البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

ثلاثة أعاجيب بجسمك

العربية

المؤلف راشد البداح
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. حث الإنسان على التفكر في نفسه .
  2. جهاز المناعة والخطوط الدفاعية في جسم الإنسان .
  3. المعدة لدى الإنسان وما فيها من بديع صنع الله .
  4. الفم وما فيه من عجائب خلق الله .
  5. مدح الخالق والثناء عليه .
  6. بعض الوسائل المعينة على تعظيم الله .

اقتباس

الدَّمُ بجنودِه من الكرياتِ البيضاءِ، وعددُ هذه الكرياتِ جيشٌ عرمرمُ جرارٌ قوامُه خمسةٌ وعشرون مليونِ كريةٍ في أيّامِ السِّلمِ، ويتضاعفُ هذا العَددُ في حالِ الاستنفارِ ليصلَ إلى مئاتِ الملايينِ في حالِ القتالِ. إنها خلايا الدمِ البيضاءُ التي...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ ربِّنا تعاظمَ ملكوتُه فاقتدرَ، وتعالى جبروتُه فقهرَ. أشهدُ أن لا إلهَ إلا هو وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُه ورسولُه، أعرفُ الخلق بربه وأخشاهُم له، صلى اللهُ وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، إلى يوم لقاه.

أما بعدُ: فإن مَن (يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: 4].

لنرحلِ الآنَ رحلةً عجيبةً، رحلةً إلى داخلِ أجسامنا، لنتفكرَ في عجيبِ خلقِ ربِنا، ولِنمتثلَ قولَه سبحانَه: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الذاريات: 21].

فلننطلقِ الآنَ بأولِ الرحلةِ لنبصرَ أن المولى -جَلَّ وعلاَ- خصَّ جسمَ الإنسانِ بجهازِ مناعةٍ يتكون من خطوطِ دفاعٍ ثلاث، وهي أجهزةٌ بالغةُ الدقّةِ.

وأولُ هذه الخطوطِ: الجلدُ، وهو درعٌ سابغةٌ على البدنِ تَرُدُّ عنه الجراثيمَ والأذى.

ويُعدُّ الجلدُ في الجسمِ بمثابةِ وزارةِ الخارجيةِ تنقلُ كلَّ التغيّراتِ الخارجيةِ المُحيطَةِ بالجسم، من انخفاضٍ للحرارةِ أو ارتفاعِها أو جفافٍ أو رطوبةٍ أو لسعِ مؤذٍ أو لذعِ نار.

وأما خطُّ الدفاعِ الثاني فهي: أجزاءٌ تقي من الأجسامِ الغريبةِ أو الضارةِ؛ فالعينُ مثلاً خُصَّتْ بثلاثِ واقيات: الأهدابِ والأجفانِ والدمعِ.

وأمّا خطُّ الدفاعِ الثالثُ فهو: الدَّمُ بجنودِه من الكرياتِ البيضاءِ، وعددُ هذه الكرياتِ جيشٌ عرمرمُ جرارٌ قوامُه خمسةٌ وعشرون مليونِ كريةٍ في أيّامِ السِّلمِ، ويتضاعفُ هذا العَددُ في حالِ الاستنفارِ ليصلَ إلى مئاتِ الملايينِ في حالِ القتالِ.

إنها خلايا الدمِ البيضاءُ التي أدهشت العلماءَ في توزيعِها الأدوارَ القتاليةَ على أفرادِها؛ لمحاربةِ أيِّ جسمٍ غريبٍ تجاوزَ خطوطَ الدفاعِ الأولى والثانيةِ، ثم تلتهمُه، ثم تأتي خلايا لاقمةٌ لتنظيفِ ساحةِ المعركةِ من بقايا جثثِ الأعداءِ، ليعودَ الدمُ كما كان نقياً سليماً: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين: 4].

أعجوبة ثانية؛ هذه المعدةُ لها فوهةٌ مُحكمةُ الإغلاقِ لئلا تخرجَ السوائلُ الحمضيةُ فتزعجَك، وحينما يتقيأُ الإنسانُ يشعرُ بحرقةٍ لا تُحتمَلُ، إنها حمضُ كلورِ الماءِ، فلئلا يخرجَ هذا الحمضُ إلى المريءِ فيزعجَ الإنسانَ كانتِ الفوهةُ مُحكمَةَ الإغلاقِ؛ لأجلِ أنْ تأكلَ، وتشربَ، وتتنفسَ، وتنامَ، وتزدردَ اللعابَ في الليلِ، وتهضمَ الطعامُ بالمعدةِ دونَ تنغيصٍ أو تعبٍ أو ألمٍ! مَن رَتَّبَ هذا؟ مَن أتقنَ هذا؟ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين: 4].

أعجوبةٌ ثالثة؛ في فمِكَ شُرْطِيُّ مرورٍ يعملُ منذُ خرجتَ من بطنِ أمِّك، لا يَكَلُّ ولا يمَلُّ، يعملُ ليلاً نهاراً في اليقظةِ والمنامِ.

