القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
على الزوج أن ينبسط مع زوجته في البيت، فيهش للقائها، ويستمع إلى حديثها، ويمازحها ويداعبها تطييباً لقلبها، وإيناساً لها في وحدتها، وإشعاراً لها بمكانتها من نفسه، وقربها من قلبه، وربما ظن بعض الجاهلين أنّ مداعبة الزوجة وممازحتها مما...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معشر المسلمين: إن من توفيق أهل البيت حسن العشرة والألفة والمحبة والمودة والرحمة بينهم، مع أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وشر البيوت ما ساءت فيه الأخلاق، وتقطعت بين أفراده الصلات، مع ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال الله -عز وجل-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
وإن حسن العشرة يحصل بمراعاة كل من الزوجين حق صاحبه، وإخلاصه في القيام بواجبه، واعلموا أن للزوجة على زوجها حقوقا ثبتت لها، يقول الله -عز وجل-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)[البقرة:228].
وعن عمر بن الأحوص -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يقول -بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ- ثم قال: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان -أي: أسيرات- عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا"(رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح).
عباد الله: ألا وإن من حقوق الزوجة على زوجها:
أولاً: الأمر بطاعة الله، وهذا الحق هو أعظم الحقوق وأجلها، هذا الحق الذي من أجله قام بيت الزوجية، ومن أجله تستمر الحياة الأسرية، فالواجب على الزوج أن يأمر زوجته بما أمر الله، وأن ينهاها عما حرم الله، وأن يأخذ بحجزها عن عقوبة الله ونار الله، ولقد أشار الله -تعالى- إلى هذا الحق العظيم بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ)[طه:132]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6].
فعلى الزوج أن يكون في البيت آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، إذا رأى خيراً أعان زوجته عليه، وإذا رأى حراماً صرفها عنه، وحذرها ووعظها وذكرها، وإلا أخذها بالقوة، وأطرها على الحق أطراً؛ حتى يقوم حق الله في بيته، فإقامة أمر الله، طريق للبركة في الرزق، وطريق للخير والنعمة، والأمن والأمان واستقرار الأسرة.
ثانياً: الإنفاق عليها من طعام وشراب وكسوة وسكن بالمعروف؛ لقوله -تعالى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق:7]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن حق المرأة على الزوج قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"(رواه أبو داود). وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وحقهن عليكم: أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"(رواه الترمذي). ولما قَالَتْ هِنْدٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ لِي إِلَّا مَا يُدْخِلُ عَلَيَّ، قَالَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمعروف"(متفق عليه).
ثالثاً: من حقوق الزوجة على زوجها: المبيت عندها؛ لأن السهر خارج المنزل إلى ساعة متأخرة من الليل ممل لقلوبهن، وأدعى لارتيابهن، ومحرك للفتنة في نفوسهن، فاتقوا الله في نسائكن فقد يسول لهن الشيطان ما لا تحبون، ولبناتكم ما لا تودون، فاعمروا بيوتكم بحضوركم، وآنسوا أهلكم بحديثكم، واملؤوا عيونهن بأعيانكم.
واعلموا أن السهر بعد صلاة العشاء مكروه، ومنهي عنه إذا كان في كلام مباح؛ إلا لمصلٍّ أو مسافر، فكيف إذا كان السهر على حرام؛ كغيبة ونميمة ولهو؟ فهذا أشد تحريما وأعظم إثما. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا سَمَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ -يَعْنِي: الْعِشَاءَ-، إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ، أَوْ مُسَافِرٍ"(رواه أحمد). وقالت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائما قبل العشاء ولا لاغيا بعدها، إما ذاكرا فيغنم، وإما نائما فيسلم".
رابعاً: من حقوق الزوجة: الاستمتاع؛ لقوله -تعالى-: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[البقرة:226]، وثبت في صحيح البخاري قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الله! ألم أُخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟"، قلت: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل؛ صم وأفطر، قم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجتك عليك حقاً".
ولكن لا يأتيها في دبرها؛ لأن ذلك محرم ومناف للفطرة وشذوذ في الطبع، روى أحمد وأبو داود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ملعون من أتى امرأته في دبرها"، وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه".
ومجامعة المرأة وهي حائض حرام؛ لقول الله -عز وجل-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[النساء:222]. وروى مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأنزل الله -عز وجل-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ...)، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح".
خامساً: من حقوق الزوجة على زوجها: العدل في القسمة بين الزوجات إن كان له أكثر من زوجة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما عن الأخرى؛ جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا"(رواه الترمذي).
سادساً: من حقوق الزوجة: عدم إفشاء سرها؛ لأن إفشاء سر الزوجة في الفراش حرام، وكذلك التحدث عن عيوبها عندما يريد أن يطلقها أو بعد طلاقها؛ لما روى مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها".
وروى أبو داود، والترمذي، والنسائي عن أبي هريرة قال: ثم أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرجال، فقال: "هل منكم رجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟!". قالوا: نعم. قال: "ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا". قال: فسكتوا. قال: فأقبل على النساء، فقال: "هل منكن من تحدث؟!". فسكتن. فجثت فتاة على إحدى ركبتيها، فقالت: يا رسول الله: إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثنه. فقال: "هل تدرون ما مثل ذلك؟! إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانا في السكة فقضى منها حاجته، والناس ينظرون إليه"
سابعاً: ومن حقوق الزوجة على زوجها: أن يعينها على صلة رحمها، واتصالها بأهلها، وزيارة أقربائها، ما لم يكن في ذلك ضرر أو مفاسد.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
أيها المسلمون: إياكم وهجر الزوجات بلا سبب، أو إيذاءهن بغير حق؛ فإن ذلك موحش لقلوبهن ومنبت للعداوة في نفوسهن، قال -تعالى-: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)[النساء:34]. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء".
وهذا العوج هو طبيعة جبلية في جل النساء، لا تستطيع دفعه، ولا تملك رفعه، ولكن بحكمة الزوج، ومعرفته بشريعة ربه، يستطيع التعامل والتكيف مع ذلك العوج، قال -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي لا يبغض- إن كره منها خلقا رضي منها آخر". قال الشوكاني: "فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها زوجها".
فعلى الزوج أن ينبسط مع زوجته في البيت، فيهش للقائها، ويستمع إلى حديثها، ويمازحها ويداعبها تطييباً لقلبها، وإيناساً لها في وحدتها، وإشعاراً لها بمكانتها من نفسه، وقربها من قلبه، وربما ظن بعض الجاهلين أنّ مداعبة الزوجة وممازحتها مما يتنافى مع الورع أو الوقار أو الهيبة التي يجب أن تستشعرها الزوجة نحو زوجها، ولا ريب أن ذلك خطأ فاحش، ودليل على غلظ الطبع، وقسوة القلب، وجهل الشريعة.
فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا أن تضيقوا عليهن في حقوقهن المشروعة، أرشدوهن إلى كل معروف، واسلكوا بهن طريق الأخلاق الطيبة، والأعمال الصالحة، وحذروهن من الشر أن يقترفنه، ومن الإثم أن يخالطنه، ومن دور اللهو أن يذهبن إليها؛ قال الله -عز وجل-: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ الله هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة: 231].
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله ..