البحث

عبارات مقترحة:

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم .
  2. لوازم المتابعة ومقتضياتها .
  3. ثمار اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
  4. أمثلة على حرص الصحابة في اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم .

اقتباس

ولما كان لبعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلك الأهمية العظيمة والمكانة الرفيعة أمر الله عباده بإتباعه في كل ما أمر به والسير على هديه ولزوم طاعته، قال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[المائدة:92]، فأمر...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين: خلق الله الخلق لعبادته وأرسل إليهم رسلا ليأخذوا بأيديهم إلى معرفة الغاية من وجودهم، وجعل سبيلهم هو الطريق الذي يصلون به إلى تحقيق مراد الله وإلى فوزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة. ولما كانت النفس مفطورة على اتباع الهوى والشهوات احتاجت من صاحبها أن ينهاها عن هواها ليردها إلى طاعة مولاها حتى تخضع لأوامر الشرع وتنقاد لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ولأهمية إرشاد الناس إلى الحق وحثهم عليه وتحذريهم من الباطل وصرفهم عنه منَّ الله على عباده ببعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آلعمران:164].

ولما كان لبعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلك الأهمية العظيمة والمكانة الرفيعة أمر الله عباده بإتباعه في كل ما أمر به والسير على هديه ولزوم طاعته، قال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[المائدة:92]، فأمر الله بطاعة رسوله يقتضي أخذ كل ما جاء به وحث عليه.

ومما يؤكد حتمية وجوب امتثال أمره -صلى الله عليه وسلم- أن في طاعته امتثالا لما أنزله الله عليه وهو (القرآن)؛ حيث قال عز من قائل: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[الأعراف:3].

عباد الله: أمرنا ربنا باتباع نبيه ولزوم سبيله لحاجتنا للنور الذي أرشدنا إليه وتركنا عليه وهو الصراط المستقيم الواقي من الضلال المبين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" (الألباني)، وقال - صلى الله عليه وسلم- "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" (الترمذي).

أيها المؤمنون: ولا يكون اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- صحيحا إلا بتحقيق لوازمه ومقتضياته، ومن ذلك ما يلي:

الإيمان بنبوته وبعثته -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحجرات:15].

ومن لوازم اتباعه -صلى الله عليه وسلم- تصديقه فيما أخبر به تصديقا لا يخالطه شك؛ إذ أنه لا معنى للإيمان إلا بتصديق ما جاء به، قال -تعالى- مخبراً عن خير من آمن به وصدقه: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)[الزمر:33]، ولا شك أن كل ما أخبر به -صلوات ربي وسلامه عليه- حق لا كذب فيه فهو الصادق المصدوق وأمين الله على وحيه، قال -تعالى-: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4].

ومن لوازم اتباعه -صلى الله عليه وسلم- طاعته فيما أمر، قال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)[الحشر:7]، أي: مَهْمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ، وَمَهْمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ، وإنما ينهى عن شر. وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". وإذا ما قدم العبد أمر نبيه على هواه وشهواته تكاملت جوانب الإيمان في وجدانه.

كذلك من لوازم متابعته -صلى الله عليه وسلم- اجتناب ما نهى عنه وزجر، قال -تعالى-: (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر:7]، وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه".

كما أن من لوازم اتباعه -صلى الله عليه وسلم- ألّا يعبد الله إلا بما شرع؛ حيث أن كل عمل لم يشرعه مردود على صاحبه، عن أم المؤمنين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

إخوة الإيمان: وللمتبعين له -صلى الله عليه وسلم- أن ينظروا إلى ما أعده الله لهم من الثمار العظيمة والهبات الجسيمة، جزاء اتباعهم، ومن ذلك ما يلي:

محبة الله -تعالى- للمتبع لرسوله ومغفرته لذنوبه، قال -تعالى-: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[آلعمران:31].

ومما يناله المتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الفوز بالجنة، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال- صلى الله عليه وسلم- : "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى؟".

أيها المسلمون: وكما أن الله وعد المتبعين لخليله -صلى الله عليه وسلم -توعد المخالفين له بالفتنة والعذاب الأليم، فقال عز من قائل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63]، والمراد بقوله فتنة أي: "يطبع على قلبه، فلا يأمن أن يظهر الكفر بلسانه فتُضرب عنقه".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)[النور:54].

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله؛ بعد:

عباد الله: بعد أن عرفنا أهمية متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولوازمها وما يناله المتابع له من الثواب والمخالف من العقاب جدير بنا أن نسير على طريقه؛ حيث وصانا ربنا بالاقتداء به والتأسي بشمائله؛ فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب:21].

أيها المؤمنون: لقد ضرب أصحاب رسول الله أروع الأمثلة في حسن اتباعهم للنبي -عليه الصلاة والسلام- وكذلك من بعدهم، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يطوف بالبيت الحرام عند الكعبة المشرفة وهو يقبل الحجر فيقول له: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" (أبوداود)، فأراد عمر أن يُعلم الناس أن استلامه الحجر ليس سوى متابعة لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان".

ومن تلك المواقف التي تؤكد عظيم متابعة الصحابة للنبي-صلى الله عليه وسلم- بعد دخوله مكة منتصراً دخل الكعبة ومعه بلال -رضي الله عنه- ثم خرج وبقي بلال في الكعبة فدخل ابن عمر على بلال فسأله: أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فكان ابن عمر إذا دخل الكعبة مشى للأمام حتى يجعل الباب من ورائه ويكون بينه وبين الجدار قدر ثلاثة أدرع يتوخى بذلك الموضع الذي قاله بلال-.

أيها المؤمنون: لا يتسع المقام لذكر مزيد من الأمثلة الرائعة التي تجلى فيها حرص الصحابة على متابعة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لكنا سنختم بما رواه بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال: أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"؟! فقيل للرجل بعدما ذهب -صلى الله عليه وسلم-: "خذ خاتمك فانتفع به" قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". ولا غرابة أن نجدهم أشد الناس اتباعاً لهديه واقتفاءً لأثره وانتهاجاً لسنته.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتمسكوا بسنة نبيكم واقتدوا بهديه لعلكم تفلحون، واعلموا أنكم مأمورون باتباعه، ولزوم سبيله، والسير عليه حتى تلقون ربكم، فافعلوا ما أمركم به وحثكم عليه، واحذروا ما نهاكم عنه. فيا سعادة من سار على سبيل نبيه وهداه ويا شقاوة من خالف أمره واتبع هواه.

هذا وصلوا وسلموا على رسول الله...