الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد - أسماء الله |
الكفيل -سبحانه- هو القائم بأمر الخلائق كلهم، المتكفل بأقواتهم وأرزاقهم، والمدبر لأمورهم، ورعاية مصالحهم، وهو الذي خلق الأرزاق والمرزوقين، وخالق الحاجات والمحتاجين؛ وهو الذي توكّل بحياة الخلائق كافة، فما من مخلوق إلا وهو متمتع برزقه تعالى، مغمور بكرمه، لا يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًّا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجلد القوي، متكفل بالأقوات وإيصالها، بحيث يأخذ كل كائن نصيبه...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، أما بعد:
عباد الله: إن من أسماء الحسنى الثابتة بالقرآن والسنة, اسم الله الكفيل، قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) [النحل:91]، ولم يرد اسم الله الكفيل في القرآن بهذا اللفظ إلا في هذا الموضع، قال الطبري: "أي: وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه على أنفسكم راعيًا، يرعى الموفّي منكم بعهد الله الذي عاهد على الوفاء به". وقال القرطبي: "(كفيلاً) يعني شهيدًا, ويقال: حافظًا، ويقال: ضامنًا". وقال الشوكاني: "(وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً) أي شهيدًا، وحافظًا، وضامنًا، وقيل: رقيبًا؛ لأن الكفيل يراعي حال المكفول به".
أيها المؤمنون: روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ "رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً. قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاً، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا".
قال الحافظ ابن حجر: "وَفِيهِ طَلَب الشُّهُود فِي الدَّيْن، وَطَلَب الْكَفِيل بِهِ, وَفِيهِ فَضْل التَّوَكُّل عَلَى اللَّه، وَأَنَّ مَنْ صَحَّ تَوَكُّله تَكَفَّلَ اللَّه بِنَصْرِهِ وَعَوْنه". وأفاد الحديث أيضاً أن كل من صدق مع الله، ووثق به، وتوكل عليه، ورضي به -سبحانه- كفيلاً، كان الله كفيله وحسيبه، فأعانه على الوفاء، ويسّر له الأمر من حيث لا يحتسب.
أيها المؤمنون: والكفيل لغةً: يدل على معاني الحفظ والرعاية والضمان والإعالة, والكفيل -سبحانه- هو القائم بأمر الخلائق كلهم، المتكفل بأقواتهم وأرزاقهم، والمدبر لأمورهم، ورعاية مصالحهم، وهو الذي خلق الأرزاق والمرزوقين، وخالق الحاجات والمحتاجين؛ وهو الذي توكّل بحياة الخلائق كافة، فما من مخلوق إلا وهو متمتع برزقه تعالى، مغمور بكرمه، لا يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًّا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجلد القوي، متكفل بالأقوات وإيصالها، بحيث يأخذ كل كائن نصيبه، قال تعالى: (كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء:20].
وقد قضى الكفيل -سبحانه- ألا يقبض أحدًا حتى يستوفي رزقه الذي قُسم له، كما تكفل بإيصاله إليه، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، قال الله تعالى: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:11].
عباد الله: إن خزائن الله -عزَّ وجلَّ- مملوءة بكل شيء، يعطي منها جميع الخلائق ولا تفنى، قال الله تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل: 96]، لو سأله جميع الخلائق فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئًا؛ لأن فضله، لا يصفه الواصفون، ولا يخطر بقلب بشر، بل وصل فضله وإحسانه إلى ما وصل إليه علمه، تبارك ربنا وسع كل شيء رحمة وعلمًا، فعمّ بفضله وإحسانه وعلمه ورحمته جميع الخلائق. فليس في وسع أحد أن يرزق نفسه، أو يدبّر أمر نفسه، ويستقلّ بذاته عن الله الكفيل -سبحانه-.
يَا مَنْ لَهُ الْفَضْلُ مَحْضًا فِي بَرِيَّتِهِ | وَهُوَ الْمُؤَمَّلُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالْبَاسِ |
عَوَّدْتَنِي عَادَةً أَنْتَ الْكَفِيلُ بِهَا | فَلَا تَكِلْنِي إلَى خَلْقٍ مِنْ النَّاسِ |
والكفيل -سبحانه- هو العائل والضامن، قال -سبحانه-: (وَلاَ تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) قيل: حافظًا ضامنًا. وقال -جل وعلا-: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) [آل عمران: 37]، وقال تعالى: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) [آل عمران: 44]، أي يضمها لرعايته. قال الراغب الأصفهاني في [المفردات]: "الكفالة الضمان، والكفيل الحظ الذي فيه الكفاية، كأنه تكفَّل بأمره".
وإذا أيقن العبد بهذه المعاني أيقن أن الكفيل -سبحانه- هو الضامن والوكيل والمعطي على الحقيقة؛ لذلك صح عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ" (أبو نعيم في الحلية وصححه الألباني).
