الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الجمعة |
إن يوم الجمعة أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلها شرفًا، وأكثرها فضلاً، فقد اصطفاه الله -تعالى- على غيره من الأيام، وفضَّله على ما سواه من الأزمان، واختص الله -عز وجل- به أمة الإسلام، فقد ضلت عنه اليهود والنصارى، وهدى الله -تعالى- أمة الإسلام إليه تشريفًا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: فضَّل الله -عز وجل- بعض مخلوقاته على بعض؛ اصطفاءً منه واختيارًا، وتشريفًا وتكريمًا (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ)[القصص:68]، وإن مما فضل الحق -عز وجل- من مخلوقاته، تفضيله بعض الأيام على بعض، وجعلها موسمًا لإفضاله وإنعامه، ومتَّجرًا لأوليائه وأصفيائه، يغتنمونها بما يقربهم إليه -تعالى-، ويدنيهم من رحمته ورضوانه.
إن يوم الجمعة أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلها شرفًا، وأكثرها فضلاً، فقد اصطفاه الله -تعالى- على غيره من الأيام، وفضَّله على ما سواه من الأزمان، واختص الله -عز وجل- به أمة الإسلام، فقد ضلت عنه اليهود والنصارى، وهدى الله -تعالى- أمة الإسلام إليه تشريفًا وتكريمًا لها ببركة نبيها -صلى الله عليه وسلم- الذي نالت بيُمْن رسالته كل خير وفضيلة.
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة".
فيوم الجمعة سيد الأيام كلها، خصه الله -تعالى- بخصائص عظمى، وشرَّفه بمزايا كبرى، ليست لغيره من الأيام، وندَب الله -عز وجل- العباد إلى اغتنام ما فيه من الفضائل والمسارعة إلى ما خص به من الطاعات.
عباد الله: وفضائل يوم الجمعة ومزاياه كثيرة لا تُعد، نذكِّر ببعض منها:
الفضيلة الأولى: أنه سيد الأيام وأفضلها: فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي لبابة البدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله -عز وجل- فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفَّى اللهُ آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة".
الفضيلة الثانية: أن فيه ساعة يستجيب الله فيها الدعاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه"، وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر".
وقد روى أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "التمسوها آخر ساعة بعد العصر".
الفضيلة الثالثة: عظم أجر تلاوة سورة الكهف؛ فمما شرع من العبادات في هذا اليوم: قراءة سورة الكهف، ففي الحديث عند النسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين الجمعتين".
الفضيلة الرابعة: الترغيب في كثرة الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعظم أجرها؛ فإن من أفضل الأعمال الصالحة يوم الجمعة وليلتها: الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- ، فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عن أوس بن أوس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ".
وروى البيهقي وغيره بإسناد حسن عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة".
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام؛ فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله -تعالى- بطلباتهم وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء قليل من حقه -صلى الله عليه وسلم- أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته، وقد قال الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]".
الفضيلة الخامسة: أداء صلاة الجمعة؛ فهي من أعظم ما شرع الله -تعالى- في هذا اليوم المبارك، ومن أجلّ خصائصه، ومن أعظم الصلوات قدرًا، وآكدها فرضًا، وأكثرها ثوابًا.
وقد أولى الإسلام صلاة الجمعة مزيد عناية، وبالغ رعاية، فحث على الاغتسال لها، والتنظف والتطيب، وقطع الروائح الكريهة، والخروج إليها بأحسن لباس وأكمل هيئة، والتبكير في الخروج إليها، والدنو من الإمام، واستجماع القلب للاستماع للموعظة والذكر.
ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وروى أبو داود والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "احضروا الجمعة، وادنوا من الإمام، فإن الرجل ما يزال يتباعد حتى يُؤَخَّر في الجنة وإن دخلها".
ومما ينبغي على المسلم -عباد الله- الحذر منه أن يجتنب التشويش على الحاضرين برفع الصوت بالذكر أو التلاوة، فقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله للصحابة حينما علَت أصواتهم بالقراءة: "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"، والأسوأ من ذلك أن يحصل التشويش بالحديث مع الغير في أمور الدنيا، ولاسيما أثناء الخطبة، فإن من الحرمان وقلة البصيرة أن ينشغل المرء عن الخطبة بحديث أو عبث بحصى أو غيره، فيفوته بذلك ثواب الجمعة وفضلها، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من ذلك: "من مس الحصى فقد لغا"(رواه مسلم).
وروى أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت"؛ فعلينا التأدب بآداب الجمعة والالتزام بأحكامها لنظفر بحسن ثوابها وعظيم أجرها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
عباد الله: إن من كبائر الذنوب أن يتخلف المسلم عن حضور الجمعة من غير عذر شرعي، فقد شدَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من ذلك مبينًا -صلى الله عليه وسلم- أن من فعل ذلك فقد عرض نفسه للإصابة بداء الغفلة عن الله والطبع على قلبه، ومن طبع الله على قلبه عميت بصيرته وساء مصيره، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".
وروى الإمام أحمد بإسناد حسن، والحاكم وصححه عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه"، نسأل الله السلامة والعافية.
وعليك -أيها المسلم- إذا حضرت المسجد أن تشتغل بالعبادة والطاعة من صلاة وذكر وتلاوة للقرآن، حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام أصغيت واستمعت للخطبة، متعظًا بما يكون فيها من آيات تتلى، وأحاديث تروى، تذكر بالله -تعالى- والدار الآخرة، وتدعو إلى التمسك بتعاليم الشرع المبين، والحث على ما فيه خير وصلاح للفرد والأمة، في العاجل والآجل، ثم تؤدي الصلاة بخشوع وسكينة، وتدبر لما يتلى فيها من كلام الله -عز وجل-، وما يكون فيها من هيئات الذل والعبودية لله -تعالى-، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام"(رواه مسلم).
ولتحذر عن كل ما نهى عنه الشرع وحذَّر، مما يكون سببًا في فوات أجر الجمعة أو نقصان ثوابها كالتأخر في الذهاب إليها حتى يخرج الإمام، أو إشغال المصلين بتخطي رقابهم، فقد رأى -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب يوم الجمعة رجلاً يتخطى رقاب الناس، فقال له -صلى الله عليه وسلم- منكرًا عليه: "اجلس فقد آذيت وآنيت".
فاتقوا الله -عباد الله- واغتنموا يوم الجمعة بجلائل الأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله -تعالى-، وتدنيكم من رحمته ورضوانه، فإن ذلك من أسباب الفلاح والتوفيق في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
نسأل الله أن يرزقنا تقواه ورضاه، وينجينا من سخطه وعقابه وشر عباده.
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله...