المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - أسماء الله |
ومن الأسباب التي تؤدّي إلى غضب الله -تعالى- نذكر: الإشراك بالله والكفر به؛ فقد غضب الله على أمم وأفراد وشعوب، فغضب على بني إسرائيل نتيجة أفعالهم وخروجِهم عن منهجه -سبحانه-، وقتلهم لأنبيائهم بغير حقّ, قال...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: لله الأسماء الحسنى والصفات العلى، سمى بها نفسه ووصف بها ذاته، في كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهناك من الأسماء والصفات ما استأثر بها في علم الغيب عنده، والمسلم مطالب بإثبات أسماء الله وصفاته كما جاءت دون تشبيه أو تعطيل أو تكييف أو تأويل، قال -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11], فليست صفاته -تعالى- كصفات المخلوق، ولا صفات المخلوق كصفاته؛ فليس سمعه كسمع المخلوق، ولا بصره كبصر المخلوق، ولا حبه كحبه، ولا سخطه كسخطه.
وإن من صفات الله التي ينبغي أن نثبتها له -سبحانه- صفة "الغضب", قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وقال -تعالى-: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [الفتح: 6]، وقال -تعالى- في اليهود: (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) [البقرة: 90].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اشتد غضبُ الله على قومٌ فعلوا بنبيه -يشير إلى رَبَاعِيَتِه-, اشتد غضبُ الله على رجلٍ يقتُله رسولُ الله في سبيلِ الله"(البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من حلف على يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ هو فيها فاجرٌ؛ لقي الله وهو عليه غضبان" (البخاري), وفي حديث الشفاعة في الصحيحين: أنَّ آدمَ ونوحًا وإبراهيمَ وموسى وعيسى -عليهم الصلاة والسلام- قال كل واحد منهم: "إن ربي غضب اليوم غضبًالم يغضبْ قبلَه مثلَه، ولنْ يغضبَ بعده مثلَه" (البخاري).
وسبب غضبه ذلك أن هذا اليوم هو يوم الفصل, ويوم الحساب, وكل الظلمة والطواغيت والمجرمين، وكل من أمهلهم الله -سبحانه- ومن أنظرهم الله -سبحانه- مجتمعون، وهذه هي ساعة الانتقام من الجميع -نسأل الله العفو والعافية- وليس هناك غضب أشد منه.
معاشر المسلمين: وأهل السنة والجماعــة يثبتون صـفة الغضب لله -عزَّ وجلَّ- بوجـه يليق بجلالـه وعظمته، لا يكيفون ولا يشبهون ولا يؤولون؛ كمن يقول: الغضب إرادة العقاب، ولا يعطلون، بـل يقولـون: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى: 11], قال الطحاوي في (عقيدته) المشهورة: "والله يغضب ويرضى لا كأحدٍ من الورى", قال الشارح ابن أبي العز الحنفي: "ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضا والعداوة والحب والبغض, ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة".
وقد بين الله -عز وجل- في كتابه أنه يغضب على العاصين من الكفار والمنافقين ونحوهم، وجاء في الحديث الشريف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "من لم يسأل الله يغضب عليه" (حسنه الألباني)، قال في تحفة الأحوذي: "لأن ترك السؤال تكبر واستغناء، وهذا لا يجوز للعبد"، ونعم ما قيل:
لا تسألن بُنيَّ آدم حاجةً | وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ |
الله يغضبُ إن تركت سؤاله | وبُنَيَّ آدم حينَ يُسألُ يغضبُ |
وقد غضب الله على اليهود لما علموا ولم يعملوا بعلمهم، فقال -تعالى-: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:7].
وقال -تعالى- في شأن الزوجة الزانية التي يلاعنها زوجها: (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور:9]، ووجه غضب الله عليها هنا أنها كتمت الحق وهي موقنة به، وهذا مما يستوجب غضب الله -تعالى-.
وهناك أمثلة كثيرة في القرآن والسنة، يمكن الرجوع إليها عن طريق تتبع الآيات التي تكلمت عن غضب الله -تعالى-، علماً بأن العبد إذا فعل ما يوجب غضب الله -تعالى- ثم تاب، فإن الله يتوب عليه، قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25].
عباد الله: إذا غضب العظيم فمن ذا ينفع؟، إذا غضب الجبار من ذا ينفع؟ انظر إلى الجبل ما حجمك بالنسبة إليه, اسمع لربك يخبرك ماذا حدث للجبل: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف :143]؛ هذا الجبل اندك دكاً أمام عظمة الله فهل تطيق ما يطيقه الجبل؟!.
بل حتى جبال الدنيا كلها لو اجتمعت لا تساوي أمام قدرة وقوة الله شيئاً, اسمع للجبار ينبئك بقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه:105-107]، وما الجبال إلى جوار السموات والأرض؟ (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) [فصلت:11].