فلتهنأ القلوب بكفالة الرب الكفيل -سبحانه-، ولتسعد الأرواح برعاية رب العالمين، ولتطمئن النفوس إلى رب قادر رحيم، قال ابن القيم:
وَهُوَ الكَفِيْلُ بِكُلِّ مَا يَدْعُونَهُ | لا يَعْتَرِي جَدْوَاهُ مِن نُقْصَانِ |
وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل | بحفظهم من كل أمر عانِ |
فَتَوَسُّطُ الشُفَعاءِ والشُّركَـاءِ | والظُهرَاءِ أَمْرٌ بَيّنُ البُطْلانِ |
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أيها الإخوة: ما أجمل الثقة واليقين برب العالمين، فإذا تيقن المسلم أن الكافل والرازق والحافظ في الحقيقة هو الله رب العالمين لم يخضع إلا له، ولم يذل لغيره، وكان حرًّا من سيطرة كل مخلوق، وإذا فهم ذلك أطاع ربه واستسلم له راجيًا الخير كله منه، ولم يلجأ للعصيان طلبًا لما يتصوره خيرًا، فالزواج رزقٌ ضمنه الكفيل؛ فلا تطلبه الفتاة لنفسها، والأم لابنتها بوسائل تُغضِب الكفيل -سبحانه-، والمال يملكه الكفيل، فلا يجمعه العبد من الحرام، والجاه والمكانة والعزة والرفعة ليست إلا بيد الكفيل -سبحانه-، فإذا اجتنب العبد طريق العصيان كان بعيدًا عن الخذلان، قريبًا من الرحمن الرحيم -سبحانه-.
وفي صورة رائعة يرسم لنا النبي -صلى الله عليه وسلم -صورة رائعة للمؤمن بأنه رجل لا يخاف في الله لومة لائم، ويعرف أن الكفيل بالأرزاق والأعمار هو رب العالمين، ولذلك لا يمنعه خوفُ الناس من أن ينطق بالحق ويصرّح به، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ" (أحمد وصححه الألباني).
ولننتبه -إخواني- كم من إنسان منا جعل الله على نفسه كفيلاً ووكيلاً في يمينه ووعده وعهده، ثم لم يوفِّ بعهده، وحنث في حلفه، ولم يؤد ما وعد به، وكثيرًا ما يقسم العباد ويعطون العهود والمواثيق ولا يوفون بما عاهدوا الله عليه. قال الشيخ الفوزان تفسيرًا لقول الله تعالى: (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً)،: "والمعنى أن الله -سبحانه- ينتقم ممّن نقض العهد؛ لأنّهم إنّما وثِقوا بكم ووثقتم بهم باسم الله -سبحانه-، فصار الله -سبحانه- كفيلاً وحسيبًا ورقيبًا على الجميع، ومن كان الله حسيبَه ورقيبَه ومحاسبه، فإنّه لن يفوت على الله -جل وعلا-، ولا يخفى ما في قلبه وفي نيّته من النّيات الباطلة والغدر، فالله يعلم ما في القلوب، فكيف إذا ظهر ووقع، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، هذا الكفيل ليس كغيره من الكفلاء، فالكفيل من الخلق قد يغفل، وقد يجهل، ولا يعلم بما يحصل من المكفول، ولكنّ الله -جل وعلا- لا تخفى عليه أفعال خلقه وأعمال عباده، فهو يعلم أفعالكم ونيّاتكم، ومقاصدكم وأهدافكم، وما ترمون إليه، فاحذروا من الله -سبحانه- وتعالى، احذروا من هذا الكفيل العليم الخبير القدير الذي لا يخفى عليه شيء ولا يُعجزه شيء".
واعلموا -أيها المسلمون- أن من أيقن بالكفيل تعالى وأنه الضامن لأرزاق عباده ومصالحهم كلها، يجعل تعلقه به -سبحانه- ويخرج من حوله وقوته، إلى كمال حول الله وقدرته، فيركن إليه في جميع أموره وأحواله ومطالبه، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2]. قال القرطبي: "فيجبُ على كل مؤمن أن يعلم أن كلَّ ما لا بدَّ له منه، فالله -سبحانه- هو الوكيـل والكفيل المتوكِّل بإيجاده وإيصاله إلى العبد، إما بنفسه فيخلقُ له الشِّبَع والرِّي كما يخلق له الهداية في القلوب، أو بواسطة سببٍ كمَلَك أو غيره يوكَّل به, حتى الهداية، فإن الله -سبحانه- وتعالى يرى عبدَه ضالاً فيهديهُ، عندما يجده يأوي بقلبه إليه، ويطمع في فضل الله عليه بالهداية، لذا فوِّض أمرك -أخي- إليه، ثمَّ بعد ذلك تنعّم بفضله عليك".
فكل من صدق مع الله، ووثق به، واتخذه كفيلاً، وأيقن فيه، وتوكل عليه، ورضي به -سبحانه- كفيلاً، كان الله كفيله وحسيبه، فأعانه على الوفاء، ويسّر له الأمر من حيث لا يحتسب، فاصدقوا مع ربكم، وثقوا به، وأحسنوا التوكل عليه، لتحيوا الحياة الطيبة.
وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ حيث أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).