إنه اللسانُ الذي يقومُ بأخطرِ عملٍ على حياتِك، فلو أنّ نصفَ كأسٍ من الماءِ دخلَ خطأً في القصبةِ الهوائيةِ إلى الرئتين لماتَ الإنسانُ اختناقاً بعد خمسِ دقائقَ.

فهل تفكرتَ كيف تبلعُ اللقمةَ، وكيفَ تبتلعُ لعابَك لا شعوريًا؟!

فحينما تبلَعُ اللقمةَ تأتي اللهاةُ، وتغلقُ طريقَ الأنفِ، ويأتي اللسانُ، ويغلقُ الحَنجرةَ، وأيضًا يجتمعُ اللعابُ في فَمِكَ، فيبتلعُه لسانُك تلقائيًا، وينتقلُ اللعابُ إلى المريءِ.

والأعجب: أن هذا يجري وأنت نائمٌ، ولكنَّ ربَك المتعالَ يحفظُك في نومِك: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ)[الرعد: 11].

فسبحانكَ ربَنا ما أعظمَك، وعلى من عصاكَ ما أحلمَك، سبحانكَ ما قدرناكَ حق قدرِك.

عبادتُنا لك شرف، والذلُّ لك عزّة، والافتقارُ إليك غنى، والتمَسْكنُ لك قوة.

إليكَ وإلا لا تُشدُّ الركائبُ

ومنكَ وإلا فالمؤمِّلُ خائبُ

ولقد مَدَح الناسُ الناسَ وأكثرُوا، لكنهم لما مدحُوا ربهم أقصرُوا وما أكثرُوا.

وقد كان أعرفُ الخلق بربه يقولُ: "لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".

ألا فلنلهجْ كثيرًا بمدحِ مولانا العظيم، فواللهِ لو علمَ العبادُ ما لله من العظمةِ ما عصوُه، ولو علم المحبونَ ما للهِ من الجمالِ والجلالِ والكمالِ ما أحبُوا غيرَه.

"نبارزُه بالعظائم وهو يكلؤُنا على فُرُشنا، يَخلقُ ويُعبَدُ غيرُه، ويرزقُ ويُشكرُ سواهُ، خيرُه إلينا نازل، وشرُنا إليه صاعد"(مدارج السالكين، لابن القيم: 1/194].

فهل من وسائلَ معينةٍ على تعظيم الله تعالى في نفوسنا؟

الجواب: نعم؛ وأعظمُها: أن تقرأَ كتابَ الله، وتتأملَ ما فيه من ثناءِ الربِ على نفسه، وتَعَرُّفِه إلى عبادِه بأسمائِه وصفاتِه.

ويا أيها الأبوانِ اللذانِ أقلقهُما انشغالُ أولادهما بهذه التقنيةِ المخيفةِ:  أتريدان أسلوبًا مؤثرًا ومختصرًا لأساليب التربية؟!

ابْنِيا في نفوسهم تعظيمَ الله ومراقبتَه في أفعالِكما وأقوالِكما.

ومن الوسائل: الإكثارُ من الثناءِ على اللهِ تحدثًا وكتابةً، والمحافظةُ على الأذكارِ اليومية، والتأني بنطقِها؛ ليحصلَ تدبرُها.

ومن وسائلِ تعظيمِ الله: طلبُ العلمِ النافعِ، فعلى قدرِ العلمِ بالربِ يكون تعظيمُه وإجلالُه في القلب: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28].

ومن الوسائلِ: التأملُ في آياتِ اللهِ -تعالى- في هذا الكونِ، وفي الآفاقِ وفي الأنفُسِ، فهذا الكونُ الفسيحُ كتابٌ مفتوحٌ ينطقُ بعظمةِ خالقهِ -جل جلاله-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[فصلت: 53].

سبحانَك ربَنا ما عبدناكَ حقَ عبادتِك، سبحانَك ما قدرناكَ حقَ قدرِك.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَكَاننا، وَتَسْمَعُ كَلامنا، وَتَعْلَمُ سِرّنا وَعَلانِيَتنا، ولا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِنا، نَحْنُ البُؤَساءُ الفُقَراء، الْمُسْتَغِيثُون الْمُسْتَجِيرُون، الْوَجِلُون الْمُشْفِقُون، الْمُقِرُّون الْمُعْتَرِفُون بِذُنُوبِهم؛ نَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَنَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ.

اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أَشْقِياء، وَكُنْ بِنا رَؤوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْؤولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ، اللهم وجهُك أكرمُ الوجوه، وعطيِّتُك أعظمُ العطيِّة.

اللهم أنت ربُّنا وربُّ المستضعَفين إن لم يكنْ بكَ غضبٌ علينا فلا نبالي، غيرَ أن عافيتَك أوسعُ لنا.