الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
حقوق المرأة كلمة ما أكثر ما تحدث عنها المتحدثون والمتحدثات، وتزينت وتزيدت بها بعض المقالات والصفحات والدعوات والادعاءات، وما أكثر ما أثيرت فيها المحاضرات والمحاورات!! وأما مضمون هذه الحقوق؛ فحدث عن هلاميتها وفضفاضيتها ولا حرج؛ بل إن كثيرًا من الأطروحات والمعالجات تراها ضائعة مبعثرة بين دعاوى المدعين وأهواء أصحاب الأهواء ..
الحمد لله عزّ واقتدر؛ أحمده سبحانه وأشكره؛ وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأتوب إليه وأستغفره؛ يقبل توبة عبده إذا أناب واستغفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة تنجي قائلها يوم العرض الأكبر؛ وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله؛ سيد البشر؛ الشافع المشفع في المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصحاب الأخيار، وأصحابه السلف الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا؛ ما اغتفلت عين بنظر، وأذن بخبر.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فاتقوا الله ربكم؛ فأهل النجاة والخلاص هم أهل التقوى والوفاء والإخلاص، الذين يوفون مع الله مواثيقه، ويخلصون له في يقينه وتصديقه؛ فيا ويح الغافلين؛ خف زادهم، وقل مزادهم؛ فطال عليهم السبيل، وحار فيهم الدليل، قصر أجل مع طول أمل وتقصير في عمل؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ فالأجداد أبلتهم الأيام، والأبناء على ما بقي عنهم من الأنباء؛ ففيم الحرص؟! أعلى ضل زائل، ومقيل أنت عنه حائل؛ فاتقوا الله رحمكم الله: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أيها المسلمون: حديث الناس في هذه الأيام عن الإصلاح والانفتاح والبناء والتسامح، والتعاون ونبذ الخلافات، ومحاربة الظلم والعدوان، والفساد والإفساد، وانتهاج منهج الوسطية والاعتدال، وحديث الإصلاح هذا حديث ذو شجون، لا يحصره مثل هذا المقام، ولا تحيط به مثل هذه الكلمات، وإن كان لزامًا على أهل العلم والمصلحين وأصحاب الرأي الحديث عنه، وبيان أسسه ورصد معالمه، وانتهاج دروبه ومسالكه؛ ومن المأساة أن بعض المتحدثين عن الإصلاح والانفتاح من أصحاب الرأي والفكر والثقافة من المسلمين يسوء فهمهم، أو يسوء تفسيرهم، أو تسوء عبارتهم بقصد أو بغير قصد.
معشر المسلمين: إن لدى كل مسلم ولله الحمد يقينًا صادقًا، وعقيدة راسخة، بأن الإسلام قد كفل بأتباعه أفرادًا ومجتمعات وأمة؛ كفل لهم السعادة والكرامة في الدنيا، وحسن الثواب في العقبى؛ متى ما تمسكوا بدينهم والتزموا هدي نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ كما أن لدى المسلمين قاعدة راسخة وأصلاً ثابتًا؛ وهي أن الحفاظ على الدين والاستمساك بالهوية الإسلامية لن يتحقق إلا بانتماء المسلمين الصادق لدينهم، المبني على صحة المعتقد، وحسن الاتباع، وصدق الالتزام بأحكام الشرع قولاً وعملاً واعتقادًا.
معاشر الأحبة: أمام هذه الثوابت، وأمام طول الموضوع وتشعبه؛ قد يكون من الملائم اختيار نموذج لدلالات وأبعاد يوضح المقصود، يبين المراد فيه إشارات لمعالم الوسطية؛ إنه نموذج الوسطية في شأن المرأة وحقوقها ومشكلاتها.
وسطية بين تحكيم نصوص الشرع المطهر وأحكامهن، والخلاص من مذموم العادات وسيئ التقاليد؛ تحكيم لحكم الشرع في القديم وفي الجديد؛ وسطية وإصلاح تميز الأصالة والثوابت مما ليس منها، وتنفي عن المعاصر والجديد ما ليس من لوازمه.
