الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
نحن ندرك ما للمعلم من أثر وتأثير، إنه مربي الجيل، وأستاذ النشء، وهو وحده المهيَّأ لتفجير النوابغ وإبراز الطاقات، وجعلهم عناصر صالحة لدينهم ووطنهم.. فلله درّه إذ خرّج من الأمة العلماء والدعاة والأفذاذ، وأصحاب الخبرة والاختصاص في مجالات شتى.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوة الإسلام: كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في صلاة فعطس رجل فشمَّته معاوية بن الحكم -رضي الله عنه-، فأحدق إليه الناس بأبصارهم فقال: "وا ثكلَ أُمّياه، ما لكم تنظرون إليَّ، قال: فضرب القوم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمّتونني، سكتُّ، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الصلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"(رواه مسلم).
إننا حين نتحدث عن التعليم ورسالته، نستشعر أننا أمة العلم والهدى والنور، وأن قرآننا سراج العقول، وضياء المجتمعات، ونستشعر أيضًا أن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- هو المعلم الأول الذي كان من مهامه التعليم ونشر العلم، وبثّ الهدى، وقد حمل الهمّ، وعلَّم الجاهل، وترفَّق بالمحتاج، وأعان السائل، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آل عمران:164].
لا ارتياب -يا مسلمون- أن للتعليم فوائد كثيرة: فهو يزيل الأمية، ويرفع مستوى العقل ويوصِّل إلى الله، ويصحِّح العبادة، ويرفع الحضارة، ويرفع مستوى التفكير، ويطمس التخلف، ويحل كثيرًا من المشكلات، وإذ نذكر إخواننا المعلمين، لنتطلع فيهم إلى المعلم الجادّ الحريص، الذي يغار على دين هذه الأمة، ونهضة البلد، فيهتم بمستوى شبابها وأبنائها، ويبكي عليهم إذا رآهم تركوا ميادين العلم والجد، وركضوا لميادين اللهو والشهوة والمترفات.
إن المعلم -يا إخوان- يؤدي رسالة شريفة، هي رسالة الأنبياء والرسل، فعليه أن يقدِّرها حق قدرها، وأن يهتم بها، ويقوم بواجبه، ويتحسس دوره ومسئوليته.
ثمة معلمون يضيقون بالواقع، ويرددون هذا الجيل جيل الفضائيات، وجيل الأمس خير من جيل اليوم، والمعلم كثير التَّبِعَات، لم يعد له قيمة ولا معنى.
ونقول لهؤلاء: إن المعلم يؤدي رسالته على كل حال، في الضيق والسعة، والغنى والفقر، والحضر والسفر، والصحة والسقم.
تعلَّم من نبيك -صلى الله عليه وسلم-؛ كيف صبر في سيرته وابتلي، وعانى، فلقد سبوه وضربوه وخنقوه أحيانًا، وعرض نفسه على بعض القبائل، فسبوه سبًّا قبيحًا، وخرج إلى الطائف، ولاقى منهم ما لاقى وعانى الأمرَّيْنِ، التقى بسادتهم، وتلا عليهم القرآن، فأمروه بعدئذ بالخروج من أرضهم، فلما خرج صنعوا له صفين، وسلطوا عليه السفهاء والغلمان، ورجموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، ومع ذلك صمد -صلى الله عليه وسلم- وواصل دعوته ورسالته.
وأنت أخي المعلم، ترغب في طيب العيش، وتتقاضى راتبًا، وتملك إغراءات، ومع ذلك قد تقصِّر وتتأخر وتتهاون، ولا تبالي بنصيحة صادقة، ولا كلمة مؤثرة، وقد جاء في صحيح البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: "بلِّغوا عني ولو آية"، وعند البيهقي في شعب الإيمان بسند جيد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنَه".
يا معلمون: إن دينكم مستهدَف، وبلادكم تُحارَب، ولقد توالت حملات الأعداء وحرصت دولة الصليب على نقل ثقافتها الغريبة، وأنماط الحياة الإباحية إلى ديار الإسلام ولم يبقَ إلا بلاد الحرمين، حماها الله –تعالى-؛ (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا)[سورة الأحزاب:25].
ولا تزال هذه الأمة بعلمائها ومفكريها وأساتذتها، تستطيع الوقوف في وجه هذا المد الصليبي الغربي الذي يهدد ديننا وقرآننا، وتعليمنا وإعلامنا.
ديارٌ أعزتها سيوفُ محمدٍ
نحن ندرك ما للمعلم من أثر وتأثير، إنه مربي الجيل، وأستاذ النشء، وهو وحده المهيَّأ لتفجير النوابغ وإبراز الطاقات، وجعلهم عناصر صالحة لدينهم ووطنهم.
إن الطبيب يُعلّم، والمهندس يُعلّم، والمرأة تُعلّم والرجل يُعلّم، والضابط يُعلّم، ولكن المعلِّم يمارس ذلك بقوة وانشراح وتخصص وانسجام لا يضاهيه أحد في ذلك؛ فلله درّه إذ خرّج من الأمة العلماء والدعاة والأفذاذ، وأصحاب الخبرة والاختصاص في مجالات شتى.
فاللهم بارك مساعيهم، وأثبهم على جهدهم وصبرهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فيا فوزَ المستغفرين التائبين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة في الله: نحن نعلم أن المعلم كثير التكاليف، عظيم الأعباء في مدرسته، لكن لا يمنعه ذلك من العمل للدين والقيام على إصلاح الجيل والتفاني في التربية والتوجيه؛ لأن الحياة دار ابتلاء، ولا تستقيم بلا بذل وجد ومجاهدة. قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت:69].
وإياك -أخي المعلم- والاستسلام للواقع، والخوف من تبعاته، وتعلَّم من سير الصابرين قبلك، ولا تستخفَّ بعقول من أمامك، فرُبَّ كلمة لا تُلقِي لها بالاً، تؤثر في بعضهم وتُغيِّر مسار حياته، وتصنع منهم عاملاً باذلاً لهذه الأمة؛ فالجدَّ الجد لتبلغَ وتحقق مناك:
وما نيلُ المطالبِ بالتمني
وصلوا وسلموا على المعلم الأول والمربي الأعظم..