ"(صحيح، رواه أحمد).

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

أيها المسلمون: حرَّم الإسلامُ الكذبَ حتى في حال المزاح، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُمازح أصحابه ويُمازحونه، ويُداعب أهله ويُداعبونه.

وكلُّ ما كان يمزح به النبي -صلى الله عليه وسلم- كلمات ليس فيها كذب، ومن ذلك: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي؟ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ" قَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟! فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلاَّ النُّوقُ"(صحيح، رواه أبو داود).

وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: "يَا ذَا الأُذُنَيْنِ" قَالَ أُسَامَةَ الراوي: يَعْنِي: يُمَازِحُهُ"(صحيح، رواه الترمذي).

إذاً، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُمازج أصحابه ويُداعبهم، ولكن كان  لا يقول إلاَّ حقاً؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا؟ قَالَ: "إِنِّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا"(صحيح، رواه الترمذي).

أخي الكريم: قارن بين هذا، وما يحصل اليوم بين الناس في شأن المزاح، تجدْ أنهم ابتعدوا كثيراً عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهدي أصحابه -رضي الله عنهم أجمعين-.

ومن أخطر الأمور التي يتعلم منها أولادنا الكذب: المسلسلات، والقصص الخيالية الكاذبة، وأصدقاء السوء، وما يُبث في مواقع التواصل الاجتماعي من كذبٍ واستهزاءٍ، وسخريةٍ وافتراء.

دَعِ الكذبَ فلا يكن لك صاحِباً

إِنَّ الكذوبَ لَبِئْسَ خِلٌّ يُصْحَبُ

وكم يَحْدُث اليوم من الكذب في اختراع قصصٍ وحكايات لا أصل لها، ولا صحة لها؛ لأجل إضحاك الناس!

وقد صح الحديث بالتهديد للذي يَفْعل ذلك؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ؛ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ"(حسن، رواه أبو داود والترمذي).

عباد الله: هناك حالات يُباح فيها الكذب للضرورة، وفي بعض المواطن التي تُرجح فيه المصلحة؛ كإنقاذ نفسٍ بريئة من القتل، كما يُباح الكذب على الأعداء في الحرب لخداعهم، وكذا في الإصلاح بين الناس، وفي حديث الرجل لزوجته، والدليل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ"(حسن، رواه الترمذي).

وفي رواية: "لاَ أَعُدُّهُ كَاذِبًا؛ الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، يَقُولُ الْقَوْلَ وَلاَ يُرِيدُ بِهِ إِلاَّ الإِصْلاَحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ فِي الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا"(صحيح، رواه أبو داود).