أيها المسلمون: حقوق المرأة كلمة ما أكثر ما تحدث عنها المتحدثون والمتحدثات، وتزينت وتزيدت بها بعض المقالات والصفحات والدعوات والادعاءات، وما أكثر ما أثيرت فيها المحاضرات والمحاورات!!
وأما مضمون هذه الحقوق؛ فحدث عن هلاميتها وفضفاضيتها ولا حرج؛ بل إن كثيرًا من الأطروحات والمعالجات تراها ضائعة مبعثرة بين دعاوى المدعين وأهواء أصحاب الأهواء، وتصنيف ذوي التصنيفات؛ وقد لا تخلو بعض الأطروحات من تمييع ونفاق والتفاف وغموض.
حقوق المرأة وحقوق الإنسان يصاحبها لدى بعض الكاتبين والكاتبات إما عدم وضوح في المراد؛ وإما عدم وضوح في الغاية؛ وبسبب هذا صار الناصحون وغير الناصحين يدورون في حلقات مفرغة؛ وضاعت الحقيقة والحقوق، وضيعت الأوقات، وتبعثرت الجهود، وصارت النزاعات والمناقشات السفسطائية.
أيها المسلمون: ما من شك أن للمرأة حقوقًا؛ كما أن للرجل حقوقًا، وعليها واجبات؛ كما على الرجل واجبات؛ كما أن من اللازم المتعين تبصير المرأة بحقوقها، ومساعدتها في تحصيلها وحفظها وحمايتها؛ بل إن من تفقهها في دينها أن تعلم أنه ليس من الحياء ولا من حسن الأخلاق أن لا تطالب بحقوقها أمام أبيها وأخيها وزوجها؛ فقوامة الرجل حق ومسؤولية؛ ولكنها ليست تسلطًا ولا ظلمًا ولا تعسفًا.
في ديار المسلمين ممارسات ظالمة جائرة؛ يجب النظر فيها وإعطاؤها ما تستحق من الأهمية والأولوية، وجعلها في صدر الاهتمامات والمعالجات.
إن المرأة تعاني صورًا من الظلم والقهر، والإقصاء والتهميش، وغمط الحقوق في معاشها وتربيتها، والنفقة وحق الحضانة، والعدل في المعاملة؛ فضلاً عما يطلب لها من حق الإحسان والتكريم والتبجيل.
إن هناك تسلطًا على ممتلكاتها، وسلبًا لحقها في اتخاذ القرار والمشاركة فيه في كثير من شؤونها وخاصتها؛ فمن حقها العدل في القسمة، والعدل في توزيع الميراث والثروة والمنح والهبات والعطايا؛ حسبما تقضي به أحكام الشرع المطهر؛ فضلاً عما يقع من بعض أحوال الضرب والقهر والعضل والشرار، والحرمان من الحضانة والنفقة، وما يقع خلف جدران البيوت وأسوار المنازل من التعسف والتنكيل والحسرة والألم والممارسات الظالمة؛ فيجب مساعدتها وتشجيعها وتبصيرها ودعمها في أن ترفع الظلم الواقع عليها؛ فترفع مظلمتها لمن ينصفها من أقاربها وعقلاء معارفها وحكمائهم، ومن القضاة والمسؤولين وولاة الأمور.
إن الإقصاء والتهميش، وإنكار دور المرأة في بيتها ومجتمعها –فضلاً عن احتقارها وتنقصها وظلمها وغمط حقوقها– كلها مسائل وقضايا لا يجوز السكوت عليها؛ فضلاً عن إقرارها والرضا بها.
