المهيمن
كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...
العربية
المؤلف | تركي بن علي الميمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التوحيد |
عباد الله: خلق الله الخلق لغاية عظمى، وهي: توحيده وإفراده بالعبادة، ولأجل هذا التوحيد شرعت العبادات، فالعقيدة هي الأساس في كل شيء: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]. ومع هذا، فالإنسان يخاف على نفسه مما يقدح في توحيده لله، بل الأنبياء مع مكانتهم العالية، ومنزلتهم الرفيعة، كانوا يخافون على أنفسهم من الوقوع في الشرك. ومن أجل ذلك كان الكلام عن بعض الأخطاء العقدية لتجنب الوقوع فيها؛ لأن...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: خلق الله الخلق لغاية عظمى، وهي: توحيده وإفراده بالعبادة، ولأجل هذا التوحيد شرعت العبادات، فالعقيدة هي الأساس في كل شيء، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
ومع هذا، فالإنسان يخاف على نفسه مما يقدح في توحيده لله، بل الأنبياء مع مكانتهم العالية، ومنزلتهم الرفيعة، كانوا يخافون على أنفسهم من الوقوع في الشرك، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65].
وقال حذيفة -رضي الله عنه-: " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي"[رواه البخاري(7084)].
ومن أجل ذلك كان الكلام عن بعض الأخطاء العقدية لتجنب الوقوع فيها؛ لأن الوقوع فيها وقوع في الشرك من حيث لا يشعر الإنسان؛ فمن دلائل ضعف العقيدة، وضعف التوكل على الله -سبحانه وتعالى-؛ كثرة السحرة، والكهنة والمشعوذين، ونحوهم، وكون سوقهم رائجة.
إن هؤلاء لا يكثرون حينما تصحح العقيدة، ولا ينشئون في بلد يؤمنون بأن هؤلاء السحرة لا يتعلمون السحر إلا مع الكفر بالله؛ كما قال تبارك وتعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ) [البقرة: 102].
فالإتيان إلى السحرة والمشعوذين خطر عظيم على العقيدة، يخشى على صاحبها من الزيغ، فيجب الحذر من هؤلاء.
ويجب إقامة حكم الله -سبحانه وتعالى- في هؤلاء السحرة، فيبين حالهم، ويبين الحكم فيهم، فجمهور العلماء يرون: أن السحرة يقتلون ردّة أو حداً؛ وذلك حتى يتخلص المسلمون من شرورهم.
وأن يفضح هؤلاء السحرة، وأن يبين كذبهم ودجلهم، فإن هؤلاء السحرة والكهان كثروا ولعبوا بعقول الناس، وبعواطفهم، فيجب أن نحرص كل الحرص على بيان دجلهم وكذبهم.
فمن الخطأ ذهاب بعض جهال المسلمين إلى الكهان لسؤالهم عن المغيبات؛ فمن ذهب إلى الكهان ولم يصدقهم لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، وأما من صدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- " [رواه أبو داود(3904) وأحمد في المسند(2/429)]. [الملخص في شرح كتاب التوحيد، للشيخ صالح الفوزان، ص 214].
فهؤلاء الكهنة ونحوهم مما يجب أن يُتنبه إلى خطرهم، وأنهم يفسدون في الأرض فساداً عظيماً، فهم ينشرون السحر والكهانة، والشرك بالله؛ لأنه من المعلوم أن السحر لا يقوم إلا بعد الكفر بالله -نسأل الله السلامة والعافية-.
كما أن هؤلاء ينشرون أنواع الفساد في الصرف والعطف، ونحو ذلك.
فظنّ بعض الناس: أن النُشرة جائزة بجميع صورها، وهذا من المفاهيم الخاطئة -والنشرة هي حل السحر-.
فإن كان حل السحر بسحر مثله، فهذا لا يجوز؛ لأن فيه تصديقاً لهؤلاء السحرة، وتعزيزاً لمكانتهم، والإتيان إليهم.
وإن كان علاج السحر بالرقى والأدعية الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهذا من الرقى المشروعة الجائزة.
