الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
رمضان فرصة للمسلمين لينالوا مِن بَرَكَاتِهِ المتَنَوِعَةِ، وتُتْحِفُهُم رَحَمَاتُهُ، وتَغْمُرُهُم نَفَحَاتُهُ الإِيمانِيةُ فهل استغلوها أم أهملوها بممارسات خاطئة سَيئْةٌ تُعَكّرُ صَفوَ صومهم، وتفوِّتُ الأجرَ العظيمَ عَليهِم، والمؤمنُ حقاً يستفيدُ من رمضان بالإقبال على الطاعة...
الخطبة الأولى:
الحمْدُ لِلهِ أَنعَمَ بِالإِيمانِ، وفَرضَ الصَومَ في رَمَضَان، لِنَيّلِ الرِضَا والرِضْوَانِ، وأَشهدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شريك له، الملِكُ الديان، وأَشهدُ أَنَ مُحَمَداً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ، صَلّى اللهُ عليهِ وعَلى آلهِ وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن رمضان فرصةٌ لِلطَاعَاتِ، ومَوسِمٌ لِلتَقَرُّبِ لله بِسَائِرِ القُرُبَاتِ؛ مِن صِيامٍ وقيامٍ وذِكرٍ وقِرَاءَةٍ لِلقُرآنِ واِستِغْفَارٍ وخلقٌ حسن وصدقات، والنفس فيه تكون مقبلةً أكثر على تنوع العبادات مما قد لا يُتَاحُ فِي غَيرهِ.
رمضان فرصة للمسلمين لينالوا مِن بَرَكَاتِهِ المتَنَوِعَةِ، وتُتْحِفُهُم رَحَمَاتُهُ، وتَغْمُرُهُم نَفَحَاتُهُ الإِيمانِيةُ فهل استغلوها أم أهملوها! بممارسات خاطئة سَيئْةٌ تُعَكّرُ صَفوَ صومهم، وتفوِّتُ الأجرَ العظيمَ عَليهِم، والمؤمنُ حقاً يستفيدُ من رمضان بالإقبال على الطاعة؛ من صيامٍ وقيامٍ وصدقةٍ وقرآن وبرٍّ وصلة أرحام؛ ليتحقق معنى التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
لقد تحوّلَ الصيامُ عند البعض إلى عادات اجتماعية ومظاهر تَعَوَّدُوا اِسْتِقْبَالَهَا وَإِحْيَاءَهَا كُلَّ عام، دُونَ التأمُّلِ فِي مَقَاصِدِ رمضان والاستفادة من تربيته.
والأغلبية بِحَمدِ اللهِ فْرَحٌ مسَرور بِقُدُومِ رَمَضَان، يَسْتَبِشِرُ بِحُلُولِهِ، ويَسعدُ بِأَيَامِهِ العَظِيمَةِ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58] يصومونه أَحسنَ صِيام ويكرمونه غَايةَ الإِكرامِ، ويَحَرِصُونَ أَن لا تَفُوتَهم فُرَصُهُ وفَوائِدُهُ، ويتمنون بشوقٍ تكراره.
أيها الإخوة: رمضانُ ليس لأكلٍ وشربٍ وزحامٍ في الأسواق وتنافسٌ في المظاهر، فالإسرافُ في مشتريات رمضان يصل حسب الإحصاء إلى 80% من دخل الفَردِ الشهري هنا يَلَجَأُ بعضهم لمُدْخَراتِهِم أَو للِاقْتِرَاضِ، أو الديون حتى اشتكى بعضهم ولجأ للزكاة وبعضها كماليات، وهذا الإسراف ليس من مقاصد الصيام ولا العقل والدين: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، وكان صلى الله عليه وسلم يُوصِي بِالتَقَلُلِ أَمْنَاً وَصِحَةً: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطن بحسْب ابن آدم أكلات يقمن صُلْبه، فَإِن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه"(رواه الترمذي).
إننا نلاحظ إسرافاً ينذر بالخطر حتى وصل لرمي الأطعمة في النفايات؛ لأنها فوق الحاجة.
نسأل الله ألا يؤاخذنا بذنوبنا ويرزقنا شكر النعم ومعرفة قدرها.
