الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
عليك أن تخلص في دراستك وأن تُصلح النية فتتعلم لأجل أن ترفع الجهل عنك، لا أن تتعلم لأجل إصابة شيء من الدنيا أو لأجل وظيفة، وإنَّما يكون ذلك تِباعاً لا أصلاً، فمن تعلَّم وحاز الفنون فهو حري أن ينفع وطنه بأمانة وجدٍّ وإخلاص.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمرنا بالتزود من العلم وبيَّن لنا فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً رسول رب العالمين الذي بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أنَّ خيرَكم هو العالم العامل الذي يبلِّغ العلم النافع للناس، وأنفعُ العلوم وأزكاها وأجلها علوم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فتعلمها عبادة وقربة يتقرب بها المرء إلى الله -تعالى-، وتعلم العلم لا يستغني عنه الصغير ولا الكبير ولا الذكر ولا الأنثى.
ومن فضل الله علينا: توفُّر المدارس التعليمية لأبنائنا وبناتنا لرفع الجهل عنهم، فقد كان في وقت مضى، قبل سبعين سنة، ثلة من الناس لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ويطلبون من الذي يحسن الكتابة أن يكتب لهم ما يريدون كتابته، كما يبحثون عمن يقرأ لهم ما كُتِبَ لهم، أما الآن فمع توفُّر تلك المدارس والتحاق جميع الطلاب والطالبات بها فقد ولَّت الأميَّة التي كانت من قبل والجميع يعرف الكتابة والقراءة إلا ما ندر.
أيها المسلمون: إنَّ المدارس تقوم بدور مهم في المجتمع، وعلى رأسها المعلمون الذين يبذلون قصارى جهدهم ليوصلوا العلم المقرر إلى طلابهم.. والطلبة ما بين مجتهد ومفرِّط حتى إذا جاء وقت الاختبار بان الناجح من غيره، وإني أوصي الطالب بوصايا:
الوصية الأولى: اعلم -وفقك الله- أيها الطالب أنَّ هذا العلم الذي تتعلمه هو من العلم النافع الذي أثنى الله فيه على أهله، فقال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28]؛ فالعلماء هم أشد الناس خشيةً لله، وهم أرفق الناس بالناس، وأوضحهم طريقاً ومسلكاً، وأنفعهم علماً وأكثرهم بركة، وأرفعهم منزلة، فاحرص على النهل من معين العلم النافع علم القرآن والسنة.
الوصية الثانية: أوصيك بحفظ الأدلة حتى ولو لم يُطلَب منك حفظها، وأن تفهمها الفهم الصحيح، فمع الحفظ تستحضر الدليل في حال الحاجة إليه، ومع الفهم الصحيح تستقيم على مراد الله -تعالى- الذي شرعه لعباده، واحذر من الذين يزهِّدون في حفظها فإنَّهم يريدون سلبنا البرهان الذي نستدل به على الأحكام والتوجيهات والآداب التي ندعو إليها.
الوصية الثالثة: أيها الطالب أعطِ لكل مادة حقَّها من المراجعة والمذاكرة خصوصاً المواد الشرعية ومواد اللغة العربية، فزِدْها مراجعة ودراسة، فهي العلم الذي تحتاجه إلى مماتك، فالناس في أشد الحاجة إلى العالم الشرعي وإلى العالم النحوي على مرِّ الأزمان.
الوصية الرابعة: عليك أن تخلص في دراستك وأن تُصلح النية فتتعلم لأجل أن ترفع الجهل عنك، لا أن تتعلم لأجل إصابة شيء من الدنيا أو لأجل وظيفة، وإنَّما يكون ذلك تِباعاً لا أصلاً، فمن تعلَّم وحاز الفنون فهو حري أن ينفع وطنه بأمانة وجدٍّ وإخلاص.
سُئل الإمام ابن عثيمين -رحمه الله- عن الإخلاص في طلب العلم فأجاب بقوله: "الإخلاص في طلب العلم يكون بأمور:
الأمر الأول: أن تنوي بذلك امتثال أمر الله؛ لأنَّ الله أمر بذلك فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)[محمد: 19]؛ وحثَّ -سبحانه وتعالى- على العلم، والحثُّ على الشيء يستلزم محبته والرضا به والأمر به.
الأمر الثاني: أن تنوي بذلك حفظ شريعة الله؛ لأنَّ حفظ شريعة الله يكون بالتعلم والحفظ في الصدر ويكون كذلك بالكتابة.
الأمر الثالث: أن تنوي حماية الشريعة والدفاع عنها؛ لأنَّه لولا العلماء ما حُميت الشريعة ولا دافع عنها أحد، ولهذا نجد مثلاً شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم تصدوا لأهل البدع وبيَّنوا بطلان بدعهم، نرى أنهم حصلوا على خير كثير.
الأمر الرابع: أن تنوي بذلك اتباع شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنك لا يمكن أن تتبع شريعته حتى تعلم هذه الشريعة.
الأمر الخامس: أن تنوي بذلك رفع الجهل عن نفسك وعن غيرك"(العلم للعثيمين، ص:140).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؛ يعني ريحها، (أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني).
الوصية الخامسة: اعلم أيها الطالب أنَّ فساد العلم إذا كان هدفك بطلبه الدنيا، قال كعب الأحبار: "يوشك أن تَرَوْا جُهَّال الناس يتباهوْن بالعلم ويتغايرون على التقدم به عند الأمراء كما يتغاير النساء على الرجال فذلك حظهم من علمهم" (ينظر كتاب بيان العلم الأصيل والمزاحم الدخيل ص 12).
الوصية السادسة: عليك أيها الطالب الإكثار من الدعاء بالتوفيق والإعانة لتحصيل العلم النافع والعمل به وتعليمه للناس، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا"(أخرجه الترمذي وصححه الألباني).
الوصية السابعة: عليك -أيها الطالب الموفق- أن تكون ملازمًا للتقوى؛ فإنَّها من أعظم الوسائل في تحصيل العلم وتطبيقه وتعليمه للناس فإنَّ التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل من أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وذلك بأن تفعل الواجبات وتنتهي عن المحرمات، قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)[البقرة:282]؛ اللهم وفق أبناءنا الطلاب من ذكور وإناث في اختباراتهم وعلمهم ما ينفعهم وانفعهم بما علمتهم وزدهم علماً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.