فمن المعلوم والمشاهد: أن كثيراً من الناس إذا أصيب بمرض وقيل له: إن فيه سحراً، تجده يدور على السحرة في مشارق الأرض ومغاربها، وكثيراً ما ينتهي إليه أمره إلى الوبال في الحالين، فلا حصل له الشفاء، ولا سلم من الإثم، وهذا لا يجوز.
والواجب أن نعالج بالقراءة الشرعية، المشتملة على الدعاء والالتجاء إلى الله وحده لا شريك له.
فكم من أناس أصيبوا بالسحر -ووفقهم الله سبحانه- للرقية الشرعية، فشفاهم الله.
ومن شدّ الرحل وسافر لزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، فقد ارتكب مخالفة شرعية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى" [رواه البخاري(1189)].
والتبرك بقبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو التمسح به، أو السؤال عنده، وكذا غيره من القبور والآثار؛ كل ذلك من البدع التي كثرت وشاعت، فينبغي أن نحذر منها، وأن نحذّر منها غيرنا؛ أما دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسؤاله الحاجات من دون الله -تبارك وتعالى-، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة.
فما وضعت الحواجز أمام قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- لمنع الناس من القرب والتمسح، إلا بسبب كثرة البدع عنده.
والتبرك بالكعبة وجدرانها، وستورها، وبابها، والتمسح بها، فهذا كله لا يجوز، والوارد تقبيل الحجر الأسود ومسحه، وكذا مسح الركن اليماني عند الاستطاعة.
وكذلك -مما ينبغي الحذر منه- التبرك بالآثار المتعددة في مكة والمدينة، مثل التبرك بغار ثور، أو غار حراء، أو بعض الأماكن في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكل ذلك من الأمور المبتدعة التي يجب الحذر منها، وأن نحذر المسلمين منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]
عباد الله: ومن الأمور الخطيرة الشائعة التي يجب الانتباه إليها: الاستهزاء بالدين، وبالملتزمين، وبشعائر الإسلام؛ كاللحية، أو الصلاة، أو غير ذلك من الشعائر.
ومن المؤسف جداً: أن هذا شاع وانتشر بين كثير من الناس؛ ولا سيما في بعض القنوات المشبوهة التي يقع فيها: التنقص من شرع الله، أو من العلماء والدعاة الناصحين المتمسكين بهذا الدين؛ من أجل إسقاط القدوات، وقيمة العلماء من قلوب الناس.
وهذا باب خطير جداً قد يؤدي بصاحبه إلى الكفر؛ فالاستهزاء بالله، أو بالإسلام، أو بشريعة من الشرائع كفر بالله -تبارك وتعالى-، والله -تعالى- يقول عن أولئك الذين سخروا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عند الذهاب لغزوة تبوك: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)[التوبة: 65-66].
قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "في هذه الآيات دليل على أن من أسرّ سريرة، خصوصاً السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله، فإن الله -تعالى- يظهرها ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشدّ العقوبة. وأن من استهزأ بشيء من كتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه، أو سخر بذلك أو تنقصه، أو استهزأ بالرسول، أو تنقصه، فإنه كافر بالله العظيم، وأن التوبة مقبولة من كل ذنب، وإن كان عظيما" ا. هـ [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: للسعدي(2/262)].
فيا أيها الناس: احذروا من هذا حذراً شديداً، فإن الاستهزاء بالدين كفر، ولو كان على سبيل المزاح أو إضحاك القوم.
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "لا شك أن المزاح بالكذب وأنواع الكفر من أعظم المنكرات، ومن أخطرها ما يكون بين الناس في مجالسهم، فالواجب الحذر من ذلك، وقد حذّر الله منه بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65-66].
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ"[رواه أبو داود(4990) وحسنه الألباني] [مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(2/509)].
فمن استهزأ بأحد الملتزمين لأجل ما تمثل به من شريعة، فإن هذا استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، إما إذا استهزأ بأشخاصهم، فهذا مزلق خطير يُخشى على صاحبه.
فالواجب الحذر من ذلك، والتحذير منه؛ لما في ذلك من الخطر العظيم، والفساد الكبير، والعواقب الوخيمة، عافانا الله والمسلمين من ذلك، وسلك بنا وبهم صراطه المستقيم، إنه سميع مجيب.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
وصلوا وسلموا...