البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

أثر الإيمان والتقوى في حب الله وحب الناس

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. من ثمار الإيمان .
  2. حرمة معاداة أولياء الله ووجوب حبهم .
  3. وجوب محبة الصحابة رضي الله عنهم .
  4. فضل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .

اقتباس

إن آثار الإيمان الصادق بالله -تعالى- وآثار العمل الصالح الذي يبتغي به وجهه ويقتدى فيه بنبيه -صلوات الله وسلامه عليه- تربو على العد وتجل عن الحصر.. وإنها آثارٌ لا تغمض عنها أجفان أولي الألباب ولا تغيب عن مدارك أولي النهى ولا تعزب عن نظر وتفكر أولي الأبصار وإن من حلو ثمار الإيمان ما يغرسه الله لأهله في قلوب خلقه من محبة لا يملكون ردها ومودة لا يستطيعون إلا الإقرار بها..

الحمد لله الذي أعز أولياءه المؤمنين المتقين وجعل لهم في قلوب الخلائق وداً، أحمده -سبحانه- القاهر فوق عباده والأعز جنداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولم يتخذ صاحبةً ولا ولدا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله.. دعا إلى الله بإذنه وإلى صراطه المستقيم هدى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا نرجو ثوابهما عند الله غداً.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعبدوه واشكروا له؛ واذكروا أنكم ملاقوه فأعدوا لهذا اللقاء عدته وخذوا له أهبته، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغَرور.

أيها المسلمون: إن آثار الإيمان الصادق بالله -تعالى- وآثار العمل الصالح الذي يبتغي به وجهه ويقتدى فيه بنبيه -صلوات الله وسلامه عليه- تربو على العد وتجل عن الحصر.. وإنها آثارٌ لا تغمض عنها أجفان أولي الألباب ولا تغيب عن مدارك أولي النهى ولا تعزب عن نظر وتفكر أولي الأبصار وإن من حلو ثمار الإيمان ما يغرسه الله لأهله في قلوب خلقه من محبة لا يملكون ردها ومودة لا يستطيعون إلا الإقرار بها والخضوع لسلطانها أوضح ذلك سبحانه في محكم كتابه بقوله عز اسمه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) [مريم: 69].

وإن أعظم ما في هذا الود -ياعباد الله- أنه آيةٌ بينةٌ ودليلٌ ظاهرٌ على حب الله -تعالى- كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما واللفظ لمسلم -رحمه الله-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل -عليه السلام- فقال: إني أحب فلان فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض ".. الحديث..

فلا ترى في الناس إلا محبًّا له مثنيًا عليه رؤوفًا رحيمًا به.. عبَّر عن هذا أبلغ تعبير التابعي الجليل زيد بن أسلم -رحمه الله- بقوله: " من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ": يريد أن الناس لا يملكون إلا أن يحبوه، ولو أرادوا استشعار البغض له ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. فانظر إلى الإيمان والتقوى كيف أعقبا صحابهما في قلوب الناس حبًّا لم يعمل له ولم يسعَ إليه ولم يخطر له على بال، ولا عجب في ذلك.. فقد بلغ الإيمان والتقوى بأهلهما مرتبة الولاية فاستحقوا صفة أولياء الله الذين بشرهم ربهم بأنهم لا يخافون ما يستقبلون من أهوال يوم القيامة، ولا يحزنون على ما تركوا من خلفهم في الحياة الدنيا: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يونس: 62- 63].

ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إنهم بلغوا بحب الله لهم وكريم مقامهم عنده أن جعل من ناصبهم العداء بمنزلة من حاربه -سبحانه- كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: " قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب.. ".. الحديث.. ومعناه: أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب، وآذنته: أي أعلمته.. والمراد أنه تعرض لإهلاك الله إياه، وفي هذا -كما قال أهل العلم بالحديث- تهديدٌ شديد؛ لأن من حاربه الله أهلكه..

وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة أيضاً؛ فمن والى أولياء الله أكرمه الله ورضي عنه وهداه واجتباه، وإن من أعظم من تجب موالاته والحذر الشديد من معاداته صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين رضي الله عنهم وأفاض -سبحانه- في الثناء عليهم في محكم كتابه فقال - عز من قائل -: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].. وقال - عز وجل- (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا... ) [الفتح: 29].. الآية.. وقال -سبحانه-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].

ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن سب أحدٍ منهم، وبيَّن أنه لا يبلغ أحدٌ مبلغهم في الجلالة والفضل ولو أنفق ما أنفق من مال، فقال -عليه الصلاة والسلام-: " لا تَسُبُّوا أحدًا من أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه ".. أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.

وبين -صلى الله عليه وسلم- أن حب الأنصار من علامات الإيمان الصادق وأن بغضهم من علامات النفاق؛ ففي صحيح البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار "..

وأخرج الشيخان في صحيحيهما عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أنه قال: " سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق؛ فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله ".

ولذا كانت محبة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أصول معتقد أهل السنة والجماعة التي لا خلاف بينهم فيها.. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- معبراً عن ذلك: " ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نفرط في حب أحدٍ منهم ولا نتبرأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دينٌ وإيمانٌ وإحسان، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيان ".. انتهى كلامه -رحمه الله-.

وإنما كان حبهم -ياعباد الله- دينًا وإيمانًا وإحسانًا لأنه امتثالٌ لأمر الله وطاعةٌ له وتقديمٌ لأمره ونهيه -سبحانه- على كل ما سواهما؛ ولأنهم نصروا دين الله وجاهدوا مع رسوله - صلى لله عليه وسلم- وبذلوا في ذلك الدماء والأموال والأرواح، وما أحسن موقف المسلم الصادق من موقف هؤلاء الأسلاف العظام.. ذلك الموقف الذي صوره القرآن أبلغ تصويرٍ في قول ربنا -تقدست أسماؤه-: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فياعباد الله: جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قوله: " من كان منكم مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات؛ فإن الحي لا تُؤمَن عليه الفتنة.. أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا أفضل هذه الأمة وأبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفاً.. قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه؛ فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ".. فانظروا -يا عباد الله- إلى قوله -رضي الله عنه-: " قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه " ، أفيختار الله لصحبة نبيه غير أفضل الأمة وأعظمها وأبرها وأتقاها له -سبحانه-؟

وجاء عنه -رضي الله عنه- قوله أيضا: " إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد؛ فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه ".. انتهى.

فاتقوا الله -عباد الله-، وحاذر من معادة المؤمنين المتقين حذارًا من ذلك، وفي الطليعة منهم صحابة خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين.. وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله؛ فقد أُمِرتُم بذلك في كتاب الله حيث قال -سبحانه- قولاً كريماً: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الآل والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك ياأكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم اعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، ووحد كلمتهم على الحق يارب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيئ له البطانة الصالحة، ووفقه لما تحبه وترضى ياسميع الدعاء، اللهم وفقه وولي عهده وإخوانهم إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد يامن إليه المرجع يوم التناد.

اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً على كل خير سالمةً من كل شر وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر، اللهم أحسن لنا عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات أعمالنا.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.