وهاهنا وقفةٌ أخرى مع المرأة في بيوتنا برمضان وغيرها حيث نراها تعمل لأجلنا وهي صائمة أماً أو بنتاً أو أختاً وزوجة؛ تعدُّ لك بالبيت ما يناسبك وتعمل نهار رمضان وليله، وتبذلُ الجهدَ بعناءِ الطبخِ والتنظيفِ والعنايةِ بالأولاد وهي صائمة فلا أقلَّ من كلمةٍ حانية نقولُها لها بعد عملها تقدّر لها جهدها، وتمسحُ عنها تعبها وعناءها، ولا عيب أيضاً من معاونتها بالعمل بالمنزل: "وخيركم خيركم لأهله"، وكان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله وهو رسول الأمة الذي يحمل أعباء الدعوة.
وإن كنت لا تستطيع المعاونة ولا كلمة حانية فامتنع على الأقل عن ألفاظٍ جارحةٍ وتبرّمٍ وتسخطٍ أو عنفٍ يمارسه البعض بكلامه وفعله إذا تأخر عليه الطعام أو تجريحٍ بالكلام يمارس التجريح بالكلام مما يُفاقم المشكلات، ويهدمُ البيوت، والنساءُ شقائقُ الرجال فرفقاً بالقوارير.
كذلك نوصي النساءَ بحق الله عليهم في قيامهم بواجب إكرام زوجها وأبيها وأخيها، وعدم الأثقال عليهم بالمصروفات، والقيام بخدمتهم وإرضائهم، فالحياة تسيرُ بالتكامل والتعامل الحسن والتحمل لمصاعبها فيما بينكم، ورمضانُ فرصة لتجديد علاقة الأسرة وبنائها على الخير والإيمان.
عباد الله: بَعضُ الصَائِمِينَ فِي رَمْضَان يَغْضَبُونَ لأَتْفَهِ الأَسبَابِ، فَيَسُبُّونَ وَيَشْتُمُونَ، ويَتَخَاصَمُونَ ويحتجون بالصوم مما يُنافي أخلاق رمضان، فالصائم يُمْسِكُ لِسَانَهُ عَن اللّغْوِ وَيَصُونهُ عَنِ البَذَاءَةِ، لحديث القدسي: "الصومُ لِي وَأَنا أَجْزِي بِه، والصِيامُ جُنَّة، فَإِذَا كَانَ يَومُ صَومِ أَحَدِكُم فَلا يَرفُث ولا يصْخَب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم"(متفق عليه).
فأمسك لسانك عن قولٍ لا يُرضِي الله، وكُن عَفُوًّا صَفُوحًا حَلِيمَاً، ولا يستَخِفُّنك اللسانُ الآثم فتهلك، ويضيع صيامك، وكن سَمحَاً كَرِيماً بِخُلُقِك تَمَثُلاً لِخُلُقِ رَمَضَان وتَعامُل الإسلام.
واحذر من سرقة أجر رمضان بالعكوف الطويل على القنوات والانشغال بالأسواق والمهرجانات أو كثرة المداومة على وسائل التواصل بما فيها أو السهر المؤثر خاصةً على الموظفين الذي يقل إنجازهم كظاهرة في رمضان مع الأسف.
أَيُّهَا الأَحبةِ: إنَّ لَيَالِيَ رَمَضَان أَفضلُ مِن نَهَارِه كما بَينَ ذَلكَ العُلَمَاءُ وفضلُ الله واسع، فَيَنْبَغِي للمسلم أن يُشغلَ نفسَه بِذِكرِ اللهِ وَالاسْتِغْفَارِ وقِراءَةِ القُرآنِ والاستماعِ لِدُرُوسِ الوَعظِ وَالعِلمِ والزيارات، وصلة الأرحام، ومُتَابَعَةِ المفيدِ النافع، لفهم أَحكَامِ الدينِ وآدَابِ الصِيَامِ والسؤال عما يُشكل عليك قبل الوقوع في الخطأ ثم الكفارات.