معاشر الأحبة: هذه جوانب من المشكلة أو القضية، وثمة جوانب أخرى لابد من النظر فيها؛ إن الذي يقال بكل جلاء ووضوح: إن الإسلام لم يوجب ولم يفرض ولم يحمل المرأة مسؤولية العمل خارج المنزل؛ لكنه لا يمنعها من ممارسته بضوابطه الشرعية؛ فالإسلام حررها من مسؤولية العمل وحتميته خارج المنزل؛ لكي لا تقع تحت ضروريات العمل الذي يستعبدها ويستغلها ويظلمها.
أيها المسلمون: وهذا يحتاج إلى مزيد بسطه؛ فتأملوا –وفقكم الله– ما يجري في هذا العالم المعاصر؛ إن العنصر الطاغي والعامل المؤثر هو العامل الاقتصادي؛ أما في الإسلام؛ فإن الاقتصاد أو عامل الاقتصاد عامل من العوامل وعنصر من العناصر له تأثيره الذي لا ينكر؛ ولكنه بجانب عوامل أخرى ومعايير أخرى.
العامل الاقتصادي في ميزان هذا العصر هو العامل المقدم، وهو الأبرز عندهم، وهو المعيار لإقامة حياة اجتماعية أفضل عندهم؛ ما دعا إلى إضعاف وتهميش كثير من الحقوق والمعايير والعوامل؛ والمرأة في هذا العصر وهذا الميزان المائل المجحف الطاغي مكلفة بإعانة نفسها؛ سواء أكانت بنتًا أم زوجة في بيت زوجها؛ إن هذه المنزلة في هذا المعيار بثت في روح امرأة هذا الزمن أن على الجميع نساءً ورجالاً أن يرقدوا لاهثين ابتغاء جمع أكبر قدر من المال؛ لتحقيق أكبر قدر من المتع والكمالات.
إن على كل ذكر وأنثى في هذا الزحام أن يهتم مستعجلاً بشأن نفسه، وأن ينافس الآخرين لجمع المزيد من المال، وتحصيل أكبر قدر من الفرص؛ فتحت هذا المسار والركب اللاهث؛ تضطر البنت وتدفع المرأة؛ لتخرج في كل صباح؛ لتبحث كأي فرد من أفراد الأسرة في سبيل عيشها وتحقيق متعها؛ بل لقد ألقوا في روع المرأة أن من العيب أن يحنو عليها والدها، أو يعطف عليها ليغنيها عن الخروج والكد والكدح؛ فمن العيب عندهم أن يكون الزوج مسؤولاً عن الإنفاق والرعاية.
وتحت سلطان هذه الفلسفة الضاغطة تضطر الزوجة أو تحتاج إلى أن تخلي خيوط أعمالها في مسؤولية الزوج عنها ورعاية أبيها لها.
وقد يقال: إن هذا عند غير المسلمين؛ والواقع أن الناظر والمتأمل في الكتابات والتوجهات؛ يرى أن كثيرًا من كتابات بعض المثقفين، ودعواتهم ونقاشاتهم تستحسن هذا المسلك، وتريد أن تجعله هو الأنموذج والغاية المنشودة والعمل المبتغى؛ ومع الأسف وبكل صراحة؛ فإن هم الاقتصاد ومتطلبات العمل هي مصدر كل الواجبات والمسؤوليات في أفراد المجتمع كله؛ رجاله ونسائه، أيًّا كانوا وكيفما كانوا.
إن غلبة عامل المال وطغيانه يقضي -شاء العقلاء أو لم يشاؤوا– على الأسرة، ويدمر مقوماتها، ويهز المجتمع المستقر؛ لأن السويَّ لا يكون سويًّا إلا بلُحمة الأسرة، ولا وجود للأسرة في الحقيقة؛ إلا بالتضامن والوئام الذي يشيع في أفرادها من خلال وضوح المسؤولية لكل من الزوج والزوجة، والأب والأم، ورعاية الوالدين أولادهما.
بهذه الفلسفة وهذا التوجه تم إقصاء المرأة عن رعاية أولادها؛ بل إنه عرَّض أنوثتها للدمار، وكرامتها للامتهان، وحياءها للذوبان.