ومن الأسباب التي تؤدّي إلى غضب الله -تعالى-: الإشراك بالله والكفر به؛ فقد غضب الله على أمم وأفراد وشعوب، فغضب على بني إسرائيل نتيجة أفعالهم وخروجِهم عن منهجه -سبحانه-، وقتلهم لأنبيائهم بغير حقّ, قال -تعالى- عن بن إسرائيل: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) [الأعراف. 152]، يقول ابن كثير: "أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل فهو أن الله -تعالى-لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضا, وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلا وصغارا في الحياة الدنيا".
ومن ذلك: ارتكاب الإنسان للمَعاصي والذّنوب الكبيرة التي حرّمها الله -سبحانه-, وارتبط بها وعيده مع الإصرار عليها، والمجاهرة بها بين النّاس والتّفاخر بها على الرّغم من ستر الله -تعالى- عليه.
كما أن الله -تعالى- يغضب أعظم الغضب على من لا يشكر نعم الله -تعالى- بل يكفر, كما قال -تعالى-: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) [طه:81].
ومن أسباب غصب الله: الكبر والغرور، فهذا قارون غره ماله فطغى وتجبر وأنكر نعمة الله عليه فلما نزل به غضب الله فقد ماله ونفسه في لحظة, واسمع لله يخبرك عن ذلك بقوله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص:81].
ومن أسباب غصب الله: تعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله -عز وجل-: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال: 25], قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أمرَ اللهُ المؤمنين أن لا يُقِرُّوا المنكرَ بين ظهرانَيهم، فيعُمَّهم اللهُ بالعذابِ، يُصيبُ الصالحين منهم ما أصابَ الناسَ، يهلِكون مهلكًا واحِدًا، ويصدُرون مصادر شتَّى، يبعثُهم الله على نيَّاتهم".
وأخرج الإمامُ أحمد، والترمذي وحسَّنه من حديثِ حُذيفةَ بن اليمان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لتأمرنُّ بالمعروف ولتنهَوُنَّ عن المُنكَر؛ أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تدعُونَه فلا يُستجابُ لكم", وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ما من قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي ثم يقدِرون على أن يُغيِّروا ثم لا يُغيِّروا؛ إلا يُوشِكُ أن يعُمَّهم اللهُ منه بعقابٍ" (أخرجه الإمام أبو داود).
ومنها: الظلمُ وهو من أعظم أسباب غضب الله، فبسببه هلَكَت الأممُ السالِفة والقرونُ الخالية، وبسببه تسقُط الدولُ، وتهلَك القُرى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف: 59]، وقال -سبحانه-: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِين) [الأنبياء: 11].
وكذا: خُذلان المظلوم والتخلِّي عن نُصرته، فإن ذلك مُؤذِنٌ بالعقوبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخُذوا على يديه أوشكَ أن يعُمَّهم الله بعقابٍ" (أخرجه الترمذي).
أيها الأحبة: ومن أسباب غضب الله: الغفلةُ والإغراقُ في اللهو والعبَث, جاء في المُسند عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتَ اللهَ يُعطِي العبدَ من الدنيا على معاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو استِدراجٌ, ثم تلا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون) [الأنعام: 44]", قال الحسنُ -رحمه الله-: "مكِر بالقومِ وربِّ الكعبة أُعطُوا حاجتهم ثم أُخِذوا"، وقال قتادة -رحمه الله-: "بغَتَ القومَ أمرُ الله، وما أخذَ اللهُ قومًا قطُّ إلا عند سَكرتهم وغِرَّتهم ونِعمتهم".
وقد ينزل غضب الله بكلمة يقولها المرء لا يلقي لها بالاً؛ سب، شتم، قذف، شهادة زور، مناصرة ظالم، طمس حقيقة، عقوق، وغيرها, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ, وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" (البخاري)
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على رسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وبعد:
أيها المؤمنون: إن الغفلة عن غضب الله أمر خطير يجب التنبيه عليه, وقد ذم الله قوماً أمنوا غضب الله ومكره، ولله مع خلقهِ أيامٌ وسُنن، فأين ثمود وعاد؟! وأين الفراعِنةُ الشِّدادُ؟! أين من قدُّوا الأرضَ ونحَتوا الجبال، وحازوا أسباب القوة واحتاطوا للنوائِب؟! لما نسُوا اللهَ غضب عليهم و أوقعَ بهم بأسَه، فصاروا بعد الوجودِ أثرًا، وأصبحوا للتاريخ قصصًا وعِبرًا.
فاحذروا غضب الله، فإن لغضبه -سبحانه- صوراً متعددة قد لا تخطر على ذي بال، (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون) [العنكبوت:40].
واعلموا -رحمكم الله- أن أعظم ما يستدفع به غضب الله، هي تقواه والعمل بما شرع واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- والبعد عن الأسباب التي ذكرنا, والصدقة يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ" (الترمذي)، ولزوم الاستغفار يقول الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33].
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).