رَمَضَانُ -إخوتي- شهرُ قراءة القرآن فأكثروا منها بفهمٍ وتدبّرٍ وليس بتعجُّلٍ لتُنتهيَ أجزاءَه سريعاً للختم مَراتٍ بِدُونِ فَهمِ مَعنَى الآياتِ وتَدبُرِهَا الذي هُوَ المقصودُ: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[محمد: 24]، ثم بلينا بالسرعة والتسابق أيضاً في صَلاةِ التَراوِيحِ وَالقِيَامِ ممن يريدُ قصَرَ الصَلاةِ ويَسْتَعِجِلُ بِهَا ولا يُقيمُ سُنَنِهَا كَمَا وَردتَ وَكَأَنَّهَا هَمٌّ عَليهِ يَرِيدُ إِنَّهَاءَها بِسُرَعَة مِمَا يُفْقِدُها خُشُوعَهَا وَرَوحَانِيَتَهَا، ولنحذر الفتورَ في عبادات رمضان بعد مضي بعضه فهذا من الخسران.
مَعَاشرَ المسلمِينَ: نَحنُ أُمّةُ القُرآن وأُمَّةُ مُحَمّدٍ -صَلى الله عَليهِ وَسلّم- وأُمَّةُ رمضان: فلنستغله لتجديد الإيمان وللإقبال على عبادات هجرناها؛ كالقيام والصدقة والإحسان، والتأكيد على حسن الخلق والمعاملة؛ استجابةً لنداء رمضان: "يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر".
ولنَا أَمثلةٌ في مُجْتَمَعِنَا لعُبّادٍ فُضلاء يَسْتَغِلّونَ رمضان في اِجتهِادِ الطَاعةِ وبَذلِ المعرُوفِ والصَدَقَةِ مُحَقِّقِينَ مَعنَى التَقَوى مِن خِلالِ الصَومِ فلنقتدِ بهم نَسأَلُ اللهَ أَن يَتَقَبَلَ مِنَا ومِنهم.
رَمَضَانُ فُرصةٌ حَقِيقِيّةٌ لاخْتِبَارِ النَفسِ لتوبةٍ وإقلاعٍ وعزمٍ عَلى الإِصلاحِ والإِحسانِ، وفُرصةٌ لمغفرة الذنوب، وتصفيةُ النفوس من القطيعة والمخاصمة والحرمان، فأروا الله مِن أَنَفُسِكم خَيرًا: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
ألا فاتقوا الله -رحِمكم الله- واعلموا أنّ إدراكَ رمضان والإحسان فيه نعمةٌ عظيمة وفضلٌ من الله كبير فتنافسوا -رحمكم الله- في الطاعاتِ، وازدادوا من الصالحات، وجِدّوا بالصيام والقيام.
تقبّل الله منا ومنكم وسائرَ الطاعات، وجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
وبعد: أيها الإخوة: رمضان فرصة لمراجعة كثير من أمور حياتنا فالنفوس فيه مقبلةٌ على الخير مستقبلةٌ للتوجيه هادئة فرسالة أوجهها للشباب خاصة، نكررها لضرورتها: يا شباب اتقوا الله في أرواحكم لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، وأحسنوا إلى والديكم وأهلكم ومجتمعاتكم وأوطانكم بحفظها من الشرور والفتن.
حوادث السيارات أصبحت تحصد منكم الآلاف سنوياً بسبب سرعةٍ وتهورٍ واستهتارٍ بالأنظمةٍ فما هذا؟!
أصبح الخارج منكم مولود والداخل مولود من قلق والديكم وأهلكم عليكم نرى مظاهر التهور والسرعة وإرهاب الشوارع وقطع الإشارة والانشغال بالجوال ويتعاملون مع السيارة وكأنها لعبة جهاز وهي حديد لا يرحم، وقد يتعدَّوْن على الغير بتهورِهم وكم فقدت الأسر أولاداً وآباءً من حوادث السيارات التي تنافس عندنا ضحايا الحروب والأمراضِ الفتاكة فحوالي 7000 قتيل سنوياً والمصابون حوالى 30.000 منهم 20% معاقون عدا خسائر مادية وفواجع أسريّة يا شباب؟!
اتقوا الله في أنفسكم، تعاملوا مع السيارة بحذر وانتباه، وقدّروا نعمةَ وجودها بين أيديكم، ولا يغرنكم المتهورون، والتزموا بالأنظمة، وارفقوا بقلوب أهلكم.
ورسالة للمرور ولجان السلامة: الله الله بتطبيق الأنظمة، والاهتمام بسلامة الشوارع من العوائق والأخطار، وتهيئتها للناس لعلّ حوادثنا تقل -بإذن الله-.
نسأل الله أن يحمينا جميعاً من غوائل السوء والحوادث والفتن ما ظهر منها وما بطن.