يا قومنا: انظروا إلى الأمر بجدية ومصداقية وتجرد؛ المرأة في الوقت الحاضر أخرجت إلى العمل ودفعت إليه دفعًا؛ إنهم أخرجوها حينما جعلوا ذلك هو السبيل الوحيد للحصول على لقمة العيش وتحصيل الرزق؛ فهي تبحث عن العمل، وتقبل أي عمل، وتستغل أية فرصة –وإن لم تتفق مع طبيعتها– ما دام أنها تتعلق بضرورة معيشتها، ولا مناصَ لها أن ترضى بأي أمل؛ فالخيارات محدودة، وحكم المجتمع قائم؛ بل إنه ما من عمل قاسٍ مجهد يمارسه الرجال -بل الطبقة الكادحة من الرجال- إلا وتجد نساءً كثيرات يمارسنه ويزاحمن فيه.
أيها الإخوة في الله: إن النظر بعين البصيرة والحكمة والمصداقية والنصح في بعض المجتمعات التي اقتحمت الباب على مصراعيه، واستسلمت لهذه الفلسفة؛ يراها في سباق محموم ونظرة مادية صرفة، ويرى نساءً يمارسن أعمالاً أذابت أنوثتهن، وأحالتهن إلى كتل متحركة من قسوة العمل، وقسوة المجتمع في أعمال قاسية، وأوقات أشد قسوة في الليل والنهار؛ بل في الوقت المتأخر من الليل؛ في الأنفاق والمناجم والمؤسسات والمشافي؛ وعلى نواصي الطرقات وأرصفة الشوارع؛ في أعمال يشمئز منها العقلاء والأسوياء والرحماء والمخلصون والناصحون؛ فضلاً عن الفضلاء المؤمنين.
أيها المسلمون: هذه بعض مآلات هذه الصورة؛ وإذا كان الأمر كذلك أو بعض ذلك؛ فكم هو جميل أن يرشد الطرح الإعلامي حول هذه الحقوق؛ والمشكلة أنه يجب الفصل بين القناعات الشخصية لبعض الكتاب والكاتبات، وبعض القناعات الفكرية، وبين ما هو حق وشرع.
إننا نتحدث عن فكر مسلم، وإعلام مسلم، وثقافة مسلمة متدينة؛ تسعى لتنظيف مجتمعات المسلمين من إسقاطات المجتمعات المادية؛ وهذا لا يكون ولن يكون إلا بالاعتزاز الحق بكمال دينها عقيدة وأحكامًا؛ علمًا وعملاً ومنهجًا.
من الحق والعدل والإنصاف المطالبة بتوفير الفهم الواعي والناضج؛ دين وفقه ووعي لا يخشى الوافد، ولا يخاف الجديد؛ ولكنه قادر على توفير المناعة ضد الابتزازات؛ كما هو قادر على الاستفادة من الإيجابيات والخيرات؛ إعلام مستنير راشد يعزز دور المرأة الإيجابي، ويؤكد حقها ودورها في البناء والتنمية الشاملة في المجتمع كله، وحقها في التعليم والعمل والوظيفة الملائمة؛ إعلام مستنير راشد يرفض ويستنكر جميع أشكال استغلال المرأة في أي ميدان لا يقيم للقيم والفضائل وزنًا؛ ما يفضي إلى تحقير شخصية المرأة، وامتهان كرامتها، والمتاجرة بجسدها وعرضها؛ وكأنها بضاعة من سائر البضائع التي تسوقها وسائل الإعلام.
حذارِ ثم حذارِ أن تقذف المرأة في دحاض الضياع والهوان والحرمان؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 35، 36].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى؛ لم يزل بنعوت الكمال والجلال متصفًا؛ أحمده سبحانه وأشكره أهل الحمد والشكر والوفاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ مقرًّا بها إيمانًا وتصديقًا ومعترفًا؛ وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله؛ أزكى الأمة فضلاً، وأعلاها شرفًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار الحنفاء والتابعين، ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فإن مطالبة صاحب الحق بحقه –رجلاً كان أو امرأة– أمر مشروع، وأمر صحيح، وإجابته حق، وإعانته حق كذلك؛ ولكن يجب أن يكون بمعايير صحيحة، وضوابط دقيقة؛ تعطي كل ذي حقٍّ حقه، وتوصل الحق إلى مستحقه في عدل ووسطية؛ فيتحقق التوازن في المجتمع والأسرة.
إن مما يزيد الريبة والتخوف ما يظهر من دعوات في بعض وسائل إعلام المسلمين، وكتابات بعض كتابهم وكاتباتهم من دعوات إلى الزج بالمرأة المسلمة في كل ميدان من غير احتياط ولا تحفظ؛ بل بما يوحي أنه انجراف وتجاوب مع ما يطالب به منحرفون ممن لا يقيم للشرع وزنا؛ ولا للحشمة والعفة مقامًا ولا مكانًا.
ينبغي لرياح الإسلام -دولاً وأممًا وأسرًا- أن تتخذ من التدابير الضابطة ما يرفع الريبة ويبعث على الطمأنينة، ويتيح فرص العمل الآمن، ويحفظ التوازن الأسري داخل البيت وخارجه، وداخل المجتمع المسلم كله.
وبعد:
أيها المسلمون: فمع ما يظهر من بعض صور قاتمة وألوان ذات غبش؛ فإن الجهد الذي يبذله علماء الشرع، وأهل العلم والفقه والفتوى، وأصحاب الفكر السوي؛ جهود مباركة تمكنت من توجيه المجتمع، وبيان المنهج الوسطي المعتدل؛ وهم بيد الله خلف عدول يحملون مشاعل الهدى، وينفون تحريف الغالين وتعويل الجاهلين؛ نجحوا في كبح كثير من التوجهات غير الوسطية غلوًا وجفاءً؛ فليسيروا على بركة الله في منهجهم العدل، ويبذلوا مزيدًا من الجد والجهد في رد الرأي العام إلى مصادر الشرع وأصوله من الكتاب والسنة، والاستنباط الرشيد السديد؛ ولينفوا عن المسير الترخص المذموم والتحلل الممقوت، وغلو الغالين، وتضييق المضيقين؛ يميلون مع الحق، ويتحرون الوسط، ويراعون مصالح العباد؛ رجالاً ونساءً، ومجتمعًا وأفرادًا؛ وقاية من الفساد؛ وتأمينًا لمصادر العيش الكريم؛ وإن ضبط ذلك كله يكون بالنظر في المستجدات وعرضها على ضوابط الشرع، وضبط العادات والتقاليد والأعراف وربطها برباط الشرع، وتحديد مكانها وحكمها؛ فالجديد ليس مرفوضًا بإطلاق، والتقاليد محكومة وليست حاكمة.
ألا فاتقوا الله –رحمكم الله–، ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد المصطفى ورسولكم الخليل المجتبى؛ فقد أمركم ربكم بذلك -جل وعلا-؛ فقال -عز قائلاً عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الأمين، وآله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ واجعلنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين؛ اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتثبيت إمامنا وولي أمرنا؛ اللهم أعز به دينك، وأعل به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، ووحد به كلمتهم، واجمع به صفوفهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد؛ يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك؛ لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك؛ اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين؛ وارحم ضعفهم واجبر كسرهم، ووحد صفوفهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادانا وأراد ديننا وديارنا وأمننا بسوء؛ فأشغله بنفسه؛ واجعل كيده في نحره؛ واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين؛ اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة؛ اللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا؛ ونور قلوبنا واختم بالصالحات أعمالنا؛ وأصلح لنا شأننا كله يا رب العالمين.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
(رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 60].
فاذكروا الله يذكركم؛ واشكروه على نعمه يزدكم؛ ولذكر الله أكبر؛ والله يعلم ما